سنوات طويلة قضاها متنقلاً بين عدة وزارات وهيئات ومؤسسات ترك في كل منها بصمته الثرية، باحثاً ومؤلفاً ميدانياً وفكرياً خلوقاً وقريباً من قلوب كل من تعامل معهم أو علّمهم.

برحيله خسرت "سورية" علماً من أعلامها الموسوعيين الكبار، لكن العزاء أن ما تعب عليه سوف يشق طريقه للأجيال القادمة خالداً في عشرات الكتب والمؤلفات العلمية المحكمة التي توجها بإصدار "الموسوعة العربية للعلوم والتقانات" في جزئها الأول على أن يتابع رفاقه إصدار بقية الأجزاء التي ترك في كل منها جزءاً من روحه.

لقد كان له دور مهم في إنجاز الموسوعة العامة، وهو مؤسس موسوعة العلوم والتقانات ورئيسها وراعيها ومحركها، وللفقيد بصمات كبيرة ومساهمات رئيسة في كل الجهات والهيئات التي عمل فيها وآخرها هيئة الموسوعة العربية، وله مؤلفات عديدة وأبحاث ومقالات قيمة كثيرة في المجلات المحكمّة والدوريات العلمية وفي الموسوعتين العامة والمتخصصة

في حديث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 21 تشرين الأول 2015، يقدم "محمد وليد الجلاد" رئيس "شعبة التقانات الصناعية" في هيئة الموسوعة؛ شهادته في الباحث "أسامة العوا" فيقول: «كان الباحث "العوا" إنساناً مثالياً بكل معنى الكلمة في لباقته وتعامله مع الآخرين، إضافة إلى كونه رجل علم وبحث وتخصص في شؤون الجينات والمورثات، كان مثلاً في صدقه وإخلاصه في تعامله مع رفاقه وطلابه وأصدقائه لا يبخل على أي منهم بما يمكنه، وفي عمله الموسوعي لإصدار موسوعة التقانات بذل جهداً كبيراً على الرغم من مرضه، إلا أن سعادته بإنجاز وطباعة الجزء الأول أنسته كل تعبه وأفرحته».

الدكتور المهندس محمد خالد شاهين

يذكر الدكتور المهندس "محمد خالد شاهين" اختصاصي الاتصالات الفضائية، أحد رفاقه أيضاً، أنه كان للدكتور "العوا" أدوار مهمة في كل مكان حل فيه، ويضيف: «لقد كان له دور مهم في إنجاز الموسوعة العامة، وهو مؤسس موسوعة العلوم والتقانات ورئيسها وراعيها ومحركها، وللفقيد بصمات كبيرة ومساهمات رئيسة في كل الجهات والهيئات التي عمل فيها وآخرها هيئة الموسوعة العربية، وله مؤلفات عديدة وأبحاث ومقالات قيمة كثيرة في المجلات المحكمّة والدوريات العلمية وفي الموسوعتين العامة والمتخصصة».

كان "العوا" محباً للعلم ومحباً للتقانات، يضيف الدكتور "شاهين": «كان يتابع تطور العلوم والتقانات ليس في مجاله فحسب بل في مجالات شتى من الوراثة إلى الفضاء مروراً بالفيزياء والكيمياء والمعلومات والإلكترونيات والاتصالات والصناعات والبيئة وغيرها الكثير، فكان بحق باحثاً وعالماً موسوعياً قل مثيله، وقد كان يزودني على الدوام بما يقع تحت يديه من مجلات علمية متقدمة وحديثة للاطلاع عليها والإفادة منها».

موسوعة الآثار في سورية

ولد الراحل "أسامة العوا" في "دمشق" بتاريخ 13 آذار 1933، درس في مدارسها ونال ماجستيراً في الإنتاج الحيواني من جامعة "عين شمس" بـ"القاهرة" عام 1956، ليعود إلى "دمشق" ويدرّس في الثانوية الزراعية، ثم عيّن مديراً للمكتب الفني لوزير الزراعة والإصلاح الزراعي في حكومة الوحدة مع "مصر". كما يذكر ذلك الراحل في سيرته الذاتية المطبوعة.

ثم انتقل إلى كلية الزراعة بجامعة "دمشق" ليدرّس علوم الحيوان والدواجن (1961-1970)، ثم حصل على ماجستير ودكتوراه في الإنتاج الحيواني من جامعة "أوكلاهوما" في "الولايات المتحدة" عام 1970، ثم عمل أستاذاً مساعداً لعلوم الوراثة وتربية الحيوان والإحصاء وتحليل التجارب (1970-1975)، ثم أستاذاً لنفس المادة حتى عام 1982.

مقر هيئة الموسوعة العربية

من كلية الزراعة إلى المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة "أكساد"؛ حيث عمل كما يقول هو "في إعداد برامج بحثية وتنموية في مجالات الإنتاج الحيواني وموارد الغذاء في عدد كبير من البلدان العربية والإشراف على تنفيذها وتحليل نتائجها ونشرها".

وإلى "صنعاء"؛ حيث قام هناك بالتأسيس لقسم الإنتاج الحيواني والنباتي والمزرعة التابعة له، حيث قضى هناك بضع سنوات عمل فيها بدأب على نقل وتوطين أفكار منتجة للزراعة اليمنية، عاد بعدها عام 1994 إلى "سورية" إلى هيئة الموسوعة العربية.

بدأ في الموسوعة خبيراً في قسم العلوم التطبيقية ثم رئيساً له، ثم رئيساً لموسوعة العلوم والتقانات التي أنجز منها مجلدها الأول وصدر العام الماضي، متوقعاً أن تكون في عشرين مجلداً.

تذكر "دانة عرقسوسي" أمينة سر الهيئة: «بقي الدكتور "أسامة" طوال خمسة عشر عاماً أمضيناها في مكتب واحد في الموسوعة مثال الأب والأخ والصديق والمعلم والقدوة، كان شغله الشاغل دوماً العلم ومتابعة مستجداته، كان دقيقاً جداً في كل ما يعمل ومثابراً يطمح بالأعلى، وكان ودوداً بشوشاً دائماً ومازحاً ولطيفاً وكل من عرفه يذكره بلطفه الرائع وأخلاقه الرفيعة، وقد بقي حتى آخر أيامه متابعاً لحلمه في إصدار موسوعة العلوم والتقانات، وكم كانت الفرحة كبيرة عندما صدر المجلد الأول منها! وستبقى المجلدات المقبلة تحمل لمساته لأنه مؤسس هذه الموسوعة المتخصصة وهو من وضع خطوطها العريضة ومنهجها».

أصدر عبر حياته عشرات الكتب والمؤلفات العلمية والبحوث المحكمة، من عناوينها: (مبادئ الوراثة، التحسين الوراثي للحيوانات الزراعية، فيزيولوجيا التناسل والتلقيح الصناعي)، إضافة إلى عمله في الإشراف على موسوعة الثروة الحيوانية في الوطن العربي عن منظمة "أكساد" وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره كله.

رحل الباحث "أسامة العوا" عن دنيانا بتاريخ 8 تشرين الأول 2015، بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز اثنين وثمانين عاماً.