أحد العلماء الذين أغنوا المجتمع الدمشقي بعلمه، حفظ "صحيحي البخاري ومسلم" عن ظهر قلب، أُطلق عليه "محدث الشام"، ألف ما يزيد على أربعين كتاباً، أسس لنهضة علمية وأخلاقية واجتماعية.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 27 كانون الثاني 2015، الباحث "محمد فياض" الذي تحدث عن العلامة "بدر الدين الحسني"، ويقول: «ألف نحو أربعين مؤلفاً ولم يجاوز العشرين من عمره، له باع طويل وقدم راسخة في كافة العلوم حتى الرياضيات العالية، والحكمة، والفلسفة، والطب، والجغرافية، والهندسة، في الثلاثين من عمره قرأ درساً عاماً في جامع "السادات" عن ظهر قلبه من "صحيح البخاري"، وقد أثرت بالناس فصاحته وتكلمه على الحديث الواحد من علوم شتى، فلما كثر الخلق عليه وضاق بهم الجامع انتقل إلى جامع "سنان باشا"، فكان يقرأ ليلة الجمعة والإثنين من بعد المغرب إلى العشاء ويجتمع حوله الألوف من الناس».

كان الإمام يحفظ غيباً صحيحي البخاري ومسلم بأسانيدهما، حيث لا يغيب عليه حديث قط من الكتب الستة، وكان يحفظ أسماء رجال الحديث وما قيل فيهم، ويحفظ سنوات وفاتهم ويجيبك عما شئت منها، ولم يكمل الثامنة عشرة من عمره حتى نبغ نبوغاً باهراً لفت إليه أنظار مشايخه فأجازوه إجازة عامة وأذنوا له بالتدريس

وعن تفاصيل نشأته وحياته يقول "فياض": «هو "محمد بدر الدين بن يوسف بن بدر الدين بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن عبد الله بن عبد الملك بن عبد الغني الحسني" ولد في "دمشق" سنة 1267هـ الموافق لسنة 1850م، من أبوين فاضلين تقيين ورعين، نشأ في حجر والده، العلامة الكبير والإمام الشهير "يوسف بدر الدين المغربي المراكشي الحسنين"، ولما بلغ "بدر الدين" سبع سنوات سلمه والده للمعلم أيام عصره، فتعلم القرآن الكريم وحفظه عن ظهر قلب، وتعلم شيئاً من مبادئ علم الحساب والكتابة، ولما توفي والده الشيخ "يوسف" كان له من العمر اثنتا عشرة سنة فجلس في غرفة والده في دار "الحديث الأشرفية" يطالع الكتب، بعد ذلك ذهبت به والدته إلى العلامة الشيخ "أبي الخير الخطيب" وأوصته به خيراً فعامله الشيخ معاملة ولده، وأشغله بحفظ المتون في سائر الفنون المختلفة، فحفظ الألفية والشاطبية وألفية الحديث العراقي، كما حفظ اثني عشر ألف بيت في فنون مختلفة».

كتاب محمد البيروتي

ويتابع: «كان الإمام يحفظ غيباً صحيحي البخاري ومسلم بأسانيدهما، حيث لا يغيب عليه حديث قط من الكتب الستة، وكان يحفظ أسماء رجال الحديث وما قيل فيهم، ويحفظ سنوات وفاتهم ويجيبك عما شئت منها، ولم يكمل الثامنة عشرة من عمره حتى نبغ نبوغاً باهراً لفت إليه أنظار مشايخه فأجازوه إجازة عامة وأذنوا له بالتدريس».

أما "محمد بيروتي" في كتابه "الشيخ بدر الدين الحسني وآثر مجالسه في المجتمع الدمشقي"، فيقول: «إن الشيخ "بدر الدين الحسني" -رحمه الله تعالى- أحد أولئك الذين أَغْنَوا المجتمع الدمشقي والعالم الإسلامي بعلمه وتلامذته، ولكنه لم ينل حقه من الدراسة والترجمة، كان له أكبر الأثر في حياة المجتمع الدمشقي، وفي تغيير الواقع الاجتماعي في فترة ماجت البلد وهاجت إبان الاحتلال الفرنسي لها، ومن هنا كانت مهمة الشيخ عظيمة وكبيرة في تحويل هذا الواقع الأليم إلى مجتمع صالح يدافع عن أرضه وعرضه».

الباحث محمد فياض

وعنه يقول مدرس اللغة العربية "خالد الحسين": «العلاّمة المحدِّث، أصله من "مراكش"، انقطع للعبادة والتدريس، وكان ورعاً وبعيداً عن الدنيا، وارتفعت مكانته عند الحكام وأهل الشام، كان محدث الشام في عصره، وكان يأبى الإفتاء ولا يرغب في التصنيف، عالج الشيخ "بدر الدين" في دروسه المخالفات الدينية والعادات الاجتماعية الفاسدة التي أفسدت البلد مع الجهل الشديد الذي رافقها في تلك الفترة، فكان رحمه الله نوراً ساطعاً في سماء "الشام" وبلاد العالم الإسلامي في تلك المدة، واستطاع أن يؤسس لنهضة علمية وأخلاقية واجتماعية، وما زالت "دمشق" تستنشق عبيرها حتى يومنا هذا».

وعن مؤلفاته يقول: «ألّف أستاذنا المرحوم ما ينوف عن أربعين مؤلفاً، ولو كانت له رغبة في التأليف لبلغت المئات، ولكنه وجه كل عنايته لتعليم الناس وتهذيبهم، فألّف من تلامذته مجموعة صالحة وهي: "حاشية على تفسير الجلالين"، "معرب القرآن"، "شرح على صحيح البخاري"، "شرح على الشمائل"، "شرح على الشفاء في السيرة النبوية"، "شرح على البيقونية"، "حاشية على نخبة الفكر في مصطلح الحديث"، "شرح على سيرة العراقي"، "حاشية على أصول محمد نصر بن الحاجب"، "حاشية على عقائد النسفي"، "حاشية على شرح السنوسية"، "حاشية على شرح السنوسية الكبرى"، "شرح على الشيبانية"، "حاشية على عقائد العضد"، "شرح الطوالع"، "شرح الهياكل"، "حاشية على الشنشوري"، "شرح على السراجية"، "شرح على الخلاصة في الحسابن"، "شرح على مقنع الأفكار"، "شرح على النزهة"، "شرح على الشذور"، "شرح على المنلاجامي"، "شرح على القطر"، "شرح على مغني اللبيب"، "شرح على الشافية"، "شرح على لامية الأفعالن"، "حاشية على الفناري"، "حاشية على الشمسية في المنطق"، "شرح على نظم السلم"، "شرح على رسالة القوتنجي"، "شرح رسالة الوضع"، "حاشية على شرح الحفني في الوضع"، "شرح رسالة العصام"، "حاشية على كتاب المطول في علم البلاغة"، "شرح على نظام التلخيص"، "حاشية على شرح آداب البحث والمناظرة"، و"شرح على رسالة الوليدية"».

يذكر أن العلامة "بدر الدين الحسني" توفي يوم الجمعة الواقع في 27 ربيع الأول سنة 1354هـ الموافق لسنة 1935 م في "دمشق"، ودفن في تربة "باب الصغير".