تاريخ طويل من الكتابة، والتعايش مع "دمشق" على مدى سبعين عاماً، فاحتفظ في ذاكرته كما في بيته بكل ما يخصها، وصورها بعدسته ليوثق تفاصيل المدينة.

مدونة وطن "eSyria" زارت الباحث "منير كيال" في منزله بـ"مشروع "دمر"، فتحدث عن تفاصيل حياته ونشأته ويقول: «ولدت عام 1931م في حي "الشاغور"، التحقت وأنا في سن الخامسة بـ"الكتاتيب"، وبعد أن تعلمت مبادئ القراءة والكتابة وختمت قراءة القرآن الكريم، انتقلت إلى المرحلة الابتدائية وتم وضعي في الصف الثالث مباشرة بسبب دراستي لدى "الكتّاب"، بعد ذلك حصلت على الشهادة الابتدائية عام 1946م، ثم التحقت بمدرسة "التجهيز الثانية" في "الحلبوني" وحصلت على الثانوية عام 1952م، وبعد ذلك التحقت بجامعة "دمشق" قسم الجغرافية وتخرجت عام 1962م».‏

"الشام" ريحانة وقرة عين، وتاريخها الاجتماعي عقد يزين جيدها، وقد حاول الأستاذ "منير كيال" أن يفي مدينته بعضاً من دينها عليه وعلينا جميعاً، فله أجر من وفى فرض كفاية، فقد دفع حبه لمدينته لأن يزود المكتبة العربية بأكثر من كتاب أو بحث في مجال التراث الشعبي الدمشقي

ويضيف: «مدينتي "دمشق" لها دين برقبتي، أكلت من خيرها ودرست بمدارسها وتخرجت في جامعتها، وأصبحت متعلماً بفضلها وكل شيء أقدمه من أبحاث وكتب هو وفاء لهذه المدينة، فقدمت حتى الآن 20 كتاباً تتحدث عن "الشام" عاداتها وتقاليدها وحماماتها وصناعاتها وأمثالها، فلم أترك شيئاً إلا وكتبته عنها».

كتاب يا شام

وعن اهتمامه بالتراث وتوثيقه لـ"دمشق" يقول "كيال": «قبل تخرجي في الجامعة كان يجب أن أقدم أطروحة، فكان عنوانها في ذلك الوقت "فنون وصناعات دمشقية"، لكن الوحدة بين "سورية" و"مصر" منعت من نشر الأطروحة، إلا أن وزارة الثقافة وافقت على نشرها ككتاب، وكنت قبلها قد كتبت عن طقوس شهر "رمضان" وتقاليده الدمشقية، وكتاب عن الحمامات الدمشقية الأولى، أما كتاب "يا شام" فأشعر بأنني وجدت نفسي فيه، حيث صدر عام 1984م وعندها غامرت في الطبعة الأولى وطبعت أربعة آلاف نسخة، ولكن سرعان ما نفدت الكمية، وكان الكتاب يتحدث عن الحمل والولادة والألعاب والكتاتيب وتعليم الحرفة والمناسبات الدمشقية، وشمل 17 فصلاً، ومنه تفرعت جميع كتبي، حيث أصبح كل فصل في كتاب "يا شام" كتاباً مستقلاً بحد ذاته».

وعن هواية التصوير يقول: «مارست التصوير الفوتوغرافي منذ عام 1950م وحتى عام 2000م، وأقمت ستة معارض فردية، صورت كل ما أمرّ به في "دمشق" فجمعت مئات الصور، لكن أبقيت على 300 صورة منتقاة، ولهذا الأساس وظفت هوايتي في التصوير باهتمامي بالكتابة، وبصراحة التصوير هو الذي دفعني للكتابة عن "دمشق" وعاداتها وتقاليدها فمن المعيب أن تدخل أحد البيوت الدمشقية ولا تدون ما شاهدته».‏

من مؤلفات منير كيال

وعن مصدر معلوماته يقول: «البيئة والناس هما مصدري الأول في الحصول على المعلومات، فكنت أجلس معهم فأكتشف حارات "الشام" وأسواقها وبيوتها حتى أصبح لدي مخزون كبير عن "دمشق"، إضافة إلى بعض المخطوطات والمصادر ممن سبقني ولا سيما من شيخ المؤرخين "محمد دهمان" لأنه كان يرسلني إلى أماكن لا أعرفها ويطلب مني استكشافها، ويقول لي: (صف المكان، وكن أميناً)».

ويضيف: «أشعر بالشوق والحنين إلى تلك الأيام، ولو عشت ثانية وثالثة، سأعود لأكتب ما كتبته وربما لأرمم ما أغفلته عن هذه المدينة، لأن كل ذرة من ترابها عبارة عن رفات الأحباء والأقرباء، أجدادنا وأهلنا ونحن وأولادنا من بعدنا، نحن تراب هذه المدينة وهذا الوطن، لأنني ابن البيئة ولصيق بحياة الناس الذين عشت معهم صرت منهم، كانت المحبة صادقة، بلا رتوش، بلا مجاملات، الجميع متعاونون، لقد كانت "دمشق" قبلة علمية للعالم، وكان جامع "الأموي" جامعة لا يحق للأستاذ أن يدرّس تحت قبته إلاّ إذا كان على قدر كبير من الموسوعية ولديه من الإحاطة بالعلوم، وبعد الفحص من العلماء والتدارس في الموضوعات الحرجة، فإن لاقى القبول كان له ما يريد، فقد كان على كل عمود من أعمدة الجامع "الأموي" مدرساً ولديه مجموعة من الطلاب».

ويشير الدكتور "نبيه عاقل" وكيل جامعة "دمشق" في غلاف لأحد كتب "كيال" بالقول: «"الشام" ريحانة وقرة عين، وتاريخها الاجتماعي عقد يزين جيدها، وقد حاول الأستاذ "منير كيال" أن يفي مدينته بعضاً من دينها عليه وعلينا جميعاً، فله أجر من وفى فرض كفاية، فقد دفع حبه لمدينته لأن يزود المكتبة العربية بأكثر من كتاب أو بحث في مجال التراث الشعبي الدمشقي».

ويؤكد مدرس اللغة العربية "محمد الحمود" بالقول: «يقدم "كيال" صوراً تحاكي أحاسيس عاشها أسلافنا وصوراً عايشناها وعايشت جيلنا، لأن الظواهر الاجتماعية التي عايشها أهل "دمشق" إنما هي مما تواضع عليه الوجدان الشعبي وتعارف الناس على الآخذ به، ومن مؤلفاته‏: "فنون وصناعات دمشقية"، و"الحمامات الدمشقية وتقاليدها"، و"رمضان وتقاليده الدمشقية"، و"مطبعة الحياة، و"يا شام"، و"في التراث الشعبي الدمشقي"، و"حكايات دمشقية"، و"الصناعات السورية التقليدية"، و"معجم درر الكلام في أمثال أهل الشام"، و"معجم بابات مسرح الظل"، و"دمشق ياسمينة التاريخ"، و"محمل الحج الشامي"‏، وكتاب "مآثر شامية في الفنون والصناعات الدمشقية"، و"بترول العرب وقومية المعركة مطبعة الحياة"، و"جغرافية الوطن العربي"، وكتاب "المرأة في المثل الشعبي الشامي"، و"سهرات النسوان في الشام أيام زمان"، و"جزيرة أرواد تاريخها وتراثها الشعبي"، وغيرها من الكتب».