كان للتو قد انتهى من مطالعته قراءة الصحيفة الصباحية التي طواها على طاولته إلى جانب مجموعة من الأوراق الخاصة بأعماله ليستقبل eSyria في مكتبه الخاص الكائن في حيّ "أبو رمانة" بدمشق خلف فندق "ديديمان" صبيحة يوم الأربعاء 12/08/2009، في لقاء سيدور حول محاور عدة.

زيارته "غزة" المحاصرة والإجراءات التي سبقتها، ذكريات حرب تموز2006، والانزعاج الإسرائيلي لدعمه المقاومة في "لبنان" و"فلسطين".

اليوم أعرف قدرتها وصلابتها ولا يمكن لأي جيش في العالم هزيمة شباب المقاومة

ففي يوم الجمعة 24/07/2009 دخل الفنان السوري "دريد لحام" قطاع "غزة" المحاصر عابراً "معبر رفح" في زيارة استمرت قرابة 36 ساعةً تضامناً مع صمود أهالي القطاع، كيف جاءت الفكرة ولماذا اختار ذلك التوقيت يحدثنا الفنان "دريد لحام" عن ذلك: «كنت أفكر ملياً بزيارة "غزة" بعد العدوان عليها من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وحينما دعاني الفنان الفلسطيني "سعيد بيطار" لحضور افتتاح مسرحيته "نساء غزة وصبر أيوب" التي تحكي معاناة أهالي القطاع جرّاء الحصار الإسرائيلي الجائر عليهم، قمت بتلبية الدعوة فكانت المسرحية تلك مفتاحاً للزيارة التضامنية التي قمت بها».

دريد لحام

وإذ كان مقرراً دخوله القطاع يوم 17/07/2009 لحضور الافتتاح في توقيته، كان السؤال يساورنا بإلحاحٍ لمعرفة حقيقة دواعي التأجيل فيوضح الفنان "دريد لحام" الأسباب بالقول: «خلل روتيني وراء تأجيل موعد الزيارة، فالذي تقدم بطلب إذن الزيارة هي سفارة فلسطين "بالقاهرة" التي درست أجهزتها المعنية الطلب وردته بوصفي مواطناً سورياً، والسفارة السورية في "مصر" هي المعنية بمتابعة الطلب خاصة مع وجوب تحمل مسؤولية الحياة في "غزة"، وحينما علمت السفارة السورية بذلك سارعت لمتابعة الأمر من خلال سفيرنا في مصر الأستاذ "يوسف الأحمد" شخصياً، فتمّ خلال يومين إعطاء الإذن بالمرور».

ورغم أن بطل فيلم "الحدود" لم يستطع استكشاف الوضع عند "معبر رفح" لخلوه إلا من عناصر الأمن التابعة للجانبين، إلا أنه يصف المشهد في "غزة": «صحيح أنّ آثار الدمار كانت منتشرة في كل مكان إلا أنها كانت دليلاً صريحاً على ملحمةٍ بطوليةٍ للمقاومة الفلسطينية، فلو كان جيش الاحتلال الإسرائيلي يستطيع اقتحام غزة لما افتعل كلّ هذا الدمار. كما أنني لم ألتقِ بمقاومين هناك، حيث شعرت أنّ جميع أهل "غزة" مقاومون، فالصمود والبقاء هو أحد أهم أشكال المقاومة لعدم إعطاء "إسرائيل" الفرصة للاستفادة من سياسة الأرض المحروقة التي اعتادت ممارستها حتى إنّ هناك غزاويين نصبوا خيامهم على أطلال بيوتهم المهدمة كإصرار على البقاء والتمسك بوطنهم».

لحظة وصوله غزة

نمضي باتجاه حدث تساءلنا فيه عن طبيعة اللقاء الذي جمعه و"إسماعيل هنية" رئيس الحكومة الفلسطينية المُقالة، والأحاديث التي دارت بينهما ليكاشفنا الفنان "دريد لحام" بما دار: «في المجمل كان اللقاء ودّياً لكن الموضوع الأهم خلال اللقاء كان الخلاف الفلسطيني- الفلسطيني وضرورة إنهاء هذا النزاع الذي يعتبر أقسى أنواع الحصار الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني سواء في الداخل أو بالخارج، وتمنيت على القادة الفلسطينيين إيجاد طرقٍ للتوافق على حسابهم وليس على حساب الشعب الفلسطيني، ولأني أؤمن بأن الحصار سيُفك تلقائياً إذا حُلت المشكلات الداخلية».

ولكن، لماذا عبّر الفنان "دريد لحام" لوسائل إعلامية بأن زيارته ليست بحجم كسر الحصار، الإجابة كما يرى: «حينما أقف على "معبر رفح" وأصارع للدخول دون طلب إذن يكون ذلك كسراً للحصار، أمّا مع انتظاري الإذن للعبور فيبقى ذلك تعاطفاً».

لأب سوري وأم لبنانية من قرية "مشغرة" البقاعية ولد الفنان "دريد لحام" في "دمشق" عام 1934، لذا كان لابد من العودة بالتاريخ إلى الوراء لاستذكار النصر التاريخي للمقاومة اللبنانية صيف عام 2006 على الجيش الصهيوني، حيث يتزامن لقاء الفنان "دريد لحام" مع سنوية الانتصار الثالثة.

صبيحة يوم الأربعاء 12/07/2006 كان تلفزيون "المنار" اللبناني يعلن قيام مجموعة من عناصر المقاومة الإسلامية بأسر جنديين إسرائيليين لمبادلتهما بأسرى لبنانيين وعرب، ثمّ وفي ظهيرة اليوم نفسه أعلن الأمين العام لحزب الله السيد "حسن نصر الله" خلال مؤتمرٍ صحفي أنّ السبيل الوحيد لفك أسرّ الجنديين هو تفاوض غير مباشر وتبادل للأسرى، ولكن نُذر الحرب كانت صادقة واندلعت المواجهة.

يستذكر الفنان "دريد لحام" تلك الساعات وهو يشيح ببصره إلى إحدى زوايا قاعة مكتبه فيقول: «كنت سعيداً للغاية بشباب المقاومة الذين يملكون إرادة لتحدي العنجهية الإسرائيلية، وما أسعدني أكثر تحقيق التوازن الاستراتيجي في وقت كان فيه التصور العام أن التوازن لا يتحقق إلا من خلال الجيوش، ربما لم أكن متوقعاً لحجم الردّ الوحشي الذي قامت به إسرائيل إلا أن شجاعة المقاومة وتأهبها كانا كافيين لوضع حدٍّ حاسمٍ للوحشية الصهيونية فوثقت بالنصر منذ الأيام الأولى لما أظهرته المقاومة من جاهزية وقدرات».

يبتسم الفنان "دريد لحام" عند توجيه سؤال عمَّ إذا كانت مفاجآت المقاومة قد فاجأته ليجيب باقتضاب: «اليوم أعرف قدرتها وصلابتها ولا يمكن لأي جيش في العالم هزيمة شباب المقاومة».

فشلت عمليات جيش الاحتلال ليسري وقف لإطلاق النار يوم 14/08/2006 فكان أول من قدّم له الفنان "دريد لحام" التهنئة بنصر المقاومة هو والدته اللبنانية، زار قبرها قارئاً الفاتحة وقال لها:«شكراً». أما سفير منظمة "اليونيسيف" السابق للنوايا الحسنة فلم يعد مقتنعاً بأن هناك شرعية دولية ويعتبر أنه: «ليس هناك سوى عصبة أمم تسيطر عليها القوى الكبرى في العالم لاستضعاف الشعوب، وخلال أسفاري تلك لم أعد أؤمن بشيء اسمه النوايا الحسنة طالما أن الشرعية الدولية انتقائية، وحينما عاتبوني في "اليونيسيف" لتصريحاتي الداعمة للمقاومة وتعرضت للمساءلة أجبتهم بأني لن أستبدل الوطن بجواز سفر ديبلوماسي، وبالنسبة لي لم يعد هناك شرعية سوى إرادة وثقافة المقاومة».

واليوم حيث أصبح الفنان السوري الذي اشتهر بشخصية "غوار" مزعجاً لإسرائيل حسبما قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية. يبدو "دريد لحام" مفتخراً بهذا الموقف ويتوعد بالمزيد لازعاج الكيان الصهيوني: «سأبقى فخوراً بصداقتي للمقاومة في كل من "لبنان" و"فلسطين"، وسأحاول زيارة "غزة" مرة أخرى ليطّلع العالم على كامل تفاصيل العدوان لتبقى هذه القضية حيّة، ولابد مع ذلك من عملٍ من مشروع فني توثيقي برواية الأهالي في "غزة" لأن هذه الأمور في كشف الحقيقة هي أكثر ما يمكن أن يزعج إسرائيل».