سُميت بأسماء مختلفة كـ"الألاجا" و"الصاية" و"الديما"، بخيوط من الحرير الطبيعي والقطن نسجت تلك الأقمشة التراثية بطريقة يدوية على نول خشبي بطريقة مبتكرة، وتعدُّ الحرفة من الصناعات اليدوية الصعبة التي تحتاج إلى مخيّلة هندسية واسعة ودقة في العمل.

فمنذ القديم والنسيج الدمشقي له شهرته الواسعة لجمال ملمسه وعراقة نقوشه، وتنوعت مهارة النساجين الدمشقيين فابتكرت أناملهم أجمل الأقمشة وأعرقها التي انتشرت في أصقاع العالم، ومن هذه الصناعات "الصاية" التي تعد صناعة دمشقية بحتة منذ مئات السنين، حيث كانت الزي المفضل لشيوخ ووجهاء العشائر إضافة إلى رجال الدين، واشتهرت "دمشق" و"حلب" بصناعتها قبل أن تنتقل إلى المحافظات السورية، وهي صناعة حرفية يدوية صعبة تحتاج جهداً كبيراً من قبل الحرفي الماهر، وإبداعاً فنياً لا يمكن أن تصنعه الآلة، فهي تصنع من الحرير والقطن، وكانت قديماً بلونين فقط، وحسب ما يضيف الحرفي "محمد كمال عزت النقطة": فإن "النقطة" من العائلات الوحيدة التي ما زالت مستمرة بالعمل بأقمشة "الصاية"، ففي سوق "الحميدية" تتركز ثلاث محلات فقط تعرض فيها تلك الأقمشة الدمشقية التي يتم تصنيعها حالياً في "حلب" فقط، بينما في الماضي كما أذكر كان هنالك العديد من النساجين الذين امتهنوا هذه الحرفة ففي "الحريقة" وحي "الصالحية" الدمشقي ركبت الأنوال اليدوية لحياكة أقمشة الصاية الحريرية زاهية الألوان وكان من بين أبناء الحي من يجهز مواسير الخيوط لتركيبها في مكوك الحياكة، ومنهم من يجهز خيوط الصاية قبل تركيبها على النول لحياكتها (السديه)، وكان النساجون يجلسون على دف عريض مركب في أول النول يغيرون موضع شبكات الخيوط بواسطة الدعس بالأقدام على قضبان خشبية ربطت بالحبال في أسفل النول تسمى (الدوسة)، ويحركون المكوك يميناً وشمالاً بواسطة حبل ربط فوق النول بضرب المكوك عن طريق شد الحبل إلى الأسفل بقوة وتركه ليعود إلى وضعه الأول، وفي اليد الأخرى يجذبون نحوهم ويدفعون بالعكس أداة النسيج الرئيسية وهي عبارة عن أداة مستطيلة إطارها خشبي ثبتت في وسطها أسلاك معدنية تمر من خلالها خيوط السديه للصق خيط المكوك ببن طبقات خيوط السديه قبل تبديل حركة خيوطها للأسفل والأعلى، وتعمل تلك الورش كخلية نحل متكاملة، وفي طفولتي كنت مولعاً بمرافقة والدي إلى الخان لمشاهدته وهو يصنع الصاية بمهارة خاصة، فقد كان لدى والدي حوالي 40 نولاً يدوياً لحياكة الصاية.

وعن خطوات العمل قال: «يقوم معلم الصاية بتهيئة الحرير والقطن ويسلمه للصناع عنده، فيقوم كل منهم بعمله حسب المهنة المكلف بها، فكان لكل صانع اسم ومهمة خاصة به، "فالكباب" مهمته لف الخيوط على الكوفية قبل فتلها لتصبح على شكل كباكيب، وهناك أيضاً "الفتال" الذي يقوم بفتل الخيوط لتصبح صالحة للاستخدام، و"المسدي" الذي يعمل على فرد الخيوط والكباكيب وترتيبها حسب عدد الخيوط وألوانها ويلفها على شكل "شلة"، بينما يقوم "الصباغ" بصبغ الخيوط بالألوان المراد تشكيل القطعة منها، وهناك أيضاً الملقي الذي يدخل الخيوط -كل خيط على حدة- في المشط بحسب ترتيب ألوانها، لتجهيزها "للمزيك" الذي يدمج الخيوط بالصمغ أو الغراء مع النشاء ثم مدها ونشرها على نواتئ مثبتة على الجدار ليرتبها ويصل الخيوط المقطوعة، لتصبح جاهزة للحياكة الذي ينجزها "الحائك" الذي يقوم بحياكتها وقطع كل ثوب إلى تسع أذرع، ويرسلها إلى "الدقاق" الذي يغسل القطع النسيجية ليخلصها من النشاء ثم توضع في المكبس لتصبح جاهزة للبيع.

الحرفي "محمد كمال عزت النقطة"

وهناك عدة أنواع للصاية كالهندية والمصرية والكمخة والمثمنة والمسننة والعطافية، وقد صنعت منها الأزياء الشعبية كالقنباز (ثوب شبيه بالجلابية النسائية مخصص للرجال) و(الجلابيات) الرجالية و(الصداري) (جاكيت بلا أكمام وقبة) والسُتر، وبعد غسله يرق النسيج مباشرة فيصبح أكثر طراوة، وهو نسيج يتميز بجودته ومتانته وألوانه الزاهية ووجود نقوش وزخارف عليه، وكان الصناع يزينونه بالنقوش والزخارف بطريقة يدوية، ففي الماضي كانت أقمشة "الصاية" تنسج بلونين فقط أبيض وأسود أو كحلي أو أحمر وبشكل طولاني، بينما في السبعينيات تم إدخال الألوان والنقوش الزاهية إلى الحرفة حيث تم إنتاج أقمشة لصناعة (جلابيات) نسائية وأضيف إليها "القصب" ليعطي جمالاً أكثر وعراقة، وتطورت استعمالات "الصاية" فصنعت منها المفارش وأغطية الطاولات وأقمشة لتنجيد الموبيليا بألوان متنوعة وخطوط عريضة وسماكة أكبر وأعرض من الصاية العادية، ففي الماضي كان الإقبال عليها كبيراً وخصوصاً من السياح الأجانب حيث كنا نقوم بتصدير تللك الأقمشة إلى دول الخليج ولبنان وفرنسا وألمانيا وغيرها ولكن بعد الحرب على بلدنا توقف العمل خارج "سورية" بسبب العقوبات الاقتصادية على بلدنا.

"سارة بحبوح" المهتمة بالتراث الشعبي تشير في حديثها لمدوّنة وطن إلى أن: "الصاية" تعدُّ من الأقمشة التراثية العريقة، فهي من أبرز الأنسجة الدمشقية التي تصنع يدوياً من الحرير النباتي والكتان والمميزة بزخارف جميلة وألوان زاهية وبراقة، وتستخدم الصاية لصناعة الألبسة مثل الميتان والقنباز والصدرية وأغطية طاولات وشالات وتكون نقشتها على شكل خطوط ملونة طويلة، وكانت تنسج على شكل قطع محدودة الطول، وهي خاصة بملابس الرجال ويطلق على الواحدة منها اسم "الصاية" وقد كان ارتداء الرجال للصاية في "سورية" رائجاً كزي وطني، جيث كان الناس يخيطون من نسيج الألاجا (المتيان والصدرية) ويرتديها الشباب فوق السروال كلباس للصدر ويزينون وسطهم بالشملة، إذ إن لباس الرجال كان يعتمد على القميص الطويل المقلّم وفوقه الصدرية بلا أكمام مقلمة بألوان الأحمر والأخضر والأسود وخطوط القطن الذهبية اللون المتناسقة مع ألوان القميص، إضافة إلى أن هذه النقشات قد نقشت على قماش قطع الأثاث والستائر، وبرأيي هذا النوع من الأقمشة تجب المحافظة عليه ويجب أن يوضع في كل بيت فهي تتناسب مع القماش المعاصر فألوانه الزاهية تبعث البهجة والتناسق ولفت النظر، بالإضافة إلى أنه حتى يومنا هذا عند الاحتفالات الوطنية والرقص الشعبي يرتدي الشباب الزي الكامل والمصنوع من قماش الصاية بأنواعه الجميلة، فأطلق صناع الألاجا على هذا النوع من النسيج اسم "الصاية"، وكانوا يحصلون على الحرير الطبيعي لصناعته وعمل "القنباز" و"الجلابية" النسائية، وكانوا يفضلونه؛ لأنه يظل رطباً على الجسم، ويتميز النسيج بالجودة والمتانة والألوان الزاهية، فبلدنا "سورية" مهد للحضارات والصناعات التراثية العريقة.

محلات عائلة "النقطة" التي ما تزال تعمل بأقمشة الصاية التراثية

أجري اللقاء بتاريخ 26 نيسان 20221.

الباحثة بالتراث الشعبي "سارة بحبوح"