تتقارب قطعها ثم تتحد في لوحات كانت تنوب عن الفوتوغرافيا في نقل الطبيعة إلى الجدران لكسر جمود الحجر، أكثر من مئة وخمسين ألف قطعة صغيرة كانت عبر ألف وخمسمئة عام رسائل أثرية بصرية من "سورية" إلى العالم.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 30 تشرين الأول 2014، "خالد زينو" أحد زوار الجامع الأموي الذي قال: «لا يمكن لزائره إلا أن يتجول في مختلف أقسام هذا الجامع الرائع، ويحتار فيه الزائر كيف سيحفظ في ذاكرته كل هذا الجمال المعماري، والزخرفي، وخاصة تلك الأعمال الفسيفسائية الزخرفية، ولوحات العجمي التي تستقبل الزائر ما إن يدخل المسجد من بابه الرئيس المواجه لساحة "المسكية"، وعند دخولك للمسجد ترى في سقف وجدران المدخل أعمالاً زخرفية رائعة من الفسيفساء والعجمي وغيرهما».

"الفسيفساء" نوع من التصوير، أو الرسم يقوم على أساس تغطية المساحات الملونة بواسطة قطع مكعبة صغيرة الحجم لا تتجاوز الواحد سنتيمتر مربع، واستعمالها في زخرفة وتزيين الفراغات الأرضية والجدارية، ومصطلح الفسيفساء يعود في أصوله إلى الكلمة اليونانية "muses" التي يقصد بها (آلهة الفنون والجمال) والإلهام الفني التسعة اللواتي رافقن الإله أبوللو

تعد الرسوم الفسيفسائية في الجامع الأموي في "دمشق"، من أبرز شواهد الفن التشكيلي العربي في بداية تكونه، وعن هذا يقول "خلدون مسوتي" فنان "الفسيفساء": «الفسيفساء السورية الأصيلة كانت تصنع من الرخام وظهرت في الإمبراطورية الرومانية قطع من الفسيفساء المصنوعة من الزجاج الطبيعي، حيث شهدت هذه الصناعة مراحل ازدهار ثم تراجعت، ومؤخراً تحاول العودة من جديد إلى دائرة الضوء عبر حرفيين مهرة متحمسين لها، وازدهر فن الفسيفساء في "سورية" في عصر الأمويين، وما زالت لوحات الفسيفساء الجدارية في الجامع الأموي تعد من روائع هذا الفن، ومن أجمل هذه الأعمال تلك اللوحة العملاقة التي يطلق عليها "لوحة بردى" لما تتضمنه من رسوم وزخارف تبرز طبيعة "دمشق" الخلّابة وغوطتها ونهرها الجميل بردى، إذ تمثل اللوحة نهراً يخترق مشاهد من أطراف "دمشق" أو من غوطتها مع ما في هذه المشاهد من أشجار باسقة كالنخيل أو السرو أو أشجار مثمرة كشجر التفاح والمشمش».

فسيفساء تزين قبة الخزنة

ويضيف "مسوتي": «هذه الحرفة تختلف حسب درجة دقة وحرفية الصانع كما يختلف سعر اللوحة منها حسب عدد القطع المؤلفة لها، فهناك لوحة يحتوي المتر المربع منها على نحو عشرة آلاف قطعة وصولاً إلى لوحات منوعة تحتوي على نحو 160 ألف قطعة في المتر المربع الواحد، وحالياً هنالك إقبال من قبل مهندسي الديكور والمواطنين عموماً لاستخدام هذه اللوحات الجميلة في تزيين جدران وأرضيات المنازل والفنادق ودور العبادة، وهذه الصناعة تعد مورداً مهماً من موارد الدخل إضافة إلى إمكانية تشغيل يد عاملة كبيرة فيها، كما أنها تمثل إحدى أهم الصناعات التقليدية التي يرغب الجميع باقتنائها».

ويتابع حديثه قائلاً: «"الفسيفساء" نوع من التصوير، أو الرسم يقوم على أساس تغطية المساحات الملونة بواسطة قطع مكعبة صغيرة الحجم لا تتجاوز الواحد سنتيمتر مربع، واستعمالها في زخرفة وتزيين الفراغات الأرضية والجدارية، ومصطلح الفسيفساء يعود في أصوله إلى الكلمة اليونانية "muses" التي يقصد بها (آلهة الفنون والجمال) والإلهام الفني التسعة اللواتي رافقن الإله أبوللو».

لوحة بردى في الجامع الأموي

وعن خطوات تصنيع الفسيفساء يتابع "مسوتي" حديثه بالقول: «أولاً نقوم برسم الصورة أو الموضوع المراد تنفيذه بالفسيفساء على قطعة من الورق بالحجم الذي يراد تنفيذه به ولكن بشكل معكوس، ثم نقوم بعملية تجزئة لكل مساحة لونية من الرسم إلى أقسام صغيرة بعدد أقسام القطع الصغيرة التي سيتم رصفها، بعد ذلك نضع المكعبات الملونة حسب الرسم الذي تم تنفيذه، وقد تحتاج هذه العملية إلى صقل أو تصغير بعض القطع، وذلك حسب الحاجة، وبعد ذلك تستخدم مواد لإلصاق القطع (الغراء الأبيض، سيكوتين وغيره من المواد اللاصقة)، ثم نقوم بحصر الرسم ضمن إطار خشبي أو حديدي على أن تكون الورقة في الأسفل، ثم نقوم بتجهيز مونة مكونة من الإسمنت والرمل الناعم بالماء، بعد ذلك تسكب هذه المونة فوق قطع الموزاييك ضمن الإطار، ثم تترك لتجف، ثم يقلب الإطار بما فيه ثم تستخدم إسفنجة مبللة لدعك وتبليل الورقة التي عليها الرسم لتنتزع، ونحصل على لوحة فسيفسائية ملونة وجميلة ضمن إطار ليتم تثبيتها على الجدار بأية وسيلة، وتتم سقايتها لتكتسب الصلابة».

الباحث "محمد رمضان" يتحدث عن الفسيفساء قائلاً: «هي أقدم الفنون التصويرية، حيث تتكون اللوحة الفسيفسائية من عدد كبير من القطع الصغيرة التي تكون في الأغلب ملونة وتمثل مناظر طبيعية، أو أشكالاً هندسية، أو لوحات بشرية أو حيوانية، واستخدم الفسيفساء الرومان والبيزنطيون، كما استخدمها العرب وأبرز لوحاتها تلك المتواجدة في الجامع الأموي في "دمشق"، وقبة الصخرة في "القدس"، وقد اختيرت "دمشق" مقراً لأول مركز ترميم الفسيفساء في الوطن العربي من قبل منظمة "الأيكروم" للتراث الإنساني، باعتبار "سورية" هي الأولى عالمياً في عدد لوحات الفسيفساء المكتشفة حتى الآن».

خالد زينو