حرفة من أقدم الحرف الدمشقية، عادت من جديد إلى الحياة حيث كانت على وشك الاندثار، لكن الغلاء في أسعار الملابس، أدى إلى لجوء الناس لهذه الحرفة التي تقوم على إخفاء العيوب إلى الأبد، تتطلب هذه المهنة الكثير من الصبر والجهد والدقة في التركيز ولمسة يدوية فنية بارعة، لإصلاح القطعة وإعادتها كقطعة جديدة؛ إنها حرفة "رتي" الملابس.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 2 تشرين الأول 2014، السيد "أحمد بركات" الذي يعمل في حرفة "رتي" الملابس، إذ بدأ حديثه بالقول: «أعمل في حرفة رتي الملابس منذ 35 عاماً، ورثت هذه الحرفة من والدي الذي ورثها من أجدادي، وهذه الحرفة قديمة جداً وقد ورثها بعض الأجداد إلى الأبناء، وهكذا حتى وصلت إلينا، أصبح العاملون في هذه الحرفة قليلين جداً بسبب تفضيل بعض الحرفيين ألا يعلموا أبناءهم هذه الحرفة، لما تتطلب من جهد وصبر وللعائد المادي القليل، وللآثار السلبية الصحية التي تسببها للعيون، والجلوس الطويل الذي يؤدي إلى آلام في الظهر والكتف، ورغبةً منهم لتعلم أبنائهم حرف تجلب المال الأكثر، فكان من واجبنا للحفاظ على الحرف اليدوية واستمرارها أن نعلمها للأجيال القادمة، ولكن الجيل الحالي يعاني من قلة الصبر وعدم الهدوء ورغبته بالحصول على الأشياء الجاهزة».

أصلح ملابسي للحفاظ عليها لقاء مبلغ بسيط وتصبح بحالة جيدة، ولتوفير بعض الأموال، ولا أقوم بوضع القطع الممزقة عند الخياط بل عند "الرتا"، لأن حرفة الخياطة تختلف عن الرتي؛ فالخياطة في مكان الضرر قد تؤدي إلى وضوح العيب، أما "الرتي" فيقوم على إخفائه كلياً

تابع حديثه بالقول: «تحتاج القطعة لـ"الرتي" من ساعتين إلى عدة ساعات بحسب نوعية قماش القطعة؛ إذا كانت جوخاً أو جلداً أو كتاناً، ولون القماش "سادة" أو "موَّنس"، وأيضاً حجم الضرر الموجود في القطعة، وكلما كانت القطعة ملأى بالألوان وصغيرة الحجم تحتاج إلى وقت أكثر وجهد مضاعف، وأسهل القطع تلك المصنوعة من الجلد والخيوط الثخينة، وأكثرها صعوبة المصنوعة من الحرير والقطع ذات الخيوط الرفيعة، يتراوح مبلغ إصلاح القطعة من 200 إلى 500 ليرة سورية، وذلك بحسب الجهد المبذول ونوع القطعة».

أداة "الطارة"

عن تاريخ حرفة "الرتي" قال: «تعود تلك الحرفة بتاريخها إلى مرحلة الاحتلال العثماني، عندما زار أحد السلاطين العثمانيين "دمشق"، ونزل عند الوالي، وأقيم احتفال كبير تكريماً للسلطان، وخلال الاحتفال وقع على ثوب السلطان دون دراية أو انتباه عقب نار من النارجيلة؛ فاحترق طرف الثوب وتلف من جانبه، خاف الوالي من انزعاج السلطان، واستدعى "الأسطة"، (صاحب الحرفة اليدوية)، وطلب منه صنع ثوب جديد يماثله، وكان من المستحيل تحقيق ما طلبه الوالي في ظلمة ليلة واحدة، فقد تعهد للوالي أن يعيده كما كان، وحقق "الأسطة" ما قاله وأعاد الثوب إلى ما كان عليه وكأن شيئاً لم يكن، وفي اليوم التالي جاء الوالي وتفحص الثوب ولم يكتشف العيب الذي فيه فدهش السلطان كثيراً، وظن أنه ثوبٌ جديدٌ، وسأل الوالي من أين جاء بمثله، عندئذ اضطر الوالي أن يشرح ما عمله "الأسطة" الذي استدعاه وأكرمه على عمله الدقيق، هذه الحادثة التاريخية تبين أن حرفة الرتي والخياطة من الحرف القديمة جداً، وتعود إلى مئات السنين، وعلى الرغم من هجوم الآلة على الصناعة، فإنها لم تستطع أن تقضي على حرفة "الرتي" والحرف اليدوية الأخرى».

السيد "خالد حمدان" حدثنا عن كيفية رتي الملابس، ويقول: «نقوم بإصلاح جميع أنواع الألبسة من معاطف وفساتين وعباءات، وتتم العملية من خلال استخدام خيط من القطعة ذاتها وعدد من الإبر مختلفة الحجم والثخانة ومقص ومكواة، تبدأ العملية من سحب خيط عرضي من القطعة نفسها وحياكته، ونبدأ حياكة الخيوط العرضية ثم الطولية، ولإيضاح الخيوط الطولية من العرضية نقوم بتركيب "الطارة"؛ وهي قطعة خشبية نضعها على منطقة التلف تقوم بتثبيت القطعة وشدها، ثم نكمل الحياكة حتى نسد الفراغ في منطقة التلف، وعند الانتهاء من الحياكة نقوم بكي القطعة، ونلجأ في بعض الأحيان إلى استخدام خيط خارجي مشابه لخيط القطعة إذا لم نتمكن من سحب خيط، ولكن هذا يؤدي إلى صعوبة في العمل ووضوح العيب».

الرتا "أحمد بركات"

تابع: «يلجأ الناس إلى "الرتي" في بعض الأحيان لإصلاح وإخفاء العيوب الناتجة عن حرق السيجارة، والحروق الناتجة عن حرارة المكواة أو التمزق، شهدت حرفة "رتي" الملابس عند ظهورها ازدهاراً، وكان يلجأ إليها الفقراء وكذلك الأغنياء للمحافظة على القطع الباهظة الثمن، ولكن مع مرور الوقت كادت الحرفة تختفي بسبب ازدهار الصناعة وانتشار الملابس الجاهزة بكثرة وبأسعار مقبولة، وخلال الأزمة عاد الإقبال عليها من جديد، ومن جميع فئات المجتمع لغلاء الأسعار، وحب الناس لقطعة معينة من الملابس حصلوا عليها كهدية، أو لها ذكرى خاصة في قلوبهم».

السيد "مصطفى الحلبي" أحد زبائن "المصلحة" قال: «أصلح ملابسي للحفاظ عليها لقاء مبلغ بسيط وتصبح بحالة جيدة، ولتوفير بعض الأموال، ولا أقوم بوضع القطع الممزقة عند الخياط بل عند "الرتا"، لأن حرفة الخياطة تختلف عن الرتي؛ فالخياطة في مكان الضرر قد تؤدي إلى وضوح العيب، أما "الرتي" فيقوم على إخفائه كلياً».

بنطال تم رتيه