هي براءة اختراع دمشقية، انتقلت إلى أوروبا ودول العالم، ولأن ارتباط الدمشقي بالياسمين والماء كارتباطه باسمه، أحب أن ينقل البحرة في أرض الديار إلى غرف البيت، فجاءت "الفسقية" لتحل هذه المشكلة في المساحة، لونها من التربة التي تصنع منها، أما زخارفها فلا تعطي بقية زخارف البيت الدمشقي أي فرصة للتفرد بالجمال.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 9 أيلول 2014، "حارث أيوبي" الذي قال: «أدخل الدمشقيون منذ القديم إبداعاتهم إلى باحات المساجد والقصور، والبيوت الكبيرة التي تشتهر بها منذ مئات السنين، حيث لم يكتفوا بإشادة البحرات الجميلة الواسعة في الفسحات السماوية وأرض الديار، بل أدخلوها إلى الغرف والقاعات الواسعة وخاصة قاعات الاستقبال والنوم، وأطلق عليها اسم "الفسقيات"؛ حيث تكون أصغر من البحرة مع المحافظة على جمالياتها وزخارفها، ووجود المصب المصنوع من النحاس أو الفضة، الذي يأخذ شكلاً متميزاً يخرج منه الماء، كما تعدى الأمر إلى تصاميم جديدة تتناسب مع متطلبات العصر».

تفنن الدمشقيون بالبحرات التي أشادوها من الرخام المجزع والملون، بتقديم لوحات فنية جميلة منحوتة ومزخرفة بشكل جميل؛ حيث تحقق متعتين للساكن والزائر، وهما الاستمتاع بحركة الماء وهو يتدفق من البحرة الواسعة؛ إضافة لما تسببه من ترطيب وتبريد للمناخ خاصة في فصل الصيف، ومتعة مشاهدة عمل فني يدوي

ويضيف: «العمل بالفسقيات صعب جداً ومتعب، حيث كان في القديم يعتمد على تقطيع الأحجار يدوياً باستعمال أزاميل خاصة ذات رؤوس من ألماس، ولكن مع تطور الحياة اليوم استطعنا توفير بعض الجهد والوقت باستخدام المنشار الخاص بحفر هذه الأحجار وتقطيعها بشكل يتناسب مع الحرفة التي نقدمها، وتختلف المواد التي تستخدم في هذه الحرفة من بلد إلى آخر؛ فبعض البلدان تعتمد على صب مواد إسمنتية تلون وتصبغ بألوان مختلفة، وهي ليست حجرية بل مكونة من مواد كلسية بديلة لصعوبة قص الأحجار».

فسقية تزين جدران البيوت

"فريد الزين" أحد العاملين في ورشة تصنيع البحرات الدمشقية، يتحدث عن طريقة صنعها بالقول: «تختلف صناعة البحرات حالياً عن البحرات القديمة التي تصنع من الحجر الرخامي المشقف، فحالياً نعتمد على التربة الطبيعية، وخاصة على نوع من الصخور والأحجار؛ نأتي بها من الجبال، ونأخذها إلى معامل تطحنها وتحولها إلى رمال، حيث نعمل على تنقيتها من الشوائب، وبعد ذلك نخلطه مع الماء لتصويله، ومن ثم يوضع على السطوح لتجفيفه تحت أشعة الشمس، ثم يتم عجنه ليتحول إلى قوام متماسك، لنقولبه يدوياً من خلال دولاب خاص، كما هو حال تصنيع الفخاريات والخزفيات».

ويضيف: «نقوم بعدها بتصنيع البحرات والفسقيات والشلالات وبشكل فني، وبنماذج وتصاميم مختلفة قد تصل إلى مئات الأشكال ما بين أحجام صغيرة توضع على طاولة، أو في زاوية من غرف منزلية، وأحجام كبيرة توضع في قصور وفيلات كنافورة مياه، وتأخذ هذه الأشكال عادة لون التربة الأساسية، ونقوم بتلوينها بشكل جميل باستخدام "التعتيق"، الذي يمر بمراحل متعددة وهي: وضع طبقة عازلة على المنتج حتى لا يتأثر بالمياه والرطوبة، وطليه بدهان عادي وبعدها نستخدم مواد تعتيق خاصة تعطيه اللون المطلوب، وكانت تصدر هذه البحرات إلى دول الخليج وأوروبا، ويكاد لا يخلو أي مجلس عربي منها؛ حيث تتراوح أسعارها بين 50-200 ألف ليرة سورية، وكانت حركة تصديرها قوية جداً، إلا أنها تراجعت اليوم».

الفسقيات التي تزين البحرات

الباحث "محمد رمضان" يقول: «يعود انطلاق هذا الفن الإسلامي إلى العصر "المملوكي"، ومنذ ذلك الوقت ولحد الآن؛ تختص بعض الأسر الدمشقية بهذا الفن منذ عشرات السنين، ومنها: "المسوتي"، و"الأيوبي". وتتميز "دمشق" بهذا الفن الذي صدر إلى كثير من دول العالم، كما اعتبر دخوله إلى المنازل لمسة فنية رائعة، وقد تعدى الأمر تزيين البحرات إلى تزيين المنازل».

ويضيف: «تفنن الدمشقيون بالبحرات التي أشادوها من الرخام المجزع والملون، بتقديم لوحات فنية جميلة منحوتة ومزخرفة بشكل جميل؛ حيث تحقق متعتين للساكن والزائر، وهما الاستمتاع بحركة الماء وهو يتدفق من البحرة الواسعة؛ إضافة لما تسببه من ترطيب وتبريد للمناخ خاصة في فصل الصيف، ومتعة مشاهدة عمل فني يدوي».