على ورق الفضة أو الذهب طرز الدمشقيون منذ مئات السنين تصاميمهم لتنطبع بعد ذلك على ورق القلب، ليس هذا فحسب، بل لا يستطيع أحد ألا يعشق الأسقف والجدران والأبواب المزركشة والخزن و"الفترينات" التي تعد نهاية في الذوق، يشهد على ذلك السياح الذين يفتحون أفواههم دهشة عند رؤيتها.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 7 آب 2014، "محمود عجة" أحد حرفيي المهنة، الذي قال: «هي حرفة قديمة وعريقة يعرفها كل من زار "دمشق" ودخل بيوتها التي تتميز بفنونها المعمارية الراقية، وتتميز البيوت الدمشقية بهذا الطراز المعماري الفريد وبديكوراتها الداخلية الرائعة، فالسقوف والجدران والأبواب والأثاث كلها مزركشة وموشاة بهذه الزخارف الفنية الراقية، وما يميز هذه الحرفة عن غيرها أنها يدوية بحتة بكل تفاصيلها، وهي حرفة آسرة للناظرين فكل من ينظر إليها يغيب في عالم الرقة والجمال والفخامة، ما جعل الكثيرين من الناس المتذوقين للفنون والجمال ينقلون هذه الزخارف بكل تفاصيلها إلى بيوتهم وقصورهم وقاعاتهم».

في الوقت الحاضر تجذب هذه الحرفة النساء على وجه الخصوص، ونجد الكثيرات يمتهن هذه الحرفة، وهناك ورشات كاملة تعمل فيها النسوة، وتفوق الرجال في كثير من الأحيان بدقة عملهن

ويضيف: «تميزت القاعات الشامية بزخارفها ونقوشها على الجدران والسقوف، وبرزت فيها المقرنصات والآيات القرآنية المنقوشة والموشاة بالذهب والفضة، وبرز فيها أيضاً "الفيترينات" الشرقية التي تستخدم لصمد التحف النحاسية والزجاجية الرائعة، كما درجت العادة على أن تكون الأبواب الشرقية ذات استخدامات متنوعة؛ فإما تكون أبواباً داخلية للقاعات الشامية أو تكون جدارية كلوحة فنية معلقة على الجدار، أو أن تكون باباً لخزانة جدارية. واستخدمت فيها فنون الحفر والمرايا والنقوش الشرقية الإسلامية، وعتقت بورق الذهب والفضة والألوان الدمشقية الرائعة، ويعشق السياح الزخارف الشرقية الهندسية والنباتية التي تنفذ على الأخشاب لتغطي الجدران والأبواب والسقوف في القصور والبيوت الشامية».

وحول الزخارف الإسلامية في البيوت الدمشقية وما هي أنماطها وسماتها، يقول "أسامة أوطه باشي": «تمتاز البيوت الدمشقية بها لأن الفن الإسلامي اتجه نحو الزخرفة إيماناً بعقيدة وابتعد عن تجسيد الأشكال البشرية والحيوانية، وأنواع أنماط الزخرفة هي زخارف نباتية عبارة عن عناصر زخرفية مستمدة من الأوراق والفروع والأزهار، وزخارف كتابية وهي زخارف تتألف من الخطوط كالخط الكوفي والخط النسخي، وزخارف هندسية أساسها الأشكال الهندسية المنتظمة المتداخلة المتشابكة مع بعضها بعضاً مثل المثلث ومربع ومضلعات ونجمة، ومن سمات الزخرفة الإسلامية التجريد خوفاً من الوقوع في المكاره من تصوير الكائنات الحية، وكراهية الفراغ فلم يتركوا مساحة أو سطحاً إلا زخرفوه، والتكرار في إعادة رسم العنصر عدة مرات أو توظيف عنصر واحد، والتناظر والتناوب».

ويضيف: «يزداد الإقبال على الزخارف يوماً بعد يوم، ففي الوقت الحاضر نضاعف ساعات العمل بسبب الإقبال الشديد عليها، فنزخرف في كل يوم حوالي 4 أو 5 قطع من أثاث منزلي وديكورات أخرى، وتجتاح هذه الزخارف البيوت كديكور أساسي في تزيين بيوتهم وأثاثهم المنزلي، ما جعل الطلب على فن الزخارف شديداً، ما دفع بالكثيرين ممن هجروا هذه المهنة إلى العودة إليها، كما أن هذا شجع عدداً جيداً من الشباب على تعلم المهنة على أيدي المعلمين والانخراط فيها، وقد اعتمد في جميع ورشات الديكور فن "الزخرفة" كجزء أساسي في عملهم بسبب الربح المادي الكبير الذي يعود على العاملين بهذه المهنة بسبب كثرة الطلب عليها، وبسبب جمالها وتفردها، حيث إن العاملين في هذه المهنة لا يحتاجون إلى عمل آخر، وتبقى طرق التسويق مرتبطة بكل ورشة، فمنهم من ينتشر في سوق خاص بهذه الأعمال كـ"سوق المهن اليدوية"، ومنهم من يروج لمنتجاته عن طريق الإنترنت».

ويتابع: «في الوقت الحاضر تجذب هذه الحرفة النساء على وجه الخصوص، ونجد الكثيرات يمتهن هذه الحرفة، وهناك ورشات كاملة تعمل فيها النسوة، وتفوق الرجال في كثير من الأحيان بدقة عملهن».

الباحث في التراث الدمشقي "محمد خالد رمضان" قال: «الزخرفة علم من علوم الفنون وتعني جملة الخطوط الهندسية والتوريقية التي أبدعها الإنسان، وهي جانب الإبداع اللا متناهي كما وصفه أحد الباحثين في علم الفن، ولعل الشواهد الفنية المتبقية هي أكبر دليل على عناية الحضارة الإسلامية بالفنون، وهي حبهم للجمال والذوق الصافي في الإبداع، وذلك من خلال اقتباس الفن الإسلامي على نحو من الجوانب الشكلية من الفنون التي سبقته، وكما يرى الباحثون فإن الفنون الإسلامية نشأت حول محورين هما المسجد والمصحف، هذان الأساسان كانا عاملي توحيد للفنون الإسلامية؛ حيث اهتم المسلمون ببناء المساجد من النواحي العمرانية والزخرفية، كما اهتموا بالمصحف من حيث تكوين الخط والتذهيب والتوريق، وبدأ الفن الإسلامي متأثراً بالرغبة في تجميل الحياة، وقد ترك الدمشقيون روائع فنية للأجيال القادمة لا لتفخر بها فحسب، وإنما لتشحذ الهمم للعمل المبدع والمتجدد، ولعل أبرز الأماكن التي تزخر بالزخرفة هي الجامع الأموي وقصر العظم الذي حرص الذين بنوه على تزيين جدرانه بروائع فنية وثقافة جمالية».