تعيش الفنانة "أمل الزيات" حالة من العشق، والحوار مع منحوتاتها؛ معبرة من خلال الوجوه التي تنحتها عما يبوح بداخلها، وعن هاجسها تجاه ما يجري حولها، حيث نذرت خبرتها ووقتها لتدريس أصول الفن للأطفال؛ لإعداد جيل من الفنانين متوازن نفسياً وثقافياً ومن ثم فنياً.

إن كان المسرح "أبو الفنون"، فإن النحت هو الابن الأكبر ضمن العائلة الفنية، ولا يوجد فن يخلو من النحت، فمن خلاله ننطلق إلى باقي الفنون من رسم وديكور وعمارة؛ هذا ما بدأت به النحاتة "أمل الزيات" حديثها لمدونة وطن" eSyria" بتاريخ 25 تموز 2016، وعن تجربتها بالنحت تقول: «لا يخفى على المهتمين بمجال الفن أسماء من عائلة "الزيات" استطاعت أن تترك بصمة في مجال الفن، التي كان لي الحظ أن أكون أحد أفرادها، لكن نشأتي ضمن حي "باب توما" الذي يضج بالبيوت الدمشقية التي تحوي ضمن أروقتها الكثير من المنحوتات التي حفرت بذاكرتي منذ طفولتي كان كفيلاً بإشباع نظري وإحساسي منها، وبالتالي انعكاسها ضمن أعمالي النحتية التي اخترت العمل بها مع أنها من المهن التي تتطلب قوة بدنية وقدرة على التحمل؛ وهو ما جعلها حكراً على الرجال؛ فمنذ عشرين عاماً مضت لم يكن للنساء في "سورية" وجوداً ضمن هذه الحرفة، لكنني بطبعي أحب التحدي، كما أنني وجدت به المجال الذي أستطيع من خلاله التعبير عما يجول بداخلي من أفكار وهواجس؛ لذلك أغلب أعمالي تتضمن أفكاراً تعكس الواقع، وغلب عليها موضوع المرأة».

منذ دخولي مجال النحت سعيت لتكون لي بصمتي الخاصة من خلال أعمالي ومعارضي التي بدأتها بمعرض فردي في عام 1996، الذي أتى بعد عام على تخرجي في معهد "الفنون التطبيقية"، قسم "النحت"، تلاها 4 معارض فردية، و14 معرضاً جماعياً كان آخرها ملتقى النحت والتصوير تحت عنوان: "لهذا الزمن وجه آخر" في "المدرسة الوطنية السورية"، حيث شاركت به بالنحت على الخشب، كما كانت لي 3 مشاركات في "مصر" بمعرض فردي في قاعة "أخناتون" بمجمع الفنون في "القاهرة" عام 2003، ومعرضين جماعيين: الأول في بنالي الخزف الدولي السادس في "القاهرة" عام 2002، والآخر في بنالي "القاهرة" الدولي التاسع عام 2003

وعن طريقتها بالنحت والأفكار التي تريد إيصالها من خلال منحوتتها، تضيف: «في البداية كمرحلة تعليمية دخلت إلى كل المدارس؛ التعبيرية، والتجريدية، والواقعية، لكن في النهاية خرجت بأسلوبي الخاص، ومع تعدد الصياغات بعملي، إلا أنني أميل إلى الأسلوب التعبيري لأنه الأكثر قدرة على إيصال أفكاري إلى المتلقي، كما أفضّل نحت الوجوه لأنها مرآة لما يجول بداخلنا، ولأنني أستطيع التعبير من خلالها أكثر من أي شيء آخر، فإخراجي لأي عمل لابد أن تسبقه دراسة للواقع، ومعارضي كلها تحمل فكرة أحاول علاجها بالنحت؛ ففي معرضي الأول حاولت توضيح أن المرأة ليست جسداً فقط؛ لذلك غيبت الرأس لضرورة لفت النظر إلى ذهن المرأة وما تحمله من إبداع في شتى المجالات. أما في معرضي الثاني، فحاولت أن أعكس علاقة الإنسان بالمكان الذي يعيش فيه، وفي المرحلة الأخيرة فقد غلب واقع الأزمة على معظم أعمالي؛ لأنني أؤمن بأن الفنان لابد أن يلتصق بواقعه، كل ذلك حاولت إيصاله إلى المتلقي بأدوات مختلفة، مثل: الصلصال، والحجر، والخشب. وعلى الرغم من كون الصلصال والحجر مادة طيعة بمجال العمل، إلا أنني أفضل التعامل مع الخشب؛ لأنني أحس بأنها تمتلك روحاً؛ وهذا ما يولّد نوعاً من الألفة والحوار بيننا؛ فقبل البدء بالعمل أعطيها بعضاً من إحساسي، فإن وجدت أنها قادرة على إيصال فكرتي بدأت العمل عليها، وفي أوقات كثيرة أحاورها لعلها توحي لي هي بالفكرة».

مع الأطفال في مرسمها

وعن أعمالها ومشاركاتها الفنية، تتابع: «منذ دخولي مجال النحت سعيت لتكون لي بصمتي الخاصة من خلال أعمالي ومعارضي التي بدأتها بمعرض فردي في عام 1996، الذي أتى بعد عام على تخرجي في معهد "الفنون التطبيقية"، قسم "النحت"، تلاها 4 معارض فردية، و14 معرضاً جماعياً كان آخرها ملتقى النحت والتصوير تحت عنوان: "لهذا الزمن وجه آخر" في "المدرسة الوطنية السورية"، حيث شاركت به بالنحت على الخشب، كما كانت لي 3 مشاركات في "مصر" بمعرض فردي في قاعة "أخناتون" بمجمع الفنون في "القاهرة" عام 2003، ومعرضين جماعيين: الأول في بنالي الخزف الدولي السادس في "القاهرة" عام 2002، والآخر في بنالي "القاهرة" الدولي التاسع عام 2003».

وعن مشروعها بتأسيس معهد يُدَرّس أصول الفن للأطفال، تقول: «منذ أن كنت طالبة على مقاعد الدراسة كانت لدي ملاحظات عدة حول طريقة تدريس مادة الرسم التي يعدّها معظم المدرسين والطلاب حصة للتسلية وإضاعة الوقت، هذا ما يجعل الكثير من مواهب الأطفال تضيع لأنها لم تجد من يكتشفها ويتبناها، وبعد تخرجي في الجامعة بقيت هذه القضية من أولى اهتماماتي، حاولت جمع معلومات حول الموضوع بقراءة 60 كتاباً تتعلق بطريقة التعامل مع الطفل، وبعدها بدأت تأسيس مرسم عام 2007 يهتم بمواهب الأطفال ويعرفهم بتقانات الفن التشكيلي هدفه ليس فقط تعليم الأطفال الرسم والنحت، إنما بناء طفل صحيح من الناحية النفسية والتربوية ومن ثم الفنية من خلال ورشات عمل مستمرة، وأنا اليوم أشعر بالنجاح والفخر برؤية بعض طلابي على مقاعد كل من كليتي العمارة والفنون الجميلة».

من أعمالها

بدوره النحات والفنان التشكيلي "غازي عانا"، يقول: «من أجل كثير من الجماليات الراقية والحب والدهشة أتت أعمال "أمل الزيات" متنوعة بالصياغات تاركة العنان لحرية التعبير، ومع تنوع المواد في أعمالها، إلا أن فهماً بيَناً للكتلة وعلاقتها بالفراغ ربط فيما بينها من حيث طريقة التفكير والأداء وأيضاً بالموضوع "الإنسان كقيمة عليا"، الذي مازال أساس اشتغالها لكثير من التعبير عن هواجسها ولو على حساب التفاصيل في الشكل أو في الأسلوب الذي يجنح أغلب الأحيان باتجاه التبسيط والاختزال، ودائماً تراعي علاقة الكتلة بالفراغ الداخلي للمنحوتة وعلاقتها بالفضاء وما يحيطها من مؤثرات بصرية خدمة لحضور عملها بلياقة من حيث رشاقة نهوضه أو حيوية استقراره ورسوخه على القاعدة تشكيلياً وتقنياً، لديها طاقة مبدعة ومحبة للآخرين، خصصت حيزاً من حياتها ووقتها من أجل إعداد جيل من الفنانين بالتزامها بإقامة دورات وورشات عمل لتعليم الفن للأطفال تقيمها بالتعاون مع جمعيات خيرية، ومؤسسات تأهيل خاصة بالأطفال المعوقين.

هي فنانة استطاعت إثبات وجودها، وحافظت عليه بجدارة، وبدأت ترسم بعض المعالم لخصوصية تجربة نسائية باختصاص صعب لكنه ممتع، وهي تمارس هذه المتعة مع كل منحوتة تصوغها برغبة وغيرية من أجل كثير من الجماليات الراقية والحب والدهشة».

يذكر أن "أمل الزيات" من مواليد "دمشق" عام 1971، حائزة على عدد من شهادات التقدير، وهي عضو في اتحاد الفنانين التشكيليين، وأعمالها مقتناة لدى وزارة الثقافة.