ارتبط اسم المخرج السينمائي الكبير "محمد شاهين" بالسينما وتاريخها، حيث شكّل مرحلة مهمة في تاريخ السينما "السورية"، فكان من القلائل المخلصين للسينما حين هجرها الكثيرون إلى التلفزيون.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 6 تشرين الأول 2014، الكاتب "حسين خليفة" المهتم بالسينما "السورية"، في منزله بـ"دمر"، ليحدثنا عن مسيرة "شاهين" الفنية، فبدأ حديثه قائلاً: «عندما يتم التأريخ للسينما "السورية" لا بد أن يكون اسم المخرج "محمد شاهين" من أهم الأسماء التي قدّمت السينما في "سورية"، بلغة بسيطة بعيدة عن الضبابية وبها استحق أن يكون مخرج الأفلام الجماهيرية، ولد "محمد شاهين" عام 1931، وانتسب إلى نقابة الفنانين عام 1968، وبدأ تجربته مع المؤسسة العامة للسينما قبل انتسابه إلى النقابة مع فيلم بعنوان "زهرة من المدينة" عام 1965، وتلاها مجموعة من الأفلام التسجيلية المفعمة بالأسلوب الرومانسي والواقعي، ووصل عدد أفلامه الروائية الطويلة إلى تسعة عشر فيلماً، بدأها مع المؤسسة "العامة للسينما" في عام 1970 من خلال ثلاثية "رجال تحت الشمس"، وهي عن رواية الكاتب الكبير "غسان كنفاني" حيث أخرج منها "الميلاد"، وقد عُرف عنه إخراجه للعديد من الأفلام السينمائية ذات الطابع الاجتماعي الجريء، منها ما هو مأخوذ عن روايات للكاتب الكبير "حنا مينة" مثل "الشمس في يوم غائم"، تدور أحداث هذا الفيلم في مدينة ساحلية أيام الاستعمار الفرنسي محورها الشاب "عادل" الذي ينتمي إلى أسرة غنية، يطمح إلى تغيير حياته والابتعاد عن مناخ العائلة، فيتعرف على حياة الفقراء في حارة شعبية "الصياد، الإسكافي، المغني.." هؤلاء الناس البسطاء الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي، فينتمي إليهم محققاً ذاته التائهة ويتمرد على واقعه».

لم يكن "محمد شاهين" مخرجاً عادياً، بل كان صاحب رؤية سينمائية نراها في معظم أعماله، وهي تقديم الأشياء المعقدة التي نحياها ونخاف من مناقشتها ومعالجتها بقالب بسيط للغاية، منطلقاً من رؤية فنية وحياتية، ونجح في تقديم أفلام ذات مستويات جيدة، إن المتابع لأفلام "محمد شاهين" يجده مهموماً بقضايا مجتمعه الفكرية والاجتماعية، لذلك سعى من خلال أفلامه العديدة التي أخرجها للشاشة أن يقدم أمراض هذا المجتمع كما يجب أن تقدم بغية تشخيص الأمراض وإيجاد الحلول لها

وأضاف "خليفة": «من رواية "الدقل" للكاتب ذاته، صنع "شاهين" فيلمه "آه يا بحر"، وتدور أحداث الفيلم في نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات في ظل الاحتلال الفرنسي، وتبدأ الأحداث مع وصول أسرة البحار "صالح حزوم" من "لواء اسكندرون" إلى "اللاذقية"، ويبدأ البحث عن ذلك البحار، حيث يحاول ابنه "سعيد" اقتفاء أثره بعد حكايات عن اختفائه ويقرر أن يصبح بحاراً مثل أبيه ويتعرّف على الريس "عبدوش" ويعمل معه في البحر، ويواجه عاصفة ضخمة حين إبحاره.

حسين خليفة

ومن مسرحيات "سعدالله ونوس" اختار "شاهين" مسرحية "مغامرة رأس المملوك جابر" لفيلمه "المغامرة" ويتكئ هذا الفيلم على التاريخ محاولاً إعطاء بعض التفسيرات المعاصرة له، من خلال قضية الصراع على السلطة بين الوزير والخليفة، حيث يحاول الوزير الاستعانة بجيوش الأعداء لنصرته فيستغل أحد الحراس هذا الموقف ويسلم رأسه للوزير ليكتب عليها رسالة النجدة ويذهب الحارس في مهمته ومعه أحلامه بالثراء والجاه والجواري، لكنه يكتشف بعد فوات الأوان، أن الوزير قد طلب من العدو قطع رأس حامل الرسالة».

وقال أيضاً: «تعامل "محمد شاهين" وباقتدار مع الأفلام الجماهيرية التي أنتجها للقطاع الخاص، وحاول من خلالها وفي مرحلة مبكرة تقصي جوانب الفساد الموجودة في المجتمع، وتناول عدداً من القضايا الحساسة، ونذكر منها فيلم "غابة الذئاب" وهو من إنتاج عام 1977؛ يتحدث عن تفاقم أزمة السكن، حين تزحف كتل الإسمنت باستمرار لابتلاع البيوت القديمة وسكانها، ووراء غابة الإسمنت تكمن غابة للذئاب التي تعيش في عالم يعج بالضراوة والشراسة، يصطدم صحفي شاب وزوجته الجميلة بهذا العالم، يتمكن الصحفي في النهاية من إيقاع الذئب الأكبر في المصيدة، ولكنه يكتشف أن هذا الذئب ليس سوى واحد من قطيع الذئاب، ولكنه يقرر المواجهة، ويمكن أن نتحدث عن آخر أفلامه الذي جاء بعنوان "المرابي" إنتاج عام 1999 عن رواية للكاتب "محمد إبراهيم العلي"، وكتب له السيناريو "رفيق أتاسي"؛ تجري أحداث الفيلم في "سورية" نهاية الأربعينيات، عن حياة أحد الإقطاعيين ومدير أعماله، وتتسع دائرة الاستغلال أمام مدير الأعمال حيث يستغل الفلاحين ويعمل "مرابياً" من أجل تكوين ثروة، تدخل الفلاحة "زنوبة" مع "المرابي" في لعبة خاصة تعتمد على المخادعة تحاول تحقيق أكثر ما تستطيع من مكاسب لأهل قريتها، ثم تسعى لتخلص أهل القرية منه، فـ"المرابي" يتعامل مع العدو الإسرائيلي عن طريق المصارف، لذا فإن "زنوبة" تحلم بكل كراهيتها لهذا الرجل لتتخلص منه».

لقطة من فيلم الشمس في يوم غائم

وأنهى "حسين خليفة" حديثه قائلاً: «هناك أفلام أخرى نكتفي بذكر اسمها وهي: "قتل عن طريق التسلسل، سحاب، سواقة تكسي، مأساة فتاة شرقية، لعبة الحب والقتل، لا تقولي وداعاً للأمس، راقصة على الجراح، ضياع في عيون خائنة، وجه آخر للحب، ثعالب المدينة..". هذا وقد تسلم "محمد شاهين" عدة مناصب إدارية في الحياة الفنية "السورية"، منها إدارة "المؤسسة العامة للسينما" في السبعينيات وأواخر التسعينيات، وإدارة المسرح "العسكري" والتلفزيون السوري. وكان يستعد لإخراج فيلم سينمائي جديد له بعنوان "فتاة القمر"، الذي كتبه مع "محمود عبد الواحد" والمأخوذ عن رواية للأديب "حسن سامي اليوسف"، لكن بسبب المرض قبل رحيله لم يتمكن من إتمام المشروع».

الإعلامي "أمامة عكوش" قال: «لم يكن "محمد شاهين" مخرجاً عادياً، بل كان صاحب رؤية سينمائية نراها في معظم أعماله، وهي تقديم الأشياء المعقدة التي نحياها ونخاف من مناقشتها ومعالجتها بقالب بسيط للغاية، منطلقاً من رؤية فنية وحياتية، ونجح في تقديم أفلام ذات مستويات جيدة، إن المتابع لأفلام "محمد شاهين" يجده مهموماً بقضايا مجتمعه الفكرية والاجتماعية، لذلك سعى من خلال أفلامه العديدة التي أخرجها للشاشة أن يقدم أمراض هذا المجتمع كما يجب أن تقدم بغية تشخيص الأمراض وإيجاد الحلول لها».

لقطة من فيلم آه يا بحر

احتفل مهرجان "دمشق" السينمائي عام 2005 بالمخرج الكبير "محمد شاهين"؛ من خلال تظاهرة حملت اسمه وعرض من خلالها العديد من أفلامه. ورحل "شاهين" عن دنيانا سنة 2004، عن عمر ناهز 73 عاماً، ودفن بمدينته "دمشق"، تاركاً إرثاً سينمائياً يشهد ببقائه حياً في الذاكرة.