«يقول في أوراقه ولدت في "دمشق" عام 1936 من أبوين فقيرين، كان أبي مستخدماً في مدرسة وفي حي شعبي بسيط عشت طفولتي، لا أعلم متى بدأ حبي للرسم، ولكني متأكد أنه بدأ مبكراً فما أزال أذكر أن جيوبي كانت لا تخلو من بعض الرسوم التي كنت أتسلى برسمها، وكنت أصرف أكثر نقودي على أقلام التلوين، وامتدت هذه الفترة زمناً لا بأس به».

هكذا يبدأ الفنان "عبد القادر أرناؤوط" حديثه عن نفسه في مذكراته اليومية.

"أرناؤوط" شاعر يرسم بالفرشاة، ويلون أشكاله وينظم لوحاته تنظيماً خاصاً، حتى تعكس هذه الشاعرية بصياغة حديثة، وحتى يتوصل إلى لغة فنية مستقلة عن كل ما عداها، ولقد كانت موهبته تتجلى دوماً في قدرته على إيصال "الكلمة" إلى الناس، وعن طريق شتى الوسائل بأسلوب فني يجمع بين البساطة والجمال، هذه البساطة المحيرة التي توصل إليها بعد بحث وتنقيب طويلين

موقع "eDamascus" بتاريخ 7/1/2012 للوقوف على الفنون التي ابتكرها الفنان الراحل "أرناؤوط" التقى الفنان والباحث "مروان مراد" ليحدثنا عنه بقوله: «كانت هوايات الفنان ومواهبه التي عبر بها عن نفسه متعددة، فقد جرب الشعر في فترة مبكرة، ومارس الكتابة والنقد الفني، وكان مولعاً بالمطالعة والموسيقا واهتمامات أخرى بالفنون والأداب، وحين اختار الفن التشكيلي أخيراً سخر كل هذه الهوايات والمعارف لتخدم هذا الاتجاه الذي استقطب إمكاناته كلها.

من لوحاته

كانت الفترة الممتدة بين 1954- 1956 بداية التحول الهامة في حياة "أرناؤوط" الفنية واختياره الفن التشكيلي.

حيث التقى الفنان فيما بعد بعدد من الفنانين العرب أولهم صديقه "مروان قصاب باشي" واكتشف من تجاربهم والحوار معهم أهمية الحداثة الفنية وما يمكن أن تعطيه للفنان، بالإضافة إلى أهمية التراث العربي، ومن خلال أعمال عمالقة الفن العالمي أمثال "موديلياني، بول كلية وجوجان" أدرك أن على الفنان أن يقدم ما هو أعمق من مجرد رسم لمنظر تقليدي، وبأسلوب مألوف عند رواد الفن التشكيلي».

ألوان أرناؤوط الزيتية

يتابع: «كانت المرحلة الحاسمة في حياة الفنان والتي امتدت ما بين 1954- 1956 حين اكتشف مسؤولية الفنان، وأهمية "الفن الحديث" ورأى أن تخطي الأساليب التقليدية السائدة سوف يكون دافعاً له لإعادة النظر في كل ما كان مؤمناً به، وأخذ يفكر في أسلوب فني خاص به، وإدراكاً منه إلى أن ارتباطه بالفن متوقف على ذلك.

شارك "أرناؤوط" عام 1957 بالمعرض العام للفنانين بلوحتين "ذات الشعر الأسود" و"حارة قديمة" وخلال خمس سنوات من النشاط الدافق والتجارب المتعددة عرف الفنان بأسلوبه الخاص وخطوطه الشاعرية، ومن خلال مشاركته في معرضين أقامتهما وزارة الثقافة ما بين عامي 1961- 1962 قدم لوحات تكشف عن موهبة خاصة وعن أسلوب ينطوي على لغة فنية متميزة فيها شاعرية وبساطة معبرة تنطلق من الداخل، وتبع ذلك معرضاه في صالة الفن الحديث العالمي في ذات الفترة، ولكن الفنان فاجأ جمهوره حين قدم لوحاته من دون عناوين».

الفنان عبد القادر أرناؤوط

وعن مرحلة الانتقال إلى التصميم والغرافيك يقول: «كانت إمكانات الفنان المادية تقف حائلاً دون متابعة الدراسة الأكاديمية، فعمل في وزارة الثقافة مصمماً ومشرفاً على تصميم لوحات إعلانية، أبرزت الموهبة "الغرافيكية" لديه واستطاع مبكراً أن يكتشف إمكانات الخط العربي، فأقبل عليه يبتكر ويستخرج منه جماليات كامنة فيه، وأن يخلق التناغم الضروري بين تصميم اللوحة والكتابة العربية فانتشرت أعماله في أوساط جديدة، فوجدت في تصاميمه مزيجاً من الدقة والشاعرية وروح التراث والرموز التي كانت قابلة للتداول، في "إيطاليا" تعرف على أبرز أسرار الخط اللاتيني الحديث وتفرغ أكثر للخط العربي ولدراسة الديكور وتصميم الإعلان، وفازت لوحاته وتصاميمه بالعديد من الجوائز، وإثر عودته لدمشق أصبح مدرساً للفنون في كلية الفنون الجميلة، وأسس فيها مدرسة لفن الإعلان، هكذا ابتعد عن الرسم بالخطوط وحدها والإشارات والرموز المختلفة نحو التجريد اللوني المعبر عن أعماق الأشكال، وبدأ يرى التصوير الحديث عن طريق حركة اللون وتمازجها، ويقدم المفهوم العربي في التصوير الزيتي عن طريق تداخل درجات اللون وامتزاجها وشفافيتها وما تقدمه من قيم، ووجد في أحياء "دمشق" القديمة وأبنيتها الأثرية الباقية الإيحاءات التي مكنته من تصوير لوحة لها لونها الشاعري ولها ارتباطها بالواقع المحلي.

كما أضافت التجربة الجديدة إلى لوحته صياغة لونية، وساعدت هذه الصياغة على التعبير عن الانفعالات الذاتية والأحاسيس المرهفة التي كانت نتيجة لتفاعله مع البيوت القديمة والجدران المتآكلة التي تحمل البصمات الإنسانية، وتعكس تأثير الطبيعة والإنسان، وامتزجت الزخارف المحطمة مع الأشكال المهترئة واللون الشاعري، وساعدته على التعبير عن الموشوع "رمزاً"».

كما يقول عنه الفنان والناقد "طارق الشريف": «"أرناؤوط" شاعر يرسم بالفرشاة، ويلون أشكاله وينظم لوحاته تنظيماً خاصاً، حتى تعكس هذه الشاعرية بصياغة حديثة، وحتى يتوصل إلى لغة فنية مستقلة عن كل ما عداها، ولقد كانت موهبته تتجلى دوماً في قدرته على إيصال "الكلمة" إلى الناس، وعن طريق شتى الوسائل بأسلوب فني يجمع بين البساطة والجمال، هذه البساطة المحيرة التي توصل إليها بعد بحث وتنقيب طويلين».

الدكتور "عبد المنان الشما" يقول: «كان أصيلاً كدرّة ناردة، تعلم بفطنته وحدسه، ورافقته النخبة من المراجع الفكرية والفنية، فنادمها بشوق وإخلاص، كما كان في حياته وبحثه المستمر عن الحقيقة الجمالية التي لاحقها في كل مجال، حتى وجدها وسيطر عليها في الكلمة، الشعر، الشكل، اللون، التصميم الزخرفي وفن الإعلان وصياغة اللوحة الفنية المزخرفة، حتى رشحته المجالس المختصة بكلية الفنون الجميلة بدمشق لمنحة براءة الاختراع عن بحثه "طريقة العمل الغرافيكي" التي تم تسجيلها كابتكار علمي وفني في "فرنسا"».