حاول الخروج من كلاسيكيات العرض المسرحي للمسرح الحديث وخلق جيل جديد قادر على التخلص من المسرح الخطابي المباشر وبناء حالة مسرحية حديثة وحضارية قادرة على الاستمرار.

المخرج المسرحي السوري الراحل "فواز الساجر" ترك أثراً كبيراً على المسرح السوري في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

لم تطل تجربة "فواز الساجر" المسرحية حيث رحل في السادس عشر من أيار عام 1988 عن أربعين عاماً ليغيبه الموت عن خشبة كان في طور التألق فيها ويبقى في ذاكرة جيل تعلم المسرح على يديه

يقول عنه الكاتب والناقد "فرحان بلبل" لموقع "eDamascus": «تعرفت إلى "فواز الساجر" أول مرة في صيف عام 1973، كنت قد سمعت عنه من قبل أنه أخرج لمسرح الشعب في "حلب" مسرحية "حليب الضيوف" من تأليف الكاتب المغربي "الطيب العلج"، وسمعت أنه كان عرضاً جميلاً وهاماً، واقتصر الأمر على هذا الخبر، وفي يوم من ذات الأيام كما يبدؤون الحكايات القديمة طرق باب بيتي شاب، كان معتدل الطول أشقر وسيم المحيا وقال: أنا "فواز الساجر"، يومئذ كنا نتدرب على مسرحية "مأساة الحلاج" التي سنشارك بها في مهرجان الهواة المسرحي الثالث ب"دمشق"، وسرعان ما غاص معنا الشاب الوسيم في مناقشات عن المسرح كانت تمتد حتى الصباح، وكان "فواز" يكشف عن نفسه النبيلة في هذه الحوارات التي كانت مادة سهراتنا في الأسبوع الذي أقامه في "حمص"، وكان ذلك بداية لصداقة طويلة عميقة استمرت حتى موته بعد ثمانية عشر عاماً، وزاد من عمق هذه الصداقة أنه خطب "فاطمة ضميراوي" ابنة فرقتنا بعدما تعرف عليها في "حلب" عندما كانت تدرس في كلية الطب، فكأننا كنا "بيت حميه"، وكأنني كنت عمه والد التي ستكون زوجته».

الكاتب والناقد فرحان بلبل

وأضاف "بلبل": «كان "فواز" أيامها يستعد لتقديم عرضه المسرحي في المسرح الجامعي "نكون أو لا نكون" المؤلَّف من ثلاثة نصوص، واحد لـ"رياض عصمت" وآخر لـ"ممدوح عدوان" والثالث لـ"أوزوالد دراكون"، وسرعان ما صرت أحضر تدريباته على العرض المسرحي كلما نـزلت إلى"دمشق"، وبما أنني كنت أمارس النقد المسرحي إضافة إلى الكتابة والإخراج، فقد تحرك في داخلي شيطان النقد وأنا أراقب تدريباته وطريقته في الإخراج، كما أخذت أتلمس أسلوبه في بناء العرض المسرحي، وكان أسلوباً جديداً في الساحة المسرحية السورية، ثم اتجه بعدها إلى تأسيس المسرح التجريبي وقدم في هذا السياق "يوميات مجنون" لـ"نيكولاي غوغول"».

وتابع "بلبل":«لم تطل تجربة "فواز الساجر" المسرحية حيث رحل في السادس عشر من أيار عام 1988 عن أربعين عاماً ليغيبه الموت عن خشبة كان في طور التألق فيها ويبقى في ذاكرة جيل تعلم المسرح على يديه».

من عروض الساجر المسرحية

وعن سيرة "الساجر" الذاتية، حدثنا "بلبل" قائلاً: «"فواز الساجر" ولد في قرية "أبو قلقل" التابعة لمدينة "منبج" 1948 وحصل على الشهادة الثانوية من محافظة "الرقة" بتفوق وكان منكباً على القراءة والثقافة ثم أوفدته وزارة الثقافة لدراسة المسرح في"روسيا" وهو الفن الذي عشقه مبكراً إلى أن أصبح شغله الشاغل فدرس في معهد "غيتس الروسي" للفنون المسرحية حيث أشرف عليه "يوري زافادسكي" أحد الممثلين والمخرجين المسرحيين البارزين وهو المدير الفني لمسرح "موسوفيت بموسكو"، و"زافادسكي" تلميذ "يفغيني فاختانغوف" الذي كان يمثل أحد التيارات المسرحية الحديثة في "روسيا" في مطلع القرن العشرين».

وأضاف: «بعد حصوله على الماجستير عام 1972 بدأ عمله في "سورية" فكان إحدى أبرز الشخصيات التي أسست للحركة المسرحية "السورية" إذ ساهم بتأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية وعمل مدرساً فيه ثم أسس المسرح الجامعي في "حلب" وتخلل ذلك حصوله على الدكتوراه في الفنون المسرحية من "روسيا" أيضا عام 1982».

الفنان المخرج هشام كفارنة

أما الفنان المخرج "هشام كفارنة" فقال عنه: «لم يكن "فواز الساجر" مجرد مخرج مسرحي مبدع، كان، ولا أبالغ إن قلت حالة جمالية متميزة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، لأنه كان بوتقة عوالم كاملة بحيثياتها الصغرى والكبرى، كان بكل بساطة وطناً من القيم الجميلة تكثف في إنسان، وطناً عاصمته قلبه الكبير المحب بلا حدود لكل ما هو رائع ونبيل، كان يقول دائماً "إن لم يستطع المبدع أن يتميز فليصمت"، كل هذه الاستعارات والتشبيهات في الحقيقة مجرد جسر متواضع لمقاربة هذه الشخصية النوعية الفذة وليست مبالغات أبداً».

فيما حدثنا الكاتب "غسان رمضان" أيضاً عن تجربة "الساجر" المسرحية"، قائلاً: «عمل "الساجر" خلال مسيرة حياته القصيرة على تجاوز مشكلة المسرح العربي فطالب بأن يكون لهذا الفن قواعد ومنهج وسياسة صحيحة للمسارح تسمح بتقديم الأفكار النبيلة على خشباتها وممارسة دور مهم في تعميق الحوار بين جمهور المسرح وبين أفراد المجتمع بصورة عامة».

الجدير بالذكر،"فرحان بلبل" كاتب مسرحي إضافة إلى أنه ناقد مسرحي، ويعتبر بحق واحداً من الكتاب العرب الذين قدموا نصوصهم، وهم يضعون في أذهانهم مجموعة من الاعتبارات الفنية والجمالية والفكرية والاجتماعية التي تساهم في خلق الدراما العربية وتنسجم مع الذائقة الجمالية العربية.