إبداعات لا متناهية يقدمها فنانون تشكيليون يجسدون من خلالها قابلية الفن على العطاء والتجدد، ولم تنته يوماً قدرة الرسام عند حدود ريشته ولوحته، بل تولد كل يوم عناصر تشكيلية جديدة من وحي سحر الطبيعة وتوحد الفنان بشاعرية إحساسه وتأمله لهذا السحر، واليوم في "مجرد حصى" المعرض الذي جمع بين الفنانين "محمد وهيبي" و"عصام درويش" تجسدت الطبيعة بتعبيرية وتجريدية عميقة.

موقع "eSyria" بتاريخ 25/5/2009 في صالة "عشتار" التقى بالفنان التشكيلي "عصام درويش" وعن بعض تفاصيل الأعمال حدثنا: «قدم فنانون سوريون أعمالهم على الحصى سابقاً، إلا أننا عملنا بشكل جديد من حيث استخدام المواد وإدخال اللون وورق الذهب عليها، إضافة إلى الإمكانيات التعبيرية، فنحن نعمل على أن تكون الحصى جزءاً من اللوحة التعبيرية، مع وجود فرق بين العمل الذي قمت به وبين أعمال "وهيبي" فهو عمل على التجريد، وأنا يوجد في أعمالي شيء تعبيري درامي أكثر، أما الوجوه التي رسمتها على الحصى فهي حالة تذكر بالإنسان من خلال هذه المادة، وقد رسمنا على الحصى وعملنا عليها أشكالاً خيالية من مخزون الذاكرة».

كل الحجارة التي استخدموها توضعت بيدهم بشكل متوازن وجميل ليقدموا حواراً بين الحجر والإنسان المتلقي، فالأشياء التي أضافوها هي حالة مزج جميلة تعبر عن نحت مرسوم في قمة الروعة

يتابع "درويش": «الحصى كمادة هي بغاية الأهمية، هذه القطع جميلة بذاتها وتشكيلية التكوين من نتاج الزمن والبحر، ونحن حاولنا أن نضيف عليها أشياء جديدة، أعتقد أن هناك شيئاً مبتكراً يستحق المتابعة، كما أنه دليل على قدرة الفن باستخدام أي شيء من الطبيعة لتوصيل رسالته غير المحدودة، والشيء الرئيسي في الحصى أنه يذكرك بمعادلة الماء مع الرمل وكم من السنين دامت لعبتهما ليعطينا ذلك الشكل المدور الذي لا زوايا حادة له ليقترب من الشكل الإنساني، وهناك علاقة قوية بين هذه المادة وبيننا خلافاً للحجر».

مجموعة حصى

كما التقينا مع الفنان "محمد الوهيبي" وكانت كلماته تحمل صدى موسيقا روحه وفنه: «الحصى موجودة في الطبيعة وكل حصاة كانت ضيفة لمرسمي، حاولنا أن نعطيها شيئاً من ذاتنا، ألبسناها ثوباً فنياً، فكل الحجارة الموجودة في الطبيعة لها تكوينها ومن خلال حالات التأمل يمكن أن نضيف لها لمسة أو لوناً أو كلمة جديدة ضمن توافق فكري شخصي نابع من ذات الفنان، والحصى بحد ذاتها من خضم جنسيات الطبيعة ومع كل العمليات الجوية المختلفة التي شاهدتها تكوّن إنتاجاً فنياً عفوياً ضمن تيارات ماء أو هواء قوية، نحن أضفنا إليها فقط تيار الإنسان ليس أكثر، بوضعنا عليها كلمات ودلالات رمزية معينة».

وبنهاية وقفتنا القصيرة مع "محمد وهيبي" قال: «الزمالة التي جمعتنا أنا و"عصام" عملنا من خلالها بمساحة حرية واسعة بفنٍ منح الحصى روحها الجديدة، حيث قمنا مع بعض بتقديم هذه الأعمال ولكل منا اتجاه ولون خاص، أما عن تسمية المعرض فجاءت من أنه لا يمكننا إلغاء الطبيعة و"مجرد حصى" كان عنواناً مناسباً للمعرض، انتجت هذه العلامات على الحصى نتيجة العزف الموسيقي الصادر منها ووظفتها بتعريضها لعوامل معينة لتكون كتلاً غرافيكية عميقة».

من أعمال درويش

خلال جولتنا في المعرض كان من بين الحضور الفنان "عبد السلام عبد الله" وأثناء تأمله لإحدى الأعمال حدثنا: «الغنائية والتوليفة بين الفنانين "محمد الوهيبي" و"عصام درويش" عبارة عن لعبة فنية عميقة في المعنى، تحمل مدلولات أسطورية بحجارة غير صامتة تتسامى بوجوه معينة وخطوط بسيطة، أما بالنسبة للأعمال الأخرى فهي تعتمد على روح الغرافيك، وكل من الفنانين يعتمد أسلوبه الخاص في بنائه لعمله انطلاقاً من هذه الروح، فاستخدموا بعض المفردات كالريشة وهي تندرج ضمن لعبة وأشكال خرافية غير مباشرة وغير مقروءة وأحياناً تتجلى إلى دلالات ورموز تراثية».

امتزجت الأعمال بأنواع مختلفة من الفنون وتوحدت بتكوينات متوازنة تنقل رسالة الفنان، وهنا يتابع "عبد السلام": «بالنسبة لـ"عصام" فهو يستخدم الغرافيك كتكنيك بينما ينعجن أسلوبه بتشكيلات واقعية ككتلة وكموضوع، كل واحد منهما ينادي برسالته وهذه الرسالة تنبع من نفحات فكرية خيالية، الهدف منها ليس توصيل رسالة للآخر بقدر ما يشبع الفنان نفسه أولاً».

حصى درويش

وفي إحدى جوانب الصالة التي جمعت مجموعة أعمال من الحصى ولوحة غرافيك التقينا مع التشكيلي "عيسى ديب": «"محمد وهيبي" هو شخص من الفنانين الذين لديهم إبداع في حالة يومية، بإمكانياته الكبيرة يحول هذا الإبداع إلى شيء رائع وجميل، و"درويش" هو من الفنانين الكبار في سورية، فشكّلوا هنا لقاءً مهماً مع المادة التي اكتشفوها من الطبيعة وحاولوا أن يظهروا قيمتها بشكل أكبر، ومن عمق إحساسهم حاولوا أن يخلقوا من الحجر الذي مرت عليه عمليات حت وظواهر طبيعية كثيرة لوحة تتحدث عن مكنونات جمالية، باختيار الحجر المناسب المتوازن والتعامل معه بشكل واعٍ وعلمي وفني صحيح ليصبح الحجر عبارة عن نحت».

كما كل الحضور، كان إعجاب "عيسى ديب" بالأعمال تفصح نظراته عنه قبل كلماته: «كل الحجارة التي استخدموها توضعت بيدهم بشكل متوازن وجميل ليقدموا حواراً بين الحجر والإنسان المتلقي، فالأشياء التي أضافوها هي حالة مزج جميلة تعبر عن نحت مرسوم في قمة الروعة».