«ذاك جنون.. تلك طواحين وليست طغياناً، فلا تصغ إليهم.. حربك تصلح في كل مكان وزمان».

بهذه الكلمات افتتحت مسرحية "دون كيشوت" "فارس الزمن الحزين" على مسرح "الحمرا"، هذه المسرحية التي قدمت في أجواء هادئة وبمقولة للشاعر السوري "ممدوح عدوان".

بحكم عمل الكثير من الممثلين الشباب في التلفزيون، وعدم تواجد الممثل الشاب في هذه الفترة، فقد تم اختياري من قبل مخرج العمل لأداء هذه الشخصية، وعندما باشرت في العمل لم أكن أفكر بالمرأة أو الرجل، كل ما كنت أفكر به هو الإنسان، واستطعت أن أخرج من الكليشة، مرافقة برجال كوجود الشارب على الوجه أو اللحية، فتجاوزت هذا وقدمت دور الإنسان بروح إنسانية واضحة

موقع"eSyria" حضر افتتاح المسرحية التي قدمت بتاريخ 28/3/2009 للمخرج "مانويل جيجي" وتأليف "طلال نصر الدين" وبمشاركة الممثلين "مصطفى الخاني"، "سوسن أبو عفار"، "نهال الخطيب"، ومصاحبة مع "فرقة إشارات الرقص المعاصر"، يتناول هذا العمل المسرحي قصة "دون كيشوت" ومحاربته للطواحين الهوائية،

من الوهلة الأولى يخطر على بال المتفرج أن المسرحية حدث تاريخي فقط، ولكن عندما نمعن النظر في السياق الذي يتناول فكرة العرض سوف نكتشف أنها بالفعل إعادة إنتاج لهذه المعرفة في سياق تاريخي جديد ومعاصر، وهنا تماماً يزول الفارق بين الخيال "دون كيشوت" والحقيقة العصر الذي نعيشه.

في هذا الجانب وخلال حديثنا مع المخرج "مانويل جيجي" في إحدى زوايا المسرح قال: «يجب أن نتناول "دون كيشوت" في جميع العصور والأوقات، لأنه أعطى إنسانية للحياة البشرية، فالأحلام التي كان يتغنى به "دون كيشوت" في عصره هي الحلم كل إنسان النبيل في الحياة، وعرض هذه الفكرة في هذا الزمن هو تذكير الناس بهذه المبادئ والأخلاق، وأتمنى أن تتحول هذه العدوى الإيجابية إلى مجتمعاتنا وأن تنتشر في جميع أرواح وقلوب الناس،

رغم أن "دون كيشوت" كان يحاول من أجل أن يغير الحياة بنفسه فقط، لكنه تابع مشواره من دون يأس واستسلام حتى النهاية، مع أنه لم يكن يمتلك الأسلحة القوية في يده إلا أنه ناضل من خلال روحه وإرادته الصلبة أمام الأشرار».

كل إنسان يمتلك "دون كيشوت" في داخله وخياله، فهو الحلم يراود ذاكرة الإنسان النبيلة في الزمن الذي أصبحت فيه الأحلام من أجل حياة أجمل وأفضل تتلاشى شيئاً فشيئاً، إلا أنه على خشبة المسرح انفرد الفنان "مصطفى الخاني" في تجسيد شخصية "دون كيشوت" بإطلاق عنان جميع الأفكار التي كانت تجول في خيال فارس الزمن الحزين، وعن هذا يقول "الخاني": «شخصية "دون كيشوت" هي من الشخصيات العالمية والأدبية المعروفة في وسط شرائح الجمهور المختلفة سواء المثقفة أو غير المثقفة، وهي الشخصية المتميزة وبنفس الوقت ذات إشكالية وصعوبة، فـ"دون كيشوت" مرّ على عصره عدة قرون، ولكن حتى الوقت الحالي هو موجود في داخل كل إنسان بما يملك من قيم جملية مثل الحب والنبل والعدالة والكرامة، وطرح هذه القيم الآن هو دليل لمعرفة مدى تمسكنا بهذه القيم الجميلة والدفاع عنها في هذه الفترة من التاريخ.

المخرج مانويل جيجي

في حين أن المسرح كان يضج بأصوات الفنانين»،

وحدثنا "الخاني" قائلاً: «أمام مصاعب وضغوطات الحياة الاجتماعية الصعبة هناك الكثير من القيم الإنسانية فقدت تأثيرها، وهؤلاء الذين يبحثون عن الحب والأخلاق الحميدة ويمتلكون الروح الـ"دون كيشوتية"، وهذه الحالة موجودة في كل العصور والأزمان، وهي ظاهرة ملاصقة للحياة لذلك تم التعامل مع هذه الشخصية ليس كالشخصية التاريخية التي كتبها "سرفانتس"، بل هي شخصية كتبت في الماضي وما تزال تكتب حتى الآن وسوف نستمر بكتابته في المستقبل أيضاً».

كثيرون كتبوا عن حالة "دون كيشوت"، ويبدو أن تقديم هذه الشخصية على خشبة المسرح تتطلب العديد من الأدوات والطرق لإيصال هذه الحالة إلى الجمهور المتلقي وعن هذا يقول "الخاني": «بحثنا عن كل من كتب حول هذه الشخصية سواءً كان في الماضي أو الحاضر، واطلعنا على جميع التفاصيل المتعلقة بشخصية "دون كيشوت" وقدمنا الصياغة الجديدة حول هذه الشخصية، سواء كان النص أو الأسلوب، بشكل عام الشخصية تمس الإنسان من كل جوانبه، فهناك مثلاً جملة جميلة تؤكد على مدى تقاربه في المعاناة التي نحن فيها وهذه الجملة تقول: "إنهم البشر العميان يستطيعون أن يروا ولكنهم لن يروا"، وهذا يعني أننا نرى بعضنا البعض ولكن لن نستطيع أن نحس بالمتاعب والآلام التي تهيمن علينا، باختصار الإصرار والتصميم هو الذي دفعنا لأن نقدم هذا العمل إلى الجمهور».

أما شخصية "سانشو" خادم "دون كيشوت"، أبدعت فيها الفنانة "سوسن أبو عفار"، مع العلم أن شخصية "سانشو" هي لرجل، ولكن الفنانة "سوسن" بحسها الإنساني القوي استطاعت أن تكسر قاعدة دور تمثيل شخصيات الرجال للرجال فقط، ونجحت في ذلك بكل امتياز وعن هذا تقول: «بحكم عمل الكثير من الممثلين الشباب في التلفزيون، وعدم تواجد الممثل الشاب في هذه الفترة، فقد تم اختياري من قبل مخرج العمل لأداء هذه الشخصية، وعندما باشرت في العمل لم أكن أفكر بالمرأة أو الرجل، كل ما كنت أفكر به هو الإنسان، واستطعت أن أخرج من الكليشة، مرافقة برجال كوجود الشارب على الوجه أو اللحية، فتجاوزت هذا وقدمت دور الإنسان بروح إنسانية واضحة».

من خلال حديثنا مع القائمين على العمل المسرحي "دون كيشوت" توصلنا إلى نتيجة، أن عرض تجربة "دون كيشوت" في هذا العصر نقطة مهمة جداً من أجل إيقاظ المشاعر الإنسانية، وهو أيضاً تذكير لنا بهذه القيم الأخلاقية الرفيعة، فالعالم الذي يمتلئ بالحب والكرامة والشرف هو عالم "دون كيشوت"، العالم الذي يحلم بمستقبل أفضل لحياة يعبر عن عالم "دون كيشوت"، الذي يرفض الاستسلام والخضوع.