وسط الأراضي الزراعية المحيطة بمدينة يبرود في محافظة ريف دمشق، اتخذ المهندس "فائز كريمة" العامل لدى الهيئة العامة للموارد المائية من مزرعته محطة لتنفيذ حلمه الذي راوده على مدى سنوات طوال، حيث عمل على إنشاء البيت الريفي النموذجي المستدام.

من بعيد يطل عليك جدار رَسم عليه كريمة خارطةَ طريقٍ لمشروعه البيئي، وكأنه يريد أن يقول: هنا البيئة المستدامة في خدمة الإنسان.

لقد استطاع عبر بيته الريفي المتواضع الذي تبلغ مساحته ألف متر مربع إقامة أكثر من مشروع بيئي، بجهود فردية وإصرار على النجاح، مستنداً على خبرته في الهندسة البيئية التي اكتسبها من زياراته إلى كل من اليابان، روسيا، السويد، والبرتغال، يقول المهندس فائز كريمة في حديثه لمدوّنة وطن: «هذا المشروع البيئي يصلح لأن يكون نموذجاً يحتذى به إذا ما نُظر إلى ما يوفره من غذاء ومياه وطاقة لأسرة سورية ريفية تعاني اليوم من ظروف معيشية لا تسر، هذا المشروع يتألف من ثلاثة مكونات أساسية مترابطة فيما بينها وهي المياه والغذاء والطاقة، ففي مجال المياه نقوم بحصاد 40 – 45 متراً مكعباً من مياه الأمطار، حيث يتم جمعها في حوض "بركة" ماء، وفي الحوض نفسه نقوم بتربية الأسماك، وهي عبارة عن منظومة بيئية مائية تسمى "اكوا بارك" وهي منطقة متبادلة بين النبات والبكتيريا والأسماك في الوسط المائي، وهذا المشروع يسد حاجة الأسرة من مادة الأسماك، إذ ينتج يومياً ما يقارب من 2 كغ من السمك .

المهندس فائز كريمة

واشار "كريمة" إلى أن المياه الناتجة عن الحوض تستخدم في ري الغراس المثمرة متعددة الأنواع، فقد تمت زراعة 28 نوعاً من هذه الأشجار على سور المشروع، وكذلك تستخدم في ري الخضار العضوية التي تمت زراعتها والمعتمدة على الري من مياه الأمطار جزئياً لاستخدامها تقانية الري بالتنقيط وبالتالي فهي تؤمن الغذاء للمنزل.

وحسب "كريمة" فإنه تتم الاستفادة كذلك من نبات البرسيم "الفصة" الذي يؤدي وظيفة بيئية مهمة، فضلاً عن كونه يستخدم كعلف للحيوانات والدواجن التي بدورها تعطي الحليب والبيض واللحوم، كما يستفاد من روث الحيوانات في إنتاج الطاقة (الغاز الحيوي) المنتجة من قبل وحدة الغاز الحيوي التي تم تجهيزها في المنزل الريفي، وهي عبارة عن جزأين، جزء ثابت وهو الهاضم وجزء متحرك معدني وهو حامل الغاز الذي ينتج مترين مكعبين في الساعة وهذه الكمية من الغاز تسد حاجة المنزل للطهي وغيره، وبجانب هذا توجد وحدة لمعالجة مياه الصرف الصحي، تستخدم في ري المزروعات وتزويد حوض وحدة الغاز الحيوي آنفة الذكر.

مدخل المشروع.. لوحة تعريف

وكان من الطبيعي أن يكون للطاقة المتجددة في مشروع كهذا حضورها، فقد عمل صاحب المشروع على تركيب منظومة متكاملة للطاقة المتجددة على سطح المنزل البالغة مساحته 65 متراً مربعاً، حيث تم تركيب ألواح طاقة شمسية لتسخين الماء وتوليد الكهرباء، كما تم تركيب مروحة هوائية بارتفاع سبعة أمتار بهدف توليد الكهرباء، وقال "كريمة": إن منزله يعتمد اعتماداً كلياً على الطاقة المتجددة في أعمال الإنارة واستخدام الأجهزة الكهربائية وتشغيل مضخات المياه الموجودة في المزرعة، والاستفادة من هذه الطاقة في فصل الشتاء لشؤون التدفئة حيث تم تزويد البناء بشبكة تدفئة مركزية، وهذا الأمر وفّر عليه بيئياً واقتصادياً، إضافة إلى أن هذه الطاقة لا تنشر أي انبعاثات ضارة في البيئة مثل غاز ثاني أوكسيد الكربون، فهي صحية بالكامل لكونها لا تحرق الأوكسجين الموجود داخل الغرفة، وتوفر ما يقارب 3 ليترات من المازوت، وهذا على خلاف مدفأة المازوت التي تحرق الأوكسجين وتهدر الكثير من المازوت.

ويشمل البيت الريفي كذلك حمام (الساونا) الروسي، وهو عبارة عن غرفة من الخشب تدفأ بالحطب لترتفع درجة الحرارة بداخلها حتى 70 درجة مئوية تقريباً برطوبة تقدر بـ20 درجة مئوية أيضاً، وقد جهزت الغرفة بمقاعد خشبية متدرجة بحيث تزداد الحرارة كلما ارتفعت في مقاعد الجلوس، ويمكن البقاء داخل حمام (الساونا) من 10 – 20 دقيقة، والحمام المذكور له فوائد صحية عديدة أهمها: زيادة صحة القلب، زيادة السعة التنفسية، تحسين ألم المفاصل، إزالة التوتر، تحسّن (المزاج)، إنقاص الوزن، تحسين صحة الجلد، المساعدة على تخفيف التجاعيد والترهلات.

وعن التكلفة المالية لهذا المشروع يقول: تختلف التكلفة من منطقة لأخرى حسب قيمة الأرض ومساحة البناء وأسعار المواد التي لم تعد تستقر في ظل الحصار الاقتصادي المفروض على سورية، مقترحاً تشجيع المزارعين وأصحاب المشاريع الخاصة على الاستفادة من النفايات وإعادة تدويرها لإنتاج طاقة بديلة متجددة، وكذلك حصاد مياه الأمطار قدر الإمكان وتحقيق الاكتفاء الذاتي بطريقة مستدامة في ظل ظروف الحصار وغلاء المعيشة.