جَسّدَ الخراب والإهمال في مدينة "طرطوس" القديمة عبر عدسته بطرق فنية جديدة، فأعطى جمالية سحرية للّونين الأبيض والأسود من خلال الضوء الذي حوّل الغرف الموجودة إلى كتلة من نار مشتعلة من الداخل، فنجحت بذلك عدسته وحاولت مرة أخرى في إحدى اللوحات أن تجسد البحر بطريقة أكثر احترافية من خلال طفلة تقف على إحدى الصخور الرملية.

كان للضوء مكان واسع في نجاح اللوحة، كما كانت لـ "السيبيا" دور كبير في تعتيق الصورة وتقريبها من عين المشاهد. كل هذه الأمور احتلت مكانة واسعة من عدسة الفنان الضوئي "وائل الضابط" الذي عُلّقت لوحاته على إحدى الجدران الدمشقية في بيت الفن "آرت هاوس".

إن تجسيد المدينة القديمة في "طرطوس" بعدسة "وائل الضابط" كانت ناجحة، فهو حاول أن يرحل بنا إلى المدينة القديمة ويضعنا وسط التفاصيل المهمشة، لم تكن الروح والجمالية الفنية غائبة عن عدسته بل حاول في كل لوحة أن يهمس في العدسة ويعطيها مزيداً من الجمالية المرهفة الإحساس

وخلال حضورنا لمعرض الفنان الذي افتتح في بيت الفن "آرت هاوس" التقينا معه ليحدثنا عن فكرة المعرض بشكل عام: «موضوع المعرض هو موضوع خاص عن مدينة "طرطوس" القديمة التي أعيش فيها، فمن المفروض علينا أن نلقي الضوء على هذه المدينة المهملة، وأن نخدمها ونخدم السكان فيها بشكل جيد، وهنا أتت فكرتي بأن التقط بعدستي هذا الحزن والخراب الموجود في تلك المنطقة القديمة، كما شاركت في هذا المعرض ببعض الصور التي التقطت في المدينة الجديدة».

براءة وطفولة

صور ممزوجة بلوني الأبيض والأسود حاولت أن تفرض حضورها بعين المشاهد لتحوله إلى تلك الأماكن المهملة والتي باتت شبه منقرضة مع وجود الناس فيها.

وعن المعرض يقول المخرج السينمائي "غسان عبد الله": «هناك شيء مشترك بين عملي كمخرج سينمائي وبين لوحات "وائل"، فأنا أعمل في الصور المتحركة وهو يصور ويجسد لنا الصور الجامدة أو المتوقفة. هناك شيء مميز في معرض الفنان "وائل الضابط" وهو "طرطوس" القديمة، فأعيننا تعودت على أعمال من "دمشق" القديمة. كما لعبت مادة الموضوع دوراً بارزاً في اللوحة وهذا لا يقلّل من قيمة الفنان أو التقنيات المستخدمة في اللوحة، بالإضافة إلى الربط بين قديم "طرطوس" وبحرها مع تقنية وفن التصوير الضوئي، وهذا المزج ساعد على النظر للوحة بأريحية أكثر. كما لفت انتباهي أنه استخدم تقنية رأيناها في فيلم شهير جداً "العرّاب" هي "السيبيا" فهي كانت تستخدم في التصوير السينمائي ودخلت الفن الفوتوغرافي من خلال فنانين معينين عن جديد وهي تعطيك الإحساس بالعتق والجذور».

البحر في ذاكرة وائل الضابط

يضيف السيد "عبد الله": «كما لفت انتباهي وتفاجأت جداً بأنه استخدم الضباب كخلفية أي أصبحت لديه ثلاثة أبعاد هي مقدمة الكادر وعمقه ووسطه بحيث لعب على هذا الموضوع كثيراً وذلك أعطى مستويات عديدة وأكثر للوحة، والمستوى الوسط هو الأهم من خلال هذه البيوت القديمة جداً. ولكي يعطي هذا العمق في الكادر أضاء الغرف والنوافذ فنجحت الصورة وأعطت إحساساً للمشاهد بأن الضوء في داخل الغرف تحوّل إلى نار مشتعلة، أما لوحة "الشباك" فجسّدها بطريقة رائعة وهي طريقة احترافية أخذت مركزها. كما كانت صورة القدمين فيها براءة وطفولة رائعتان جسدت أيضاً بطريقة أكثر تميزاً. إنها تجربة مميزة أتمنى للفنان المزيد من التوفيق في تجسيد رؤية عدسته بطرق عديدة وراقية».

"طرطوس" القديمة وعدسة قديمة التقطت تفاصيل مهمشة وبعضاً من المارة الذين تحولوا مع الزمن إلى جزء من هذه اللوحة المرتبطة بذاكرة كل زائر للمدينة القديمة. هنا يقول السيناريست السوري "غسان الجعفوري" الذي كان يمعن النظر في إحدى اللوحات: «تناسق اللونين الأبيض والأسود مع موضوع اللوحات أعطت روحاً مشعة للوحة، حيث أخذ الفنان الأشياء القبيحة في شوارع "طرطوس" القديمة مثل ورق النعوة والنوافذ المكسرة وأعطاها روحاً وجمالية عالية. وأنا هنا يمكن أن أسمي هذه الخطوة بجماليات القبح في عدسة "وائل". كما أنه ركّز على الحجر الرملي في المدينة القديمة، هذا الحجر الذي يجعلك تشعر بأنه عريق وله ماضٍ عريق يتجسد بطريقة فنية رائعة، وهذا كله كان واضحاً من خلال تلك الجدران التالفة والأضواء التي أعطت اللوحة دفئاً جديداً. أتمنى له ولعدسته المزيد من الإبداع».

طرطوس القديمة

أما الفنان والمصور الضوئي "عبد الله رضا" خريج كلية الفنون الجميلة فيقول: «إن التصوير هو عبارة عن الرسم بالضوء. و"وائل" هنا في معرضه هذا من خلال الضوء خدّم اللوحة وأعطاها جمالية رائعة، ولعب على تقنية اللون الأبيض والأسود "السيبيا" التي تعطيك تعتيقاً للصورة، كما لعب على حركة الأشخاص فأعطى جمالية واضحة للأماكن القديمة المهمشة التي لا يراها المارون قرب تلك الأماكن».

ويقول الأستاذ "محمد عبد الحي" طالب فنون تطبيقية: «إن تجسيد المدينة القديمة في "طرطوس" بعدسة "وائل الضابط" كانت ناجحة، فهو حاول أن يرحل بنا إلى المدينة القديمة ويضعنا وسط التفاصيل المهمشة، لم تكن الروح والجمالية الفنية غائبة عن عدسته بل حاول في كل لوحة أن يهمس في العدسة ويعطيها مزيداً من الجمالية المرهفة الإحساس».

شخوص "وائل" امتزجت مع الأبيض والأسود فشكلتا كتلة من النار المشتعلة داخل البيوت القديمة التي بنيت من التبن والطين، ولم تكن التفاصيل المهمشة في الشارع القديم بعيدة عن عدسته بل حاول بكل استطاعته أن يلتقط المهمش ويحوله بجمالية عالية إلى جزء من اللوحة.

والجدير بالذكر أن الفنان "وائل الضابط" من مواليد "طرطوس" عام 1966، ودرس العلوم الهندسية في جامعة "سيتي كوليج"، كما أنه عضو في الجمعية الأمريكية للتصوير الضوئي. وقد شارك في العديد من المعارض الخاصة والجماعية داخل وخارج القطر.