في قرية "القاطورة" ضمن الريف الشمالي الغربي لمدينة "حلب" موقع أثري يتميز بآثاره البديعة التي تضم مدافن رومانية ومبانٍ مدنية ودينية، ويعد واحداً من 700 موقع أثري في المنطقة...

حول موقع قرية "القاطورة" وآثارها التقت مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 15 أيار 2014 المصوّر الضوئي "عبدو ليلاف" في منطقة "عفرين"، الذي قام بتوثيق وأرشفة آثار المنطقة بعدسته ويقول: «تقع "القاطورة" إلى الغرب من "قلعة سمعان العمودي" بنحو 1كم، وإلى الشمال الغربي من مدينة "دارة عزة" بمسافة 3كم تقريباً، تشتهر القرية بآثارها الجميلة التي تعود بمجملها إلى فترة الحكم الروماني لـ"سورية" وللمنطقة، ومن أهم تلك الآثار؛ المدافن المنحوتة في الصخور والمباني والدور السكنية والفيلات، وهذا الموقع الأثري هو جزء من مجموعة كبيرة من المواقع التاريخية الواقعة في جبلي "سمعان" و"حلقة" اللذين يمتدان بين محافظتي "حلب" و"إدلب"، ويبلغ عددها نحو 700 موقع».

يمكن للزوار الوصول إلى موقع آثار "القاطورة" عبر طريقين، شرقي يتفرع من الطريق العام "حلب" - "قلعة سمعان"، وغربي قادم من قرية "زرزيتا" الأثرية

ويضيف: «يمكن للزوار الوصول إلى موقع آثار "القاطورة" عبر طريقين، شرقي يتفرع من الطريق العام "حلب" - "قلعة سمعان"، وغربي قادم من قرية "زرزيتا" الأثرية».

تماثيل المدفونين في مقابر الموقع

أما المهندس والباحث الأثري "عبد الله حجار"، فيتحدث عن اسم القرية، ويقول: «"القاطورة" تعني بالسريانية "الصخرة" وربما سميت بذلك نسبة إلى الصخرة الهائلة الموجودة إلى الغرب من القرية في الطريق المؤدية إلى قرية "زرزيتا" الأثرية المجاورة، التي تضم المدافن المهمة وتشكل المكان المنخفض في القرية، وتتميز بمدافنها العامة التي تعود بتاريخها إلى الفترة الرومانية وتحديداً إلى القرنين الثاني والثالث للميلاد إضافة إلى دور السكن والفيلات العائدة إلى الفترة المذكورة نفسها، وإلى القرنين الخامس والسادس الميلادي كذلك، ومن بين مدافن القسم الغربي حيث الصخرة الهائلة نميز مدفناً عالياً حُفر في الصخر على شكل غرفة على ارتفاع 3م من سطح الأرض كُتب في أعلى مدخله كتابة يونانية، تعلوها أخرى لاتينية يعلوها تمثال الشخص المدفون وهو مضطجع وزوجته منتصبة بالقرب من رأسه، بينما نُقشت صورة النسر الروماني فاتحاً جناحيه أعلى السقف المظلل للتمثال، والكتابة المحفورة جاءت على مساحة 140*59سم وتتألف من ستة أسطر لاتينية في أسفلها ستة أسطر يونانية بمعنى واحد، وفيما يلي ترجمتها: (قدم طيطوس فلافيوس جوليانوس من المحاربين القدماء في الفرقة المسماة أوغستا نصبه ونصب زوجته تيتيا فلافيا، تذكاراً أبدياً إلى أسلافه الآلهة والأرواح الأخرى من العالم الأسفل، ولورثته والمنحدرين منهم حيث لا يتصرف أي منهم بأي شكل بهذا الصرح، الوداع)، والمعروف أن الفرقة الثامنة "أوغستا" أو بعض فصائلها كانت ترابط في "سورية" منذ أيام القيصر "أوغسطس"، ويبدو أنها كانت تقيم في "بيروت" ثم انتقلت إلى "بعلبك" أيام الإمبراطور "فيليب العربي"».

ويتابع: «كما تضم الصخرة الهائلة نواويس وأضرحة ومدافن أخرى محفورة في الصخر أسفل الأرض يُنزل إليها ببضع درجات، ويوجد في أعلى المدخل كتابة حفر في أعلاها تماثيل المتوفين من رجال ونساء وأطفال وذلك ضمن إطار خاص، وإلى الشرق من مدفن "طيطوس فلافيوس" تتواجد قبور مؤرخة من الأعوام 152 -195 -240، ما يجعلنا نرجع الكتابة على مدفن "طيطوس" إلى نهاية القرن الثاني أو بداية القرن الثالث الميلادي، ومن بين تلك القبور نجد إطاراً يحتوي على تماثيل أربعة أشخاص؛ اثنان منها إلى اليمين لامرأتين كما يبدو من تصفيف الشعر على طرف العنق، والآخران لرجلين يغطي رداء أحدهما رجليه وقد كُتب باليونانية من الأسفل على عمودين (ألولايوس صنع هذا لوالده وزوجة والده، أنا نيكانور صنعت هذا لوالدي أوديموس وزوجته)».

قبور ونواويس أثرية في الموقع

ويختم: «هناك تماثيل وكتابات أخرى عديدة، ومما يجدر ذكره أن العالم "ودنغتن" وجد كتابة يونانية تعدّ أقدم الكتابات المسيحية المؤرخة في المنطقة، على حجر مستطيلة الشكل يوضع فوق عمودي الباب في العمارة المدنية والدينية ويكون طوله أكبر قليلاً من عرض الباب، طوله الأصلي 190سم، وبقي منه 140سم، وتقول الكتابة: (يا مسيح الله ساعدنا، إله واحد فقط، بنى "تلاسيس" هذا...... *، إن ما تقوله أيها الصديق فليرتد إليك مضاعفاً في العام 385، ادخل أيها المسيح، ويوافق هذا التاريخ العام 336 -337م)».

يذكر أنه تنتشر الدور السكنية الحديثة لسكان القرية الحاليين بين مجموعة من الآثار التاريخية في مشهد حضاري جميل يشهد على تناغم بين الماضي والحاضر، ويبلغ عدد سكان القرية المعاصرة نحو 350 نسمة.

مدفن طيطوس الشهير في الموقع

*....: يعني أن الكتابة مخرّبة ولا يمكن قراءتها.