صناعة أكياس الخيش هي صناعة حلبية عريقة كان يعمل بها المئات من الأشخاص الذين امتهنوا هذه المصلحة وعملوا بها منذ أقدم الأزمنة وذلك في السوق الخاص الذي استمد اسمه من هذه الصناعة وهو "سوق الخيش" الذي أصبح اليوم شبه خال من أصحاب هذه المهنة بسبب اضطرار أغلبيتهم إلى تغيير مصلحتهم الأساسية والعمل بمصالح جديدة.

وللتعرّف على الأسباب التي دفعت أصحاب هذه المصلحة إلى أن يهجروا مهنتهم الأساسية التقى موقع eAleppo في "سوق الخيش" السيد "محمد عابد" وهو مهندس زراعي وأحد تجار السوق الذي تحدث في البداية عن أسماء السوق تاريخياً: «السوق كان يُسمى سوق الصوف ثم تحوّل إلى سوق الدجاج قبل أن يستقر اسمه على "سوق الخيش" وارتبط اسمه كما هو واضح بخياطة وصناعة أكياس الخيش التي كان المزارعون يشترونها لاستعمالها في نقل محاصيلهم الزراعية إلى الأسواق كالقطن والزيتون والقمح والشعير وغيرها. هذا المحل كان لجدي ومن ثم انتقل لوالدي ومن بعده إليّ وقد كانت مهنتنا الأساسية هي العمل في مجال تصنيع أكياس الخيش وذلك قبل أن أغيّرها إلى تجارة الاقمشة كما ترى».

كما أقترح على الجهات المعنية المزيد من الاهتمام بهذا الخان /"خان الحبال"/ لأنّه يشكل قيمة أثرية وسياحية وطنية فهو خان قديم ويحتوي على آثار تعود إلى عصور تاريخية مختلفة

وأضاف: «لقد كانت المواد الأساسية لصناعة أكياس الخيش تأتينا على شكل قماش من الخارج وفي المحل كنا نقصه ونخيطه لصنع شالات القطن أو أكياس الحبوب وغير ذلك، إضافةً إلى ذلك فقد كان يأتينا أكياس الخيش المستعملة والمثقوبة لنقوم بترقيعها واستعمالها من جديد. السوق حالياً يضم حوالي 60 محلاً والأغلبية العظمى من أصحابها قاموا بتغيير مصلحتهم لمصالح جديدة بسبب تراجع مستوى شراء هذه البضاعة بشكل كبير جداً، واليوم فإنّ السوق يُباع فيه مختلف أنواع الاقمشة والقطنيات وألبسة الستائر والمفروشات على حساب المصلحة الرئيسية وهي تصنيع أكياس الخيش التي انتهت تقريباً في السوق».

محمد عابد -تاجر أقمشة في سوق الخيش

وعن أسباب تراجع حركة شراء أكياس الخيش من قبل الناس وبالتالي قيام العديد من أصحاب هذه المصلحة بتغييرها قال السيد "محمد عابد": «لقد تراجعت هذه المصلحة بشكل كبير حتى وصلت إلى حدود الانقراض والاندثار فكما ترى لا يوجد في السوق وفي الخان المجاور له سوى ورشة أو ورشتين فقط تعمل في تصنيع أكياس الخيش والسبب في ذلك هو أنّ الدولة قديماً لم تكن توفّر أكياس الخيش بشكل كاف للمزارعين فكانوا يأتون إلى السوق لشراء كفايتهم منها وكان ذلك يجعل الحركة التجارية في السوق نشطة وهذه المصلحة مزدهرة أما اليوم فقد قامت الدولة بتأمين احتياجات المزارعين من هذه المادة وبالتالي تراجعت الحركة التجارية وقلت عمليات البيع فاضطر الكثيرون من أصحاب تلك المصلحة للتحوّل إلى مصالح تجارية جديدة ليتمكنوا من خلالها على مواكبة متطلبات السوق وظروفه.

والسبب الآخر في تراجع عمليات شراء الناس لأكياس الخيش وخاصّةً المزارعين منهم هو ظهور أكياس النايلون في الأسواق والتي تتميز برخص أسعارها وباستعمالها لمرة واحدة».

زكريا الشامي -تاجر في خان الحبال

أما "زكريا الشامي" وهو أحد تجار "خان الحبال" المجاور للسوق والذي ما زال يعمل في تجارة أكياس الخيش والخيوط ومشتقاتها فقد تحدث لموقعنا بالقول: «لقد ورثت هذه المصلحة من والدي وهي مصلحة عريقة، وعلى الرغم من أنها تراجعت اليوم إلى أدنى مستوياتها فهي ما زالت كمهنة تمارس من قبل عدد من الورشات هنا، إنّ تصنيع أكياس الخيش هي مصلحة مرتبطة بالمزارعين لأنهم يشكلون أكثر الشرائح الاقتصادية شراء لتلك الأكياس التي يحتاجونها في نقل محاصيلهم بمختلف أنواعها».

وعن مراحل تصنيع هذه الأكياس قال "الشامي": «قديماً كانت تأتينا مادة القنب التي كانت تزرع في بعض الدول الآسيوية مثل باكستان وأفغانستان وكنا في السوق نعمل على استعماله في صناعة الحبال، أما بالنسبة لأكياس الخيش فلم نكن نصنّعها إنما كان يأتينا الخيش على شكل قماش من الخارج أيضاً حيث كنا نقصه ونصنع منه الأكياس بحسب طلب كل مزارع مثل أكياس الزيتون أو شالات القطن وغيرها.

أكياس الخيش تنتظر من يعيد لها الاعتبار

إضافةً إلى ذلك كان مصدر حصولنا على الخيش هو "سوق العطارين" المجاور فبعد أن كان تجار ذلك السوق يفرغون الأكياس الملأى بمواد العطارة كالبهارات وكانوا يبيعونها لنا لنقوم بتصنيفها وتصنيع أكياس خيش تتناسب مع طلبات المزارعين كما قلت».

وأضاف متحدثاً عن أوضاع هذه المصلحة بالقول: «قبل حوالي العشرين سنة تقريباً كانت هذه المصلحة مزدهرة وكانت الحركة التجارية في السوق نشطة، أما اليوم فقد تراجعت حركة البيع والشراء في السوق وخفت كثيراً لدرجة أنّ قسماً من أصحاب المهنة غيروا مصلحتهم أو تركوا السوق أو انتقلوا تدريجياً للتجارة بالأكياس والحبال المصنوعة من مادة النايلون وذلك مسايرة للسوق وأوضاعه».

وعن أسباب ذلك تحدث قائلاً: «السبب الرئيسي والأساسي في ذلك برأيي يعود إلى ظهور أكياس النايلون في السوق وبالتالي تحوّل المزارعين إلى استعمالها في نقل منتجاتهم ومحاصيلهم وباعتبار أنّ المزارعين هم زبائن السوق الأساسيون فإنّ تحولهم إلى استعمال أكياس النايلون أثر بشكل كبير على حركة البيع والشراء وبالتالي إلى تراجع المهنة وتغيير الكثيرين من أصحاب المصلحة لمهنتهم، على الرغم من أنّ أكياس النايلون هي مواد غير صحية وضارة بالإنسان، لقد عشت فترة في أوروبا ورأيت هناك توجهاً عاماً في توعية الناس بأضرار ومخاطر النايلون وبالتالي العمل على استبدالها واستعمال الأكياس الورقية، وباعتبار أنّ أكياس الخيش غير ضارة بالصحة العامة فأنا اقترح العودة لاستعمالها من قبل الناس وخاصّة المزارعين وبالتالي سوف تعود الحياة لهذه المهنة وتزدهر من جديد وكذلك أقترح على الجهات المعنية توعية الناس بأضرار النايلون على الصحة على غرار الدول الأوروبية».

وختم: «كما أقترح على الجهات المعنية المزيد من الاهتمام بهذا الخان /"خان الحبال"/ لأنّه يشكل قيمة أثرية وسياحية وطنية فهو خان قديم ويحتوي على آثار تعود إلى عصور تاريخية مختلفة».