ينتظر أهالي ريف "حلب" "مطرة الخير" لظهور "الفطر" في غاباتهم بأنواعه المختلفة، فيعتمدون عليه في فصل الشتاء لإعداد مأكولات عديدة أهمها "فطر بالبصل"، فهو يوازي "اللحم" بمذاقه وفائدته.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 27 كانون الأول 2014، العم "محمد أبو عبدو" الذي تحدث عن أهمية دخول "الفطر" وأنواعه في "حلب"، ويقول: «للفطر بأنواعه المعروفة والمتنوعة حضور كبير في طبخات أهل الريف في "حلب"، الذين يعدونها من الطبخات المفيدة جداً، لدرجة أنهم يسمون الفطر باللحم النباتي؛ وهم يعتقدون أنه يضاهي اللحم في فوائده وأهميته لصحة الإنسان، وفي العرف الريفي دلائل مناخية كثيرة على توافر نمو الفطر بكثرة، ومن هذه الدلائل الهطول المبكر للأمطار الخريفية التي تسمى شعبياً "مطرة الخير"، أما إذا تأخر هطول تلك "المطرة" فذلك يعني قلة إنتاج "الفطر"، ومن الدلائل الأخرى "الضباب"؛ فالناس هنا يعتقدون أن الضباب كالبذار لأنه يجلب معه "الفطر" بكثرة، كما يساهم الجو المسمى بـ"عرس الثعلب" (أي هو هطول المطر حينما يكون الجو مشمساً ودافئاً) بكثرة نمو "الفطر"».

تعد هذه الطبخة الأكثر انتشاراً في المنطقة، وتعد أكلات "الفطر" لحماً نباتياً؛ وهي بالتالي طبخة الأسر الفقيرة غير القادرة على شراء اللحم فهي تحتوي على نفس العناصر الغذائية المتواجدة في اللحم، ولذلك وبمجرد هطول أمطار الخير وظهور الضباب يقوم الناس برحلات شعبية كبيرة ويومية إلى غابات الصنوبر للبحث عن الفطر

ويتابع: «في العرف الشعبي أيضاً هناك أنواع عديدة "للفطر" وقد تم اعتماد هذه التقسيمات والأسماء مع الزمن بحسب شكل "الفطر" والمكان الذي ينبت فيه، فهناك "فطر الصنوبر" وهو أكثر الأنواع شيوعاً في منطقة "عفرين" بسبب انتشار غابات الصنوبر وبكثافة، وهذا النوع ينمو بين أوراق الصنوبر المتساقطة والمتراكمة عبر الزمن حيث تتوافر في المكان الرطوبة والدفء، و"فطر الجقماق" وهو أشهى أنواع الفطر ويتميز بلونه الرمادي والأبيض الناصع وينمو في الأراضي التي يكثر فيها حجر "الجقماق"*، إضافة إلى "فطر الشمسية" ويشبه في شكله "الشمسية" أو المظلة وينمو في التربة الحمراء وبين القش، و"فطر بريزة" وينمو في الأراضي التي حُصدت منها سنابل القمح وهي لذيذة، وهناك العشرات من أنواع الفطور التي لا يأكلها الإنسان وهي سامة في الأغلب مثل: "فطر الكلب"، و"فطر الزيتون"، و"الفطر الزهري"، و"الفطر الأصفر"، وغيرها».

تنظيف الفطر قبل إعداد الطبخة

وفي لقاء مع العمة "أمينة علي" تحدثت عن الأكلات التي يصنعها أهالي "حلب" باستخدام مادة "الفطر" وتقول: «من أكثر طبخات "الفطر" شيوعاً في منطقة "عفرين" طبخة "الفطر بالبصل" التي تستخدم فيها "فطر الصنوبر" بأحجامه الصغيرة التي لا تصلح للشوي كباقي أنواع الفطور، ولإعداد هذه الطبخة نقوم بتنظيف "الفطر" من القش والتراب ونغسله ونصفيه ونضعه في طنجرة بعض إضافة رشات من الملح إليها، ومن ثم نضع الطنجرة على النار مدة عشرين دقيقة من السلق لتخليص الفطر من الأوساخ التي قد تكون متواجدة في طياتها، ثم نمرر "الفطر" المسلوق عبر مصفاة المطبخ لتخليصه من الماء المترسب في قاع الطنجرة، وهنا أود أن أذكر أن عملية السلق هنا تتم من دون إضافة الماء للفطر، وبعدها نفرم 3-4 حبات من البصل بشكل ناعم ونضيف إليها قليلاً من زيت الزيتون لنضعها على النار الهادئة مدة خمس دقائق تقريباً أو حتى يستوي البصل ويتحول لونه للذهبي، ثم نضيف الفطر المصفى إليها مع رشات من الملح والبهارات والفليفلة المطحونة وقليلاً من دبس البندورة ونترك الطبخة على النار مدة لا تقل عن نصف ساعة؛ حيث تصبح جاهزة لتناولها، بجانب طبخة "الفطر بالبصل" تقوم بعض السيدات بإعداد الأرز لتناولهما معاً أو الاكتفاء بلبن العيران على المائدة».

وحول الحضور الاجتماعي لهذه الأكلة في حياة الناس تقول: «تعد هذه الطبخة الأكثر انتشاراً في المنطقة، وتعد أكلات "الفطر" لحماً نباتياً؛ وهي بالتالي طبخة الأسر الفقيرة غير القادرة على شراء اللحم فهي تحتوي على نفس العناصر الغذائية المتواجدة في اللحم، ولذلك وبمجرد هطول أمطار الخير وظهور الضباب يقوم الناس برحلات شعبية كبيرة ويومية إلى غابات الصنوبر للبحث عن الفطر».

العمة أمينة علي

  • "الجقماق": كلمة كردية تعني "الصوان".