طرائق متعددة ومتنوعة كان يعتمد عليها الريفيون في "حلب" لحفظ مؤنهم السنوية، جاءت بعد خبرتهم الطويلة بمقدرة الطبيعة غير المحدودة، فاستخدموا التبريد والتسخين قبل وصول الكهرباء.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 10 كانون الأول 2014، منطقة "عفرين" والتقت العمة "مريم حمو" التي تحدثت عن أهم الطرائق التقليدية لحفظ المؤونة المنزلية وتقول: «قبل ظهور الثلاجات ووصولها إلى الريف، أي في السبعينيات من القرن الماضي كان السكان يعالجون خضراواتهم الموسمية منزلياً في فصل الصيف بغية حفظها للفصول التالية التي لا تتوافر خلالها تلك الخضار، وقبل السبعينيات من القرن الماضي كان السكان يضطرون للسفر إلى مدينة "حلب" لشراء الخضار وبأسعار مرتفعة جداً وذلك لأغراض طبية وعلاجية أو لبعض النساء الحوامل أثناء فترة "التوحم".

هناك بعض المواد تحفظ بالزيت مثل "العتون" الأسود، و"العتون" المجرّح بعد إضافة الزعتر الأخضر ودبس الفليفلة الحمراء وثمرة ليمون مقطعة إلى شرائح، ويعد الزيت من المواد القادرة على حفظ "العتون" لمدة طويلة لكونه يمنع التعفن والفساد

وبعد وصول التيار الكهربائي للريف وتوافر الثلاجات التي تساعد الناس في حفظ محاصيلهم وكذلك التطور الزراعي الذي ساهم في توفير المحاصيل في مختلف الفصول بدأ السكان التخلي تدريجياً عن حفظ المؤونة السنوية بمختلف طرائقها، ومع ذلك ما زال الكثيرون من السكان يعتمدون على حفظ المحاصيل لسببين؛ أولهما ارتفاع أسعار المحاصيل في غير موسمها، وثانيهما اعتماد المزارعين على المبيدات والمواد الكيماوية في إنبات تلك المحاصيل ضمن البيوت البلاستيكية، ولا يخفى على أحد أضرار تلك المحاصيل على صحة الإنسان».

حفرة التربة الحوارية

وتضيف: «طرائق حفظ المؤونة كثيرة وقد عرفتها النساء عبر الزمن وتعتمد جميعها على التمليح والزيت والتبريد والحرارة، وبالنسبة لطريقة التمليح فهي الشائعة لدى الريفيات ويتم إعدادها بمزج كمية كافية من الماء بالملح البلدي؛ وهو الاسم الشائع للملح الذي كان يُجلب من بحيرة "جبول" جنوب شرق "حلب"، حيث كنا نشتريه من الباعة المتجولين، أما أهل "حلب" فكانوا يشترونه من "سوق الملح" الذي كان يقام يومياً في "ساحة الملح" في المدينة، ولمعرفة العيار المناسب للماء المالح المستخدم في الحفظ كان للسيدات طريقة تقليدية قديمة شائعة؛ وذلك بوضع بيضة دجاج بلدي في الماء المالح فإن طفت البيضة على سطحه فكمية الملح مناسبة، أما إذا هبطت البيضة إلى القعر فذلك يعني وجوب إضافة المزيد من الملح.

يستخدم الماء المالح في حفظ كل من الفليفلة الخضراء والخيار و"القتة" والفاصولياء والزيتون الأخضر والباذنجان و"العجور"، وغيرها من الخضار، فبعد أن يتم غسل هذه الخضراوات جيداً يتم تجريحها بالسكين وحفظها ضمن الماء المملح، أما الزيتون الأخضر فيتم تكسيره ثم حفظه».

حفظ اللفت بواسطة الحرارة

وتتابع: «هناك بعض المواد تحفظ بالزيت مثل "العتون" الأسود، و"العتون" المجرّح بعد إضافة الزعتر الأخضر ودبس الفليفلة الحمراء وثمرة ليمون مقطعة إلى شرائح، ويعد الزيت من المواد القادرة على حفظ "العتون" لمدة طويلة لكونه يمنع التعفن والفساد».

أما العم "محمد أحمد" من أهالي "عفرين" أيضاً فيقول: «طريقة التبريد هي إحدى أقدم الطرائق المعروفة في حفظ الخضار، ولم يبق لها أثر في العصر الحالي إلا نادراً ولدى كبار السن والمعمرين الذين يتقنون استخدام هذه الطريقة، حيث يستخدم في هذه الطريقة "الحوّار البيض" أو التراب الأبيض وتغطى به الخضار والفاكهة المراد حفظها، فهذا النوع من التراب وبحسب المعتقدات الريفية وبحكم التجربة يكون بارداً خلال فصل الصيف الحار، وبما أن البرودة هي إحدى وسائل الحفظ المعروفة فإن هذه الطريقة كانت فعالة في حفظ الخضار لمدة طويلة، وذلك مع بداية فصل الصيف وحتى نهاية الشتاء».

حفظ الزيتون بالتمليح

ويتابع: «التربة "الحوّارية" متوافرة في الريف ويسمى مكانها محلياً بالحفرة، لأن الناس وخلال سنوات طويلة أخذوا من تلك التربة الكثير حتى تحولت لحفرة كبيرة، أما طريقة الحفظ؛ فبعد قطف الخضراوات المراد حفظها وخاصة الفليفلة الخضراء يقوم المزارع بجلب كمية كافية من التربة الحوّارية ويضعها على شكل كومة كبيرة في مكان ما بالقرب من البيت، بعدها يضع الخضار ويغطيها بهذا التراب الأبيض ويتركها، وخلال فصل الشتاء يحفر في تلك الكومة الترابية ويخرج تدريجياً تلك الخضار وهي طازجة 100% ليبدأ تناولها مع أسرته».

ويضيف: «ومن طرائق حفظ الخضار أيضاً توافر الحرارة التي تساعد بعض أنواع الخضار على النمو والنضج، و"التبن" هو أكثر المواد فعالية في توليد الحرارة لذا كان المزارعون يقطفون حبات البندورة الفجة أوائل فصل الخريف ويضعونها ضمن كمية كافية من "التبن"، وبعد مضي شهر أو أكثر كان المزارعون يقومون بإخراج الحبات تدريجياً وقد تحولت إلى حبات طازجة حمراء اللون، ومن المواد التي تحتاج للحرارة خلال مدة حفظها "اللفت" فبعد تقطيع حباتها ووضعها في الماء المالح وحفظها في "قترميزات" زجاجية توضع هذه "القترميزات" بجانب مدافىء الحطب مدة أسبوع قبل تناولها».

وختم: «تكمن أهمية هذه الطرائق في أنها توفر مواد طازجة وطبيعية 100%، وهي بديل صحي عن الخضار والفواكه التي تتم زراعتها في غير موسمها باستخدام المواد الكيماوية، ولذا أتمنى من أهل الريف العودة من جديد لاعتماد هذه الطرائق، للحفاظ على صحة جيدة وعمر طويل».