برعايةٍ الدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة، أقيمت الندوة النقدية التكريمية للمبدع الراحل جورج سالم في دار الكتب الوطنية بحلب.

ولد جورج سالم في مدينة حلب عام 1933 وقد تلقى تعليمه فيها، وتخرج من جامعة دمشق حاملاً إجازة في اللغة العربية عام 1955، ودبلوم في التربية عام 1956، عمل في التدريس بمدارس حلب، ومن ثمَّ عيِّنَ مديراً للمركز الثقافي بحلب، وأخيراً ترأس فرع اتحاد الكتاب بحلب.

مكونات الخطاب النقدي عند جورج سالم، والدكتور راتب سكر والذي تحدث عن جهود جورج سالم في دراسة الأدب السردي العربي، وأخيراً الدكتور غسان غنيم والذي تكلم عن جورج سالم ناقداً روائياً «المغامرة الروائية

ترك بعد وفاته رواية واحدة جاءت تحت عنوان «في المنفى» التي صدرت عام 1962، وستة مجموعات قصصية «فقراء الناس»، «الرحيل»، «ثمن حياته»، «مصرع الفتى الأعمى» ، «حادثة تافهة» و«عزف منفرد على الكمان»، كما أنه قام بتأليف أبحاثاً كثيرة عن الأدب العربي والأجنبي نذكر منها: «على هامش الأدب العربي» 1965، «دراسات في الأدب» 1970، «المغامرة الروائية، دراسات في الرواية العربية» 1973، ومن تراجمه أيضاً «سوء التفاهم» لألبير كامو، «ابن الفقير» لمولود فرعون، «تاريخ الرواية الحديثة» لألبير يس، «الطلسم» لمحمد ديب، «حذاء أبي القاسم الطنبوري» لأوغست سترندبرغ, وكتب أخرى.

افتتح الندوة كلاً من الدكتور رياض نعسان آغا والمهندس تامر الحجة محافظ حلب، وعائلة الراحل ممثلةً بالسيدة كيتي سالم شقيقة الراحل.

بدأ الحفل بالنشيد العربي السوري ومن ثمَّ ألقيت عدة كلمات، والتي كانت بمثابة سرد لذكرياتهم.

بداية قام الدكتور مدحت الجيار من مصر بإلقاء كلمة المشاركين قائلاً: لقد أتينا من بلادنا لكي نكرم الذين أثروا في هذه الثقافة فنحن الباحثون نجتمع الآن لنتذكر هذا الرجل (جورج سالم)، الذي أعطى بسخاءٍ من دون أن ينتظر الرد، فقد كان صاحب قيادة حكيمة جعلته يخرِّج جيل مهم من كتاب وأدباء ومبدعين، فكثير ممن تربوا على علمه لا يزالون يتذكرون عطاءاته لهم والاهتمام الكبير الذي كان يوليه، حيث أنَّ جورج سالم يحضنا على العمل في وطننا من دون أن ننتظر الرد، ومن ثمَّ أضاف إنَّنا جميعاً نسمع عن الجهود الوطنية الفاعلة في سورية لدعم الثقافة العربية من خلال احتضان الأدباء والمبدعين والاحتفال بهم بشكلٍ دائم.

أما الأستاذ محمد قجة: تعود معرفتي لجورج سالم على نحو النصف قرنٍ، وحين بدأت أقرأ له كنت لا أزال في الثانوية وذلك من خلال الدوريات التي كانت تنشر قصصه القصيرة، وبعد ذلك عرفته مدرساً، وكان هذا هو اللقاء المباشر معه حين أصبحت في سلك التدريس (مادة اللغة العربية) وهذا ما متن العلاقة بيننا وكنا نتواعد في أغلب الأحيان بمقهى بلودان في الصباح نحتسي القهوة أو الشاي ونتحادث، وقد كان سالم حينها رجلاً وقوراً وهادئاً حتى أنَّ تعابيره توحي بأنه أكبر من عمره، وقد كنا نقوم بالسفر سويةً إلى دمشق بشكلٍ دوري لوضع سلالم التصحيح، وفي إحدى المرات وبينما كنا هناك قام الأستاذ سليمان العيسى بتكليفنا أنا وجورج بتأليف كتاب اللغة العربية للصف الأول الثانوي، إلا أنني ولسببٍ ما تباطأت في العمل فخرج الكتاب باسمه فقط. وحينما نريد التحدث عن جورج الإنسان فلا بدَّ لنا من أن نتطرق إلى عمق العلاقة الإنسانية بينه وبين عائلته الممثلة بـ(ليلى صالح زوجته، ألمى ابنته، تميم ابنه)، وحين قرأت أعماله الكاملة المترجمة لاحظت أن أسماء كتبه توحي لنا بشيء قريب من الموت وكأنَّ جورج كان يحس بنفسه أنه سيموت بين لحظةٍ وأخرى، حتى أنَّ هناك طرفة تقال وكان أصدقاؤه يرددونها باستمرار أنه حينما يسأله أحد ما، إلى أي مدرسة ثانوية ستنتقل فكان يجيب إلى رحمة الله.

السيدة كيتي سالم أخت الفقيد حيّت الدكتور بشار الأسد على التكريم الذي يخصه للمبدعين والمثقفين وشكرته، كما أنها شكرت سيادة الوزير وجميع من ساهم في إقامة هذه الندوة التكريمية، ثم تحدثت عن ذكرياتها مع الراحل، حيث أنها لم تكن تذكره إلا ومعه كتاب للقراءة، وأضافت أنَّ معظم أوقات جورج كان يقضيها بالمكتبة الوطنية، وتذكرت أيضاً كيف أنه قام بإهدائها صندوقين كبيرين من قصص الأطفال ودورية الطالب العربي، وتحدثت أيضاً عن أول مقال نشره في دورية وكان ذلك في سن السادسة عشرة، واعتبرت أنَّ نشر المقال كان السبب الأساسي في دخوله إلى مغامرة الكتابة.

ثم تحدث الدكتور المهندس تامر الحجة محافظ حلب عن البصمة التي تركها الأديب في المدينة، وأضاف أنَّ التميز الذي امتاز به الراحل يكمن في تعدد اهتماماته فبالإضافة إلى نجاحه في التدريس فهو أتقن أيضاً مجالات الكتابة والترجمة فقد ترك وراءه إرثاً هاماً من الأدب والثقافة، وأضاف أيضاً أنَّ الندوة تأتي بعد التوجيهات الهامة التي أعطاها سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد للمعنيين في مجال الثقافة.

الكلمة الأخيرة كانت لراعي الندوة الدكتور رياض نعسان آغا وقال بعد الترحيب: إنَّ هذا اليوم وكما أراد الدكتور الجيار أن يسميه (الوفاء) فهو بالفعل يوم الوفاء، الوفاء الذي منحه الدكتور بشار الأسد للأدباء والمبدعين من خلال منحهم الدروع والتكريم على عطائاتهم المهمة، وأضاف بأنَّ التكريم لن يطول الأدباء السوريين فقد بل إنه سيتعداه إلى أدباء كل الوطن، لأنَّ الثقافة العربية لا تعترف بالأقطار فهي ثقافة واحدة، وأضاف أنَّ هذا الوفاء له شيء منه لجورج سالم الذي كان أستاذه، ومن ثمَّ تحدَّث عن العلاقة التي جمعتهما.

تلا ذلك ثلاث جلسات نقدية لأدب الراحل جورج سالم فكانت الجلسة الأولى، التي شارك فيها كلاً من الأستاذ محمود منقذ الهاشمي من سورية والتي تمحورت مداخلته حول الأبعاد الفكرية والأدبية عند جورج سالم، الدكتور عبد الله أبو هيف (سورية) حول جورج سالم في النقد الأدبي، والدكتور مدحت الجيار من مصر الشقيقة وجاءت مداخلته تحت عنوان جورج سالم رؤية بانورامية، وقد ترأس الجلسة الدكتور عمرو عيلان من الجزائر.

في اليوم الثاني بدأت الجلسة الثانية أعمالها وقد ترأس الجلسة الدكتور عبد الله أبوهيف، وقد شارك فيها كلاً من الأستاذة رجاء شاهين من سورية بمداخلة تحت جاءت عنوان دراسة نقدية في قصص جورج سالم، ومن ثمَّ الأستاذ يوسف مصطفى من سورية أيضاً، داخل في (قراءة في أدب جورج سالم الروائي والقصصي) وكذلك الأستاذ نذير جعفر بمداخلة عنوانها (تجليات الموت والحب في رواية «في المنفى»، وأخيراً الدكتور نبيل حدَّاد وقد كانت مداخلته عن مجموعة سالم القصصية «عزف منفرد على الكمان» وعن تنويعات الحب والفن والفقد فيها.

أما الجلسة الثالثة والتي كانت رئيستها الدكتورة كيتي سالم أخت الراحل، فقد ضمت كلاً من الباحث الدكتور عمرو عيلان من الجزائر والذي تحدَّث عن «مكونات الخطاب النقدي عند جورج سالم، والدكتور راتب سكر والذي تحدث عن جهود جورج سالم في دراسة الأدب السردي العربي، وأخيراً الدكتور غسان غنيم والذي تكلم عن جورج سالم ناقداً روائياً «المغامرة الروائية» أنموذجاً.

في نهاية الندوة تمَّ تكريم الراحل بدرع الوزارة ومن ثمَّ تمَّ توزيع شهادات تقدير لكل من شارك أو عمل على إنجاحها، ومن ثمَّ تليت كلمة المشاركين والتي قام بقراءتها الدكتور عمرو عيلان، ومن ثمَّ تمت قراءة البيان الختامي والذي ألقاه الدكتور راتب سكر.

وفي النهاية كانت كلمة السيد الوزير التي قرأها نيابةً عنه الدكتور عبد الله أبو هيف، شاكراً فيها الحضور الكريم الذي شهد تكريم الراحل، ومن ثمَّ تحدَّث عن أهمية هذه الندوات ووعد أنها ستستمر بتوجيهات من الرئيس بشار الأسد، وقال أنه في نهاية شهر شباط ستقام ندوة تكريمية للأديب نبيل سليمان، ومن ثمَّ قريباً سيكرم عبد الرحمن الباشا وعفيف بهنسي وآخرون، ووعد بأنَّ القائمة ستطول أكثر من ذلك وستتخطى القطرية في اختيار المكرمين.