جمع بين مهنته الأساسية كطبيب أسنانٍ مرموقٍ يعالج مرضاه، وهوايته الأخرى التي أحبّها وأبدع في معالمها كرسامٍ ونحاتٍ وفنّانٍ تشكيليٍّ متمكّن، حيث طبع بصمته الفنية على الساحة التشكيلية وأقنع الجميع بموهبته.

مدوّنةُ وطن "eSyria" زارت بتاريخ 8 تموز 2020 الطبيب "محمد زاهر عيروض" في منزله الذي تحول إلى صالة لعرض أعماله الفنية التشكيلية، واستمعت منه لسيرة حياته الطبية والفنية فقال: «أحسست نفسي وكأني ولدت مع الفن والجمال، وكل هذا الإحساس كان يسكن في داخلي، كنت دائم البحث والتشوق عن مفردات وتعابير حسية وذوقية بعيدة عن الروتين المتعارف عليه المرافق لمسيرتي الدراسية، وبداية الطريق عُبد في المرحلة الثانوية من خلال شغفي وحبي لتعلم العزف على آلة الكمان بالمعاهد الموسيقية، وانخرطت بفرقة صغيرة لتقديم حفلات على مستوى الأهل والأقارب والأصدقاء، ومع تعلم الموسيقا كانت أصابع يدي تتجه بشكل غير شعوري لمسك قلم الرصاص، ورسم لوحات فنية صغيرة وبسيطة، ولم يكن يخطر ببالي أن تتحول هذه المداعبات المتواضعة إلى حالة ذاتية واحترافية تسكن وتترسخ داخل أعماقي لتصبح جزءاً من شخصيتي، ومع دراستي المرحلة الأخيرة بالثانوية، وتحت ضغط الأهل أوقفت جميع هوايتي الفنية وبمختلف أنواعها للتفرغ للدراسة، ونجحت بمجموع أهلني لدخول كلية طب الأسنان بجامعة "حلب" رغم أن أحلامي كانت بوقتها تنصب على دراسة الطب البشري.

علاقتي بطب الأسنان، والفن متجذرة في أعماقي وداخلي، فأنا دائم البحث عن كل ما هو جديد يطورهما، وبالفطرة انتقلت أحاسيسي الفنية والموسيقية لأبنائي وعائلتي، فجميعهم يتقنون فن العزف على الكمان والبيانو والرسم أيضاً

تخرجت من الجامعة عام 1987 وبعد إنهائي خدمة العلم انطلقت ثورتي الحقيقية باتجاه تعلم أصول الرسم، وقمت بالتسجيل بمعهد "فتحي محمد"، لتعلم فن النحت والصب على يد الفنان "أحمد ناصيف"، وبقيت بالمركز مدة عامين، وأول وجودٍ لي على الساحة الفنية كان من خلال مشاركتي بمعرض أقيم بالجامعة، وقدمت فيه أربعة أعمال بالنحت أهمها منحوتة لرأس "بيتهوفن" و"فينوس"، وتحت ضغط العمل كنت أوزع وقتي بين عيادتي ومتابعة هوايتي، وأحسست بأهمية الترابط الوثيق بين ممارسة الطب، كحالة إنسانية، وإبداعات الرسم كحالة جمالية، تحتاج للدراسة والتفرغ المستمر، والتعمق بها أكثر، ومتابعة كل ما هو جديد يطورها ويرتقي بها، وبعد فترة توقفت عن العمل بفن النحت، لضيق المكان في منزلي، وأخذت القرار النهائي بالدخول في عالم الرسم الكلاسيكي والانطباعي».

قاعة العرش بحلب

وتابع عن أعماله الفنية: «رسمت أغلب شوارع وحارات "حلب" القديمة مثل "بوابة القصب"، و"باب الحديد"، و"باب انطاكية"، والقلعة"، وعندما كنت أقرر رسم حي معين بالمدينة أقوم بزيارته أكثر من مرة ومعاينته والبحث في تاريخه ومكانته وقيمته حتى أعطي هذا العمل البعد التاريخي والجمالي، وبما يستحقه ليخرج بأبهى حلة.

وفي عام 2010 اتجهت لنوع آخر من الرسم، وهو الحروف التشكيلية للغة العربية، وبنموذج خط الثلث، وبغية تقوية حالتي الجديدة قمت بكتابة أكثر من مئة صفحة بطريقة الحروف الفنية، وقدمت بعدها أكثر من مئة عملٍ فنيٍّ بخط الثلث، وكان هدفي الرئيسي من ذلك إظهار قيمة ومكانة وجمال الخط العربي، وبسهولة تطويعه كلوحة فنية جميلة تسرق أنظار المتابعين والمحبين، علماً أن الشغل بالعمل الحروفي ليس بالأمر السهل، فهو يستغرق وقتاً طويلاً حتى يرى النور بشكل متقن ومتناغم ومقنع، وتابعت رحلتي التشكيلية الحروفية من خلال المشاركة بأربعة عشر معرضاً (فردي وجماعي)، وفي احتفالية "حلب" عاصمة الثقافة الإسلامية قامت وزارة الثقافة باقتناء عملين لي أحدهما انطباعي عن حارة "بوابة القصب"، والثاني حروفي بعنوان "من كل شيء خلقه زوجين"، وآخر مشاركتي كانت ضمن معرض جماعي بلوحة حروفية لروح الراحل الفنان التشكيلي "وحيد مغاربة"».

بيوت ريفية قديمة

ويختم قائلاً: «علاقتي بطب الأسنان، والفن متجذرة في أعماقي وداخلي، فأنا دائم البحث عن كل ما هو جديد يطورهما، وبالفطرة انتقلت أحاسيسي الفنية والموسيقية لأبنائي وعائلتي، فجميعهم يتقنون فن العزف على الكمان والبيانو والرسم أيضاً».

الفنان التشكيلي "إبراهيم داود" قال: «إنّ القيمة التشكيلية للحرف العربي الذي استخدمه الفنان الطبيب "محمد زاهر عيروض" جاءت من منطلق كونه فناناً تشكيلياً أولاً، فجعل الخط العربي أحد عناصر العمل الفني، أي نابعاً من البيئة حيث الزمان والمكان، مؤكداً عراقة حضارة الفن واستمراره عبر التاريخ محققاً لهذا التراث الذي اكتسب قدسيته من القرآن، حيث ارتبطت الحروف العربية منذ بدايتها بالدلالة الأدبية؛ أي المعنى والدلالة التشكيلية (التصوير)، وكذلك البعد الجمالي؛ أي التكوين والحركة.

رأس فينوس

المشاهد والمتابع لأعمال الفنان "عيروض"؛ الذي زرته في مرسمه واطلعت على مجمل أعماله الفنية، وتحاورت معه، يكتشف أنه أمام فنان مبدع طوّع الحرف العربي كلوحة تشكيلية بديعة في التكوين واللون».

الفنان التشكيلي "خلدون الأحمد" بدوره قال: «في كل مرة أتابع أعمال الفنان "زاهر عيروض" ألمس إبداعاً مختلفاً أكثر إتقاناً وجمالاً، لديه القدرة على الرسم بأشكال متنوعة وجذب المشاهد للتمتع بلوحاته، وظهرت قدرته الفنية بشكلها الحقيقي عندما اتجه وتعمق برسم التشكيل الحروفي، وبدا كفنان قدير وواثق من أعماله وفنه، حتى غدا أنموذجاً ومعلماً لمحبي الفن التشكيلي من جيل الشباب».

الدكتور "محمد البابا" قال عنه: «أعرف د. "عيروض" منذ أيام الدراسة في كلية طب الأسنان بجامعة "حلب"، وكنا في مرحلة دراسية واحدة، وخلالها كان منضبطاً وملتزماً ومهتماً بمتابعة تحصيله العلمي بنجاح وتفوق رغم انشغاله بمعارضه الفنية أحياناً، وكان من أوائل خريجي دفعتنا في الكلية، واستمرت علاقتي به ودون انقطاع في حياته المهنية، هو راق في تعامله مع مراجعيه ومرضاه ومتفهماً ومقدراً لظروف الجميع بعيداً عن أي هواجس مادية مبالغ فيها، وبنفس الوقت دائم الشغف والبحث بحب الاطلاع والدراسة عن كل ما هو جديد في اختصاص طب الأسنان، ونستطيع القول أنه بجدارة ومهارة جمع المجد من طرفيه مابين طبيب ناجح وفنان تشكيلي بارع».

الجدير بالذكر أنّ الطبيب الفنان "محمد زاهر عيروض" من مواليد "حلب" عام 1963.