د."أمين أنطاكي" من الوجوه البارزة بمدينة "حلب" في المجال الطبي، حمل شهادة الطب في اختصاص الأمراض النسائية، وبذلك كان له دور كبير في التخفيف من آلام النسوة وحمايتهن من الموت في الكثير من الحالات، في وقت كانت فيه القابلات والدايات يمارسهن هذه المهنة.

حول د."أنطاكي" ودوره الطبي في "حلب" تحدث المؤرخ الحلبي "عامر رشيد مبيض" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 تموز 2014 قائلاً: «المرحوم الدكتور "أمين أنطاكي" أول طبيب في أمراض النساء والتوليد في مدينة "حلب"، وقد مثل بعلمه ومعاملته للمرضى نمطاً فريداً بإنسانيته وطيبه وأخلاقه العالية.

تميزه الإنساني في علاقاته التي نُقلت أخبارها إلينا، وطيبه في التعامل مع من حوله، جعلني أعمل ضمن اختصاصه الطبي وأكمل مسيرة هذا الرجل في خدمة أبناء المجتمع، وأجهد لأحقق ما وصلنا عن خلقه وعلمه ونشاطه

في النصف الأول من القرن العشرين لم يكن يوجد في "حلب" إلا د."أنطاكي" في اختصاصه هذا، لذا كان رائداً في هذا المجال، وكان أحد القامات الفارعة في المشهد الطبي بـ"حلب"، ومن أهم الصفات التي تحلى بها حبه لأعمال الخير والوقوف إلى جانب الناس، ومساعدة كل محتاج سواء بماله أو بعلمه».

الأستاذ عامر رشيد مبيض - مؤرخ وباحث في التراث الحلبي

وأضاف: «ولد د."أنطاكي" في العام 1880 بمدينة "عينتاب" السورية قبل ضمها إلى تركيا، والده "جبرا أنطاكي" ووالدته "أوصانة كندرجي" عمة الأديب "جرجي كندرجي" والدكتور "ليون كندرجي"، درس المرحلة الابتدائية في مدارس "عينتاب" قبل أن ينتقل إلى "حلب" ويكمل دراسته الثانوية في "مدرسة الشيباني" للآباء الفرنسيسكان الواقعة في حي "الجلوم". 

درس الطب في جامعة "القديس يوسف" في "بيروت" وتخرج فيها عام 1905، ثم قام بممارسة الطب العام في "حلب" بعد عودته من "بيروت"، وبعد تعديل شهادته في "إسطنبول" عمل طبيباً عامّـاً لسنين، حتى إنه أجرى بعض العمليات الجراحية الصغرى، ثم وجّه اهتمامه إلى الطب النسائي والتوليد بعد أن سافر عدة مرات إلى "باريس" للتخصص والاطلاع؛ وكان ذلك حوالي العام 1925، كانت عيادته إثر عودته إلى "حلب" في شارع "التلل" قرب "صيدلية مظلوم"، ثم انتقل إلى "قسطل الحجارين" في العام 1930، ومن بعدها إلى شارع "بستان كل آب".

الدكتور صلاح الدين يوسف - طبيب نسائية

عمل د."أنطاكي" طبيباً نسائياً ومولداً لسنين عديدة، فاكتسب شهرة كبيرة نظراً لعلمه الوافر آنذاك ولطيبه غير المحدود، فكان يقصده الناس من كل أنحاء "سورية" للمعالجة، كان يمضي أكثر الليالي متنقلاً من منزل إلى آخر على ظهر فرسه حيث يقوم بالتوليد بمساعدة أم الولادة أو الحماية في ظروف صعبة، ثم اقتنى مركبة "حنتور" مع سائق حتى تقاعده في العام 1953».

وقال الأستاذ "عامر" متابعاً: «كان د."أنطاكي" عضواً مؤسساً في "نقابة أطباء حلب" التي انعقد أول اجتماع لها في دار الدكتور "كبرئيل شفاليه" في 24 شباط 1927 وبحضور 27 طبيباً، وأصبح أمين السر العام للنقابة بين عامي 1928-1931، ونائباً للرئيس بين عامي 1937- 1943، كما كان عضواً في لجنة مكافحة السماسرة وعضواً في لجنة القضايا في النقابة لدراسة موضوع ضريبة الدخل في العام 1944، وفي عام 1946 عين أميناً للسر في اللجنة القضائية فيها.

كما حضر المرحوم العديد من المؤتمرات الطبية العربية والأوروبية، ومن هذه المؤتمرات "المؤتمر الثالث للطب والصيدلة العسكرية" في مدينة "فال دوغراس" الفرنسية في العام 1925، و"العيد المئوي لكلية الطب"، و"المؤتمر الدولي لأمراض البلاد الحارة وعلم الصحة" الذي انعقد في مدينة "القاهرة" في العام 1928، و"المؤتمر الطبي الخامس عشر"، و"الطبي العربي السادس" في "بيروت" في العام 1943».

وختم: «توفي بـ"حلب" في العام 1956 مخلفاً أسرة طبية عاملة في خدمة الناس والتخفيف من آلامهم، ومنهم: نجله د."رولان أنطاكي" الذي أكمل مسيرة والده في اختصاص الأمراض النسائية وفي عيادته، ومن أحفاده د."أمين" اختصاصي نسائية، ود. "سمير" اختصاص عينية، ود."نبيل" اختصاصي هضمية».

الدكتور "صلاح الدين يوسف" اختصاصي نسائية بـ"عفرين"، قال حول المرحوم وأهميته: «د."أمين" من الأسماء الكبيرة في عالم الطب السوري ومن الأسماء الريادية في مجال اختصاص الأمراض النسائية التي عمل فيها خلال مسيرته الطويلة.

وتكمن أهمية هذه الشخصية بظهورها في وقت كانت الشهادات العلمية الطبية قليلة جداً بمدينة "حلب"، وخاصة في مجال الأمراض النسائية، فقبله وكما هو معروف كانت النسوة يعانين كثيراً على أيدي القابلات والدايات اللواتي كن يتعاملن مع المريضات بطرائق بدائية وتقليدية كانت تؤدي في كثير من الحالات إلى الوفاة، ومن هنا يمكننا القول إن د."أنطاكي" أحدث ثورة طبية في اختصاصه في "حلب" منقذاً بذلك حياة المئات من النسوة من براثن الموت والجهل والتقاليد والأعراف السلبية البالية».

وختاماً، قال: «تميزه الإنساني في علاقاته التي نُقلت أخبارها إلينا، وطيبه في التعامل مع من حوله، جعلني أعمل ضمن اختصاصه الطبي وأكمل مسيرة هذا الرجل في خدمة أبناء المجتمع، وأجهد لأحقق ما وصلنا عن خلقه وعلمه ونشاطه».