تنتصب في ساحات ومداخل مدينة "حلب" ومناطقها العشرات من النصب الفنية – التذكارية التي أبدعها أبناؤها الفنانون لتكون هويتها الثقافية والحضارية ورمز تطورها الفني.

حول أهمية هذه النصب تحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 6 أيلول 2014، النحات "يوسف إبراهيم" –"عفرين"، بالقول: «قام عدد من فناني منطقة "عفرين" بإبداع عدد من النصب الفنية في المدينة مثل: نصبا "كاوا الحداد"، و"الكرة الأرضية" اللذان أنجزهما النحات "محمد خير جعفر"، ونصب "نوروز" الذي أنجزه النحاتون: "عصمت رشيد"، و"شكري ناصر"، و"يحيى بريم"، وغيرها كمساهمة منهم في إظهار الهوية الحضارية والتاريخية للمنطقة.

إن هذه الأعمال النصبية والبانورامية تشكل ضرورة كبيرة من أجل دفع الحركة التشكيلية بما توفره من قاعدة جماهيرية تربط الفن بالمجتمع، وتجعله وثيق الصلة به وبتاريخه وأحلامه وتكون جسراً لتذوق الفن التشكيلي بصيغه المختلفة، ومن هنا تأتي أهمية تصدي الدولة لمثل هذه الأعمال والاستمرار في إنجازها لإنعاش الحركة التشكيلية وزرع القيم الجمالية والمفاهيم القومية في نفوس الأجيال القادمة، التي تشتتها الثقافات الوافدة بما تحمله من قيم سلبية كفيلة بسلخها عن تاريخها وتمزيق عراها الاجتماعية والقومية

تكمن أهمية هذه النصب في جوانب مختلفة، أهمها: الجانب الفني والحضاري والثقافي، فمن جهة تشير هذه النصب الفنية إلى مستوى التطور الفني في المدينة، واهتمام السكان بالفن النحتي كما تظهر لزوار المدينة الهوية التاريخية للمدينة لكونها تمثل نقاطاً بارزة في تاريخ السكان المحليين؛ فمثلاً نصب "نوروز" يمثل أقدم وأهم مناسبة في التاريخ الكردي "عيد النوروز" الذي يحتفل به أهل المنطقة في 21 آذار من كل عام، وذلك منذ أكثر من ألفي عام.

تمثال قسطاكي الحمصي - العزيزية

أما من الناحية السياحية فإن هذه النصب تمنح المدينة منظراً سياحياً جميلاً وتصبح عاملاً من عوامل الجذب السياحي، خاصة إذا أقيمت في مداخل المدن وساحاتها الرئيسية وبشكل حضاري وأنيق، مع ضرورة اهتمام الجهات المعنية بنظافتها وصيانتها وإحاطتها بمساحات خضراء».

وحول أهم النصب الفنية في "حلب" المدينة، يتحدث الباحث الفني والتشكيلي "طاهر البني" بالقول: «تسعى الشعوب والأمم إلى تخليد أمجادها من خلال النصب التذكارية والأعمال النحتية التي تنشرها في الحدائق والساحات العامة، وهي إحدى الوسائل التي تضع الفن في متناول الجماهير وتجعله يتلمس أبعاده الفنية والمعنوية بشكل تلقائي يتجاوز المتاحف وصالات العرض التي يؤمها المهتمون.

نصب الشهداء - ساحة سعد الله الجابري

لقد سعت الدولة والبلديات إلى إقامة مثل هذه الأعمال النصبية منذ نهاية الخمسينيات من القرن المنصرم، حينما كلفت الفنان "فتحي محمد" بعمل النصب التذكاري للعقيد الراحل "عدنان المالكي" في إحدى ساحات "دمشق" المعروفة باسمه، وعلى الرغم من أن هذا النصب كان الأول على مستوى "سورية"، إلا أنه يبقى من النصب المهمة بما يحمله من قيم تشكيلية وفنية خلاقة تنم عن موهبة مبدعة وخبرة دأب عليها الفنان "فتحي محمد" منذ منتصف الأربعينيات في "مدرسة الفنون العليا" بالقاهرة، و"أكاديمية الفنون الجميلة" بروما التي تخرج فيها عام 1957».

ويضيف: «في "حلب" وبتكليف من الدولة التي طمحت إلى إقامة المزيد من هذه النصب أقام الفنان "جاك وردة" تمثال "أبو فراس الحمداني" في الحديقة العامة بحلب، كما أقام الفنان "وحيد استانبولي" عدداً من النصب والتماثيل في مدينة "حلب"، من أبرزها: نصب "الخصب" في مدخل المدينة، وتمثال "المتنبي" في مدخل "حديقة السبيل"، وتمثال الرئيس "حافظ الأسد" في "ساحة الرئيس"، وتمثال "قسطاكي الحمصي" في "العزيزية".

نصب نوروز - عفرين

أما الفنان "عبد الرحمن مؤقت" فقد أنجز مجموعة من النصب، مثل: نصب "الشهداء" في ساحة "سعد الله الجابري"، وتمثال "الباسل" في "حلب الجديدة"، إضافة إلى عشرات المنحوتات الموزعة في ساحات "حلب" وحدائقها وبعض الصروح المعمارية كقصر الضيافة وفندق "شهباء الشام"».

وحول أهمية هذه الأعمال النحتية يقول "البني": «لقد أنفقت الدولة بسخاء على هذه النصب، وذلك بهدف تجسيد الرموز القومية والثقافية ووضعها في متناول الجماهير، وقد شكلت هذه الأعمال فرصة للنحاتين في تأكيد مهاراتهم وقدراتهم النحتية التي قد لا تفصح عنها المنحوتات الصغيرة التي تعرض في المعارض الخاصة أو العامة، كما أتاحت لهم فرص الاستمرار في تجاربهم النحتية الخاصة بما وفرته لهم من عائدات مالية جيدة جعلتهم في وضع مادي واجتماعي مناسب، وهي فرصة لم يحظ بها زملاؤهم المصورون؛ الذين لم يكلفوا بأعمال تصويرية جماهيرية توضع في الساحات أو المرافق العامة».

ويتابع: «إن هذه الأعمال النصبية والبانورامية تشكل ضرورة كبيرة من أجل دفع الحركة التشكيلية بما توفره من قاعدة جماهيرية تربط الفن بالمجتمع، وتجعله وثيق الصلة به وبتاريخه وأحلامه وتكون جسراً لتذوق الفن التشكيلي بصيغه المختلفة، ومن هنا تأتي أهمية تصدي الدولة لمثل هذه الأعمال والاستمرار في إنجازها لإنعاش الحركة التشكيلية وزرع القيم الجمالية والمفاهيم القومية في نفوس الأجيال القادمة، التي تشتتها الثقافات الوافدة بما تحمله من قيم سلبية كفيلة بسلخها عن تاريخها وتمزيق عراها الاجتماعية والقومية».