الحلول التقليدية التي ابتدعها أهل الريف الحلبي خلال حياتهم هي اليوم خير وسيلة لهم تساعدهم في تجاوز الصعاب التي خلفتها الأزمة الحالية، ومن هذه الحلول الاعتماد على عقل الأشجار في عمليات الطبخ والتدفئة.

في "ريف حلب الشمالي" التقت مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 19 آب 2015، المزارع "عبد الرحمن حسين"؛ الذي قال: «عقل الأشجار هي الفروع الحديثة والجديدة التي تنمو على سوق مختلف أنواع الأشجار بداية فصل الربيع من كل عام؛ وخاصة أشجار الزيتون التي تتميز بكثرة العقل وسرعة نموها، لذلك يلجأ الفلاحون إلى إزالتها مرة أو مرتين خلال فصلي الربيع والصيف؛ وهذا العمل ضروري للأشجار لأن الإبقاء على هذه العقل وعدم إزالتها يؤثر في نمو الشجرة وبالتالي بحمولتها من الثمار.

باعتماد هذه الطريقة التقليدية نساهم في توفير آلاف الليرات سنوياً على أسرنا؛ فشراء أسطوانات الغاز والمحروقات على مدار عام كامل يتطلب دخلاً كبيرة، وبهذا الأسلوب نقوم بتحويل تلك النقود لتأمين متطلبات حياتية أخرى، كما نساهم في استمرار الحياة بوجه طبيعي بدلاً من التفكير بالهجرة والرحيل

يستخدم أهل الريف هذه العقل ومنذ أقدم الأزمنة في عدد من مجالات حياتهم اليومية، وعلى الرغم من انحسار أهميتها وحضورها في حياة السكان خلال السنوات العشرين الأخيرة إلا أنها عادت اليوم لتقوم بوظيفتها السابقة كأحد الحلول التقليدية البديلة التي لجأ إليها المزارعون لتساعدهم في تخطي الأزمة الحالية ونتائجها.

عبد الرحمن حسين

أول هذه الاستخدامات هي اعتمادها كعلف للماشية وذلك بسبب النقص الحاد في العلف الذي تقدمه الجهات العامة للرعاة وأصحاب المواشي.

يتم تحضير العلف الحيواني من هذه العقل خلال فصل الربيع حين يقوم المزارعون بإزالتها كما قلت، حيث يقومون بجمعها ونقلها إلى إحدى ساحات القرية وتصفيفها على شكل أكوام، ويفضل أن يتم هذا العمل في الجو الندي الذي يساعد في التصاق العقل بعضها ببعض فلا تجرفها الرياح.

تجفيف العقل

تبقى الأكوام في الساحة معرضة لأشعة الشمس خلال فصل الصيف فتجف تماماً وتزال الأوراق عن العيدان بسهولة ويسر؛ وذلك بمجرد دقها بأعواد ثخينة من السنديان.

بعد الانتهاء من عملية فصل الأوراق عن العيدان تقوم النسوة بوضع الأوراق اليابسة في أكياس قماشية خاصة وتخزينها في إصطبلات قابلة للتهوية الجيدة حتى لا تتعفن فتنفر الماشية منها خلال فصل الشتاء، وبهذه الطريقة التقليدية يكون أصحاب المواشي قد أمنوا علفاً لحيواناتهم لشتاء كامل، والكثيرون من أصحاب المواشي يستخدمون العقل الطرية كعلف حيواني وذلك بعد إزالتها من الأشجار مباشرة خلال فصل الربيع؛ لأنها تساهم في زيادة نسبة الحليب بوجه كبير».

وقالت "بريفان حسن" وهي ربة منزل من "عفرين": «عقل الأشجار وخاصة الزيتون لها استعمالات عديدة وخاصة في مجالات الطبخ والتدفئة وتحضير خبز الصاج خلال الفترة الحالية؛ حيث ارتفعت أسعار "قنينة الغاز" إلى أكثر من 5000 ليرة سورية، كما ارتفع سعر الخبز في الأفران الآلية نتيجة ارتفاع كبير في أسعار المحروقات، لذلك وجدنا في الحلول التقليدية بدائل مهمة تساهم في استمرار الحياة الريفية بوجهها الطبيعي.

تقوم النسوة في الريف بجمع هذه العقل ونقلها إلى البيوت لتجفيفها تحت أشعة الشمس نحو شهر ثم يقمن بإزالة الأوراق عن العيدان من خلال دقها بأعواد خاصة أو بواسطة الأرجل، ثم يضعن الأوراق في مكان جاف بجانب البيوت لاستخدامها في عمليات إعداد الخبز المنزلي؛ حيث توضع كميات منها تحت الصاج المعدني للحصول على نار هادئة ولمدة طويلة فلا تحترق بذلك أرغفة الخبز.

أما العيدان المتبقية بعد فصل الأوراق عنها فتستخدمها المرأة بعد تجميعها بجانب "الأوجاق"* في عمليات الطبخ اليومي، وهنا أود أن أذكر أن أكثر أنواع العقل المستخدمة في إعداد الطبخ المنزلي وخبز الصاج هي عقل أشجار الزيتون وشجيرات الكرمة وأشجار الجوز؛ ولكل منها ميزتها، فعقل الزيتون تحتوي على نسبة عالية من الزيت الذي يساعد في عملية الاحتراق، أما الجوز فلعقلها رائحة زكية أثناء الاحتراق، وأخيراً فإن رماد عقل الكرمة هو مادة منظفة ومطرية للغسيل والأواني المنزلية، وتسمى محلياً "صفية"، وهي ذات لون أبيض ناصع».

وختمت: «باعتماد هذه الطريقة التقليدية نساهم في توفير آلاف الليرات سنوياً على أسرنا؛ فشراء أسطوانات الغاز والمحروقات على مدار عام كامل يتطلب دخلاً كبيرة، وبهذا الأسلوب نقوم بتحويل تلك النقود لتأمين متطلبات حياتية أخرى، كما نساهم في استمرار الحياة بوجه طبيعي بدلاً من التفكير بالهجرة والرحيل».

  • الأوجاق: مكان الطبخ وإعداد خبز الصاج في فناءات الدور الريفية.