للقمر عبر أشكاله المتغيرة وأطواره المختلفة في المعتقدات الشعبية الريفية أسرار ودلالات متعلقة بحياة الأهالي اليومية؛ حيث يساعدهم في معرفة الكثير من الخفايا والتنبؤات كالأمراض والطقس وغيرها من الأمور.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 2 شباط 2015، في "عفرين" المعمر "عبدو محمد إيبو"، فتحدث حول التغير في أشكال القمر ودلالاته في المعتقدات الشعبية قائلاً: «إن مراقبة القمر على مدار الشهر تتيح لأهل الريف معرفة الكثير حول حياتهم اليومية لأنهم يعتقدون أن لشكل القمر وتغيره المستمر ارتباطاً وثيقاً بحياتهم الاجتماعية وبعض مناسباتهم المختلفة، ومنها معرفة حالة الطقس خلال 48 الساعة القادمة، وذلك من خلال مراقبة المزارعين القمر ليلاً فإن ظهرت حوله دائرة هلامية ضبابية؛ فذلك يدل على أن الجو سيكون ماطراً في اليوم التالي أو الذي يليه على الأكثر، وبذلك يستعد الناس لذلك وخاصة الرعاة فلا يخرجون للرعي إلى الجبال البعيدة ويحفظون كميات كافية من العلف في إصطبلات ماشيتهم، وفي هذا يقول أهل الريف الحلبي: "إذا كان القمر حواليه طارة بكرة ليلتها مطّارة"».

في "حلب" هناك حي يطلق عليه اسم "دوار القمر" ويقع بين "الكلاسة" و"باب قنسرين"، فيه تلة وتحتها هوة عميقة، وعند طلوع القمر تظهر فيه دائرة نوره على قمة التلة

ويتابع: «في المعتقدات الشعبية لدى بعضهم أن الكثير من العلل والأمراض التي تصيب الأطفال مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالانقلاب الشهري للقمر، ولحمايتهم من هذه الأمراض يلجأ السكان إلى ممارسة تقليد اجتماعي موغل في القدم يسمونه "الوقاية"؛ ومضمونه أخذ الأطفال إلى بيت شخص متخصص بالوقاية ورث هذه المهنة عن أجداده بطريقة "إعطاء اليد"، يقوم هذا الشخص -ويكون عادة كبيراً في السن- بغسل وجه الطفل بماء "الأولق"* عدة مرات، ومن ثم رسم إشارة + "زائد" العربية بهباب الفحم أو الشحوار الموجود أسفل طناجر الطبخ، ويمنع الأهل والأقارب من تقبيل الطفل حتى اليوم التالي، وعلى أم الطفل أن تعطي ممارس هذا التقليد "طاسة" من الملح أو قطعة صابون وما شابه، إن هذا التقليد كان كفيلاً بوقاية الطفل من أمراض الانقلاب الشهري للقمر أو طلوعه الجديد في الجهة الغربية مع بداية كل شهر».

الدائرة الهلامية حول القمر مؤشر هطول المطر

أما العم "نبي حمو" فيقول: «يعتقد الناس أن الشمس غارت من القمر لجماله ونوره الساطع فلوثت يدها بهباب الفحم ووضعتها على وجه القمر؛ ولذلك ترى اليوم بقعاً سوداء على القمر وهي من آثار تلك الحادثة.

ومن المناسبات الاجتماعية الشعبية الشائعة المرتبطة بالقمر وشكله هي تلك الحادثة التي تظهر بين الفترة والأخرى حينما يأتي الحوت على غفلة من الناس ليبتلع القمر ويأكله؛ وبالتالي يحرمهم من نوره الساطع؛ لذلك يخرج الناس إلى الشوارع وساحات القرى الرئيسية ليقرعوا الطبول ويدقوا على الأواني المعدنية ويطلقوا النار باتجاه السماء كي يخيفوا الحوت أو العفريت الذي ما أن يسمع تلك الضوضاء يفر هارباً ويترك القمر فيعود إليه شكله الطبيعي، ويرسل إليهم نوره الساطع شاكراً إياهم على وقفتهم هذه».

المعمر عبدو محمد إيبو

وختاماً يقول: «عندما يكتمل القمر ويصبح بدراً خلال الأيام 14 -15-16 من الشهر القمري يسميه الناس "الليالي البيض"، إن عوت الكلاب خلال تلك الأيام فذلك دليل على أن مكروهاً سوف يقع».

وحول هذه المعتقدات تحدث لنا الدكتور "محمد عبدو علي" الباحث التراثي بالقول: «لكل مجتمع معتقداته وتقاليده الشعبية التي كانت إلى فترة ليست ببعيدة تنظم الحياة الاجتماعية، ولكن مع التطور العلمي والثقافي للناس تراجع كثيراً تأثير ودور هذه المعتقدات، وأصبحت جزءاً من التراث اللا مادي لهذه المجتمعات.

الدكتور محمد عبدو علي

بالنسبة لإشارة + التي كان ممارسو الطب الشعبي يرسمونها على جباه الأطفال لوقايتهم من الأمراض المتعلقة بالانقلاب الشهري، فهي موغلة في القدم ويعود إلى فترة "الميتانيين" وهو باعتقادي صليب "ميتاني" ما زال متداولاً، وتم انتقاله جيلاً بعد جيل من خلال ذاكرتهم الشعبية.

أما بالنسبة لممارسة طقس وتقليد إحداث الضجة والضوضاء لإخافة العفريت الذي جاء ليبتلع القمر، فهو أيضاً معتقد موغل في القدم وكان الناس يمارسونه عندما كانوا عاجزين عن تفسير الظواهر العلمية، إن هذا التقليد مرتبط بحدوث ظاهرة خسوف القمر وتفسيره العلمي هو وقوع الأرض بين الشمس والقمر، ولكن كما قلت في غياب التفسيرات العلمية كان السكان يلجؤون إلى تفسيراتهم الخاصة بهم، ومع الزمن كانت تلك التفسيرات تصبح جزءاً من المعتقدات الشعبية، ومع مرور الزمن تتحول إلى أعراف».

وختم: «في "حلب" هناك حي يطلق عليه اسم "دوار القمر" ويقع بين "الكلاسة" و"باب قنسرين"، فيه تلة وتحتها هوة عميقة، وعند طلوع القمر تظهر فيه دائرة نوره على قمة التلة».

  • "الأولق": الحفرة الحجرية التي يشرب منها الدجاج.