ما زال سكان المناطق الريفية بمحافظة "حلب" يعتمدون على مادة الخشب في صناعة مختلف أدواتهم المنزلية والشخصية، التي يستعملونها في حياتهم اليومية.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 2 كانون الثاني 2014، العم "عبد الرحمن حمو"؛ وهو أحد المهرة في صناعة الأدوات الخشبية الشخصية، فقال: «قبل ظهور الأدوات المنزلية المعدنية كالملاعق والصحون ومسلات الخياطة وغيرها ووصولها إلى مناطقنا من قبل الباعة المتجولين الذين يجوبون في الأرياف، كان السكان يعتمدون اعتماداً رئيسياً على الخشب لصنع هذه الأدوات لاستعمالها في تدبير شؤون حياتهم اليومية، اليوم ورغم توافر المستلزمات المعدنية والبلاستيكية بكثرة إلا أن الكثيرين من أهل الريف ما زالوا متمسكين بتقليد صناعة الأدوات الخشبية لأهميتها الصحية كما يعتقدون، فهي خالية من المواد الكيماوية الضارة بالصحة.

تحفل الذاكرة الشعبية في المنطقة بأسماء نجارين مشهورين خلال القرن العشرين، مثل: "حس خلو، وحس نجار، وآديك" وغيرهم من الذين عملوا في هذه المهنة وراثياً، حيث كانوا يصنعون الأدوات المنزلية المختلفة إلى جانب الآلات الموسيقية مثل: "السبابة"، و"الزمر"، و"الطنبور"، وغيرها

وبعض هذه الأدوات تصنع من قبل عامة الناس وهي عبارة عن أدوات شخصية بسيطة لا تحتاج صناعتها إلى خبرة كبيرة، مثل: "مسلة الخياطة، وغليون التدخين، ومسكات الأدوات الزراعية وأدوات الحصاد"، إضافة للمسلات التي تستخدم في خياطة الجلود الحيوانية، وأكياس حفظ المؤونة ونقل الزيتون والقمح، وهي تحتاج إلى خشب متين وقاس؛ لذلك يلجأ الناس منذ أقدم الأزمنة إلى شجرة "البطم" ليصنعوا منها مسلاتهم التي تدوم سنوات طويلة دون أن تتلف أو تنكسر».

الرفوف الخشبية مهارة وفن

ويتابع: «ومن الأدوات الشخصية التي يتم صنعها من الخشب "غليون التدخين"؛ فهو يحتاج خشباً طرياً لأن حفره دقيق وإلى اللون البني أو الأصفر للزينة؛ لذا تعلم محبو التدخين صناعة أدواتهم من خشب شجرة "العناب" البري الذي يتصف بلونه البني الغامق أو شجرة "الزعرور" الطري والأصفر، وفي الحالتين يقوم الناس بقلي "الغليون" بالزيت لإكسابه المزيد من البريق واللمعان والمتانة.

وهناك أدوات تحتاج إلى مهارة وخبرة وإتقان لصناعتها، ولا يستطيع أي شخص صناعتها، بل تتخصص بها شريحة محددة، فهم يتخذون من العمل حرفة اكتسبوها مع أدواتها بالوراثة من آبائهم وأجدادهم، وهم في الأغلب نجارون ويعملون بحرفتهم لأهداف تجارية إذ يبيعون منتجاتهم المتنوعة للناس وخاصة أيام البازارات الأسبوعية».

السيد ممو مجيد

وحول أهم ما ينتجه النجارون من أدوات خشبية تقليدية يقول المعمر "نبي حمو": «هذه الأدوات هي: "الملاعق الخشبية" بأنواعها، و"المحاريث الخشبية"، و"الصحون" بمختلف أحجامها وأشكالها، و"الرفوف المنزلية" التي كانت تضم أشكالاً حيوانية ونباتية جميلة، تدل على امتلاك صانعها لروح فنية عالية المستوى، وكذلك "صندوق العروس" ومرآتها، و"الجرجر" التي تستخدم لدرس الحصيد، و"دواليب العربات" و"المطارق" المستخدمة في كسر الزيتون وطحن الحنطة، وغيرها من المنتجات وكلها مصنوعة من الخشب الذي توفره الغابات في المنطقة.

ومن أقدم هذه المنتجات المنزلية "الملاعق"، ولها أنواع مختلفة وذلك بحسب حجمها ووظيفتها، مثل: "ملعقة الطعام العادية"، و"ملعقة اللبن"، و"الآسك" وهي ملعقة طويلة تستعمل في الطناجر والقدور الكبيرة، و"الكاف كر" وهي ملعقة دائرية مقعرة ومثقوبة وظيفتها إزالة الرغوة من على دبس العنب وما شابه، ومن الأدوات المنزلية القديمة أيضاً ما يسمى شعبياً "الفيشك"؛ ويستخدم لخض اللبن، ومن هذه الأدوات "الدوخ"، و"التخت" التي تستخدمها النساء في المنطقة لإعداد خبز الصاج صباح كل يوم كتقليد ريفي عريق».

وعن أسماء النجارين في المنطقة يضيف: «تحفل الذاكرة الشعبية في المنطقة بأسماء نجارين مشهورين خلال القرن العشرين، مثل: "حس خلو، وحس نجار، وآديك" وغيرهم من الذين عملوا في هذه المهنة وراثياً، حيث كانوا يصنعون الأدوات المنزلية المختلفة إلى جانب الآلات الموسيقية مثل: "السبابة"، و"الزمر"، و"الطنبور"، وغيرها».

وقال الفنان "ممو مجيد" وهو متخصص بصناعة الآلات الموسيقية يدوياً باستخدام الخشب: «للخشب أنواع كثيرة توفرها الأشجار في المنطقة، والمعروف لدينا أن لكل أداة من الأدوات التي تصنع يدوياً خشبها الخاص بها.

أنا أعمل في صناعة آلة "الطنبور" يدوياً منذ نحو 35 عاماً باستخدام خشب شجرتي "التوت" أو "الجوز"؛ فهما يلائمان هذه الصناعة.

وأنا أتخذ من هذه الصناعة مهنة وحرفة تجارية؛ حيث أقوم بعرض إنتاجي من آلة "الطنبور" وغيرها لزبائني في محلي بـ"عفرين"؛ وهي منتجات تتفوق على مثيلاتها من الآلات التي يتم تصنيعها في الورشات والمصانع؛ لأن الآلات التي تصنع يدوياً من الخشب المحلي تتميز بأنها مكونة من إحساس وروح صانعها الذي يكون فناناً في الأغلب، بينما تعتمد الآلات المنتجة في المصانع على عنصر التجميع الآلي».