طقس اجتماعي يعتقد أهل "حلب" من خلاله بقدرات "أصحاب الكرامات" الذين تنتشر تُربهم وزواياهم في معالجة الكثير من الأمراض.

وثمة من يرى في ذلك الطقس حلاً للمشكلات الاجتماعية التي يتعرض لها. لكنه عند البعض نموذج سلبي للعلاقة مع شخصيات مهمة في التاريخ.

أصحاب الكرامات هم أشخاص غير عاديين يملكون قدرات خارقة في حل مشكلات الناس المستعصية مثل الطلاق والخلافات الزوجية، ومساعدتهم في تخطيها بسهولة ويسر، وفي معالجة الناس وشفائهم من العديد من الأمراض مثل العقم وعدم الإنجاب والروماتيزم والعنوسة. في عموم محافظة "حلب" مدينة وريفاً تنتشر مزارات وتُرب هؤلاء الأشخاص لدرجة أن لكل حارة أو سوق أو قرية دفيناً يحميها كما يزوره السكان عند حاجتهم لمساعدته وخاصة من قبل النسوة والفتيات

للحديث حول دور "أصحاب الكرامات" وحضورهم في حياة أهل "حلب"، تحدثت لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 12 تموز 2014، العمة "فاطمة أحمد" بالقول: «أصحاب الكرامات هم أشخاص غير عاديين يملكون قدرات خارقة في حل مشكلات الناس المستعصية مثل الطلاق والخلافات الزوجية، ومساعدتهم في تخطيها بسهولة ويسر، وفي معالجة الناس وشفائهم من العديد من الأمراض مثل العقم وعدم الإنجاب والروماتيزم والعنوسة.

جامع البختي مقصد "العانسة"

في عموم محافظة "حلب" مدينة وريفاً تنتشر مزارات وتُرب هؤلاء الأشخاص لدرجة أن لكل حارة أو سوق أو قرية دفيناً يحميها كما يزوره السكان عند حاجتهم لمساعدته وخاصة من قبل النسوة والفتيات».

وحول أهم أصحاب الكرامات الذين يعتقد بهم سكان "حلب" قالت: «كما قلت لكل دفين وظيفة اجتماعية وعلاجية خاصة به تعارف عليه السكان منذ أقدم الأزمنة، فمثلاً هناك اعتقاد لأهل حارة "أقيول" بقدرة الدفين الذي في حارتهم على حماية الحارة وسكانها عند حدوث المصائب والشرور لذا يسميه الناس حامي الحي.

تربة الشيخ فارس مقصد الباحثة عن الحمل

كما يعتقد أهل حي "جاكير" بشيخ اسمه "جاكير" وله مزاره في الحي، ولذلك فالناس يقرؤون موالدهم ويوزعون الطعام على الفقراء والمحتاجين بجواره، كما يقيمون له النذور، والمزار مشهور بموضوع الحلفان لأن الحلف الكاذب بجواره يعني تعرض الشخص للأذى بنفسه أو بأولاده أو بماله، ولذلك فإذا تطلب أمر ما أن يحلف شخص فيأخذوه للمزار ليحلف هناك.

أما إذا عانت المرأة الحلبية من عدم الإنجاب ورغبت أن تحمل فعليها أن تذهب إلى تربة "الشيخ فارس"، حيث يوجد هناك حجرة بيضاء أسطوانية وما عليها إلا أن ترفعه فذلك كفيل بأن تتحقق أمنيتها بالحمل».

العمة فاطمة أحمد

السيدة "وحيدة عمر" من حي "الشيخ مقصود – شرقي" قالت: «في حارة "الدلالين" يوجد جب يسمى "جب البدوي" أقامه شيخ يسمى "الشيخ البدوي" يعتقد به الناس هناك لأنه يساعدهم في حل مشكلاتهم، ولكن التقليد الواجب ممارسته هو أن تقوم المرأة برمي الدلو بقوة حتى يرتطم بالماء أسفل الجب ليسمع الشيخ الصوت فيساعدها ويحقق لها طلباتها.

وفي "تراب الغرباء" دفين يسمى "الشيخ توم وبصل" يساعد النساء اللواتي لا يحملن في عملية الحمل، والتقليد الذي يجب على النسوة الزائرات للشيخ هو حمل كميات من البصل والثوم كهدية له.

"الشيخ منخل" وظيفته مساعدة الأطفال على المشي حيث تأخذه أمه وتمده على الأرض ووجهه نحو القبلة، ويجب على الأم هنا أن تهز سرير الطفل وتنادي "الشيخ منخل" قائلة: "يا "شيخ منخل" عليك بدخل مشيلي ابني بطعميك معلاق"».

وأضافت السيدة "وحيدة": «"شيخ نحلة" وظيفته الاجتماعية شفاء مرضى التهابات الأنف، أما "الشيخ ريح" فيشفي مرضى الروماتيزم وذلك بأن يقوم المريض بالعطس في الماء الموجود قرب مزاره خمس مرات في اليوم وذلك خلال شهر آب، أما "الشيخ زعتر" فهو دفين يعتقد به أهل "حلب" لقدرته الفائقة في شفائهم من الأمراض؛ وذلك من خلال وضع رغيف خبز بعد دهنه بالزيت والزعتر ووضعه فوق قبره.

ومن الشيوخ المعروفين بـ"حلب" من أصحاب الكرامات الشيخ "ويس القرني" الذي يملك القدرة على إيقاظ الشخص في الساعة التي يرغب في الليل؛ وذلك بمجرد قراءة الفاتحة على روحه قبل النوم وتحديد ساعة محددة كالسحور مثلاً، والطلب منه أن يوقظه.

هناك اعتقاد راسخ لدى الفتيات الراغبات في الزواج وتأخر نصيبهن بأن عليهن زيارة "جامع البختي" ووضع شيء من لباسهن فيه ليلة واحدة؛ فممارسة هذا التقليد سوف يساعدهن على الزواج وتجاوز مرحلة العنوسة؛ لذا سمي بجامع "البختي" فـ"البخت" يعني "الحظ"».

وأخيراً، سألنا الأستاذ "محمد جميل" إجازة في علم الاجتماع حول هذه الممارسات وحقيقتها، فأجاب قائلاً: «هذه الممارسات وغيرها الكثير من الطقوس الاجتماعية التي ما زال بعض السكان وخاصة كبار السن منهم يعتقدون بها هي جزء من الأعراف التي مارسها وتعارف عليها الناس منذ أقدم الأزمنة في وقت لم تكن فيها الثقافة منتشرة بينهم، بمعنى أن وعيهم الاجتماعي لم يكن مكتملاً بشكله الحضاري المعاصر. وهذه الممارسات أمر طبيعي في حياة الأمم والشعوب في مراحل تطورها نحو التحضر، ولكنها من الناحية العلمية غير مجدية وغير فاعلة، وعلينا العمل معاً على إبعاد الناس عنها بتثقيفهم بأضرارها وعدم فاعليتها أمام التطورات الطبية والصحية المعاصرة، وهذه التقاليد والطقوس تشكل إرثاً غنياً من تراثنا اللا مادي، وعلى الباحثين والمهتمين بها العمل على جمعه وتوثيقه».