يضيف شهر رمضان المبارك إلى المقاهي الشعبية الحلبية وظيفة اجتماعية تراثية شيقة وهي العمل على تسلية الصائمين في ثلاثين ليلة من خلال "الحكواتي" وغيره من العروض المسرحية التراثية.

مدونة وطن "eSyria" التقت المعمر "أحمد عمر" 79 عاماً من حي "بني زيد"، وذلك بتاريخ 30 حزيران 2014، فقال متذكراً أجواء المقاهي الحلبية خلال شهر رمضان المبارك: «كانت المقاهي الشعبية بمدينة "حلب" تشهد قبل حوالي 50 عاماً سهرات اجتماعية شيقة يحضرها العامة تبدأ من بعد صلاة التراويح وحتى السحور، وكانت تلك السهرات تتضمن أساليب متنوعة لتسلية الحضور بعد يوم طويل من الصوم والعمل الشاق وسط تبادل الأحاديث اليومية الطريفة قبل إعلان صاحب المقهى عن بدء عروضه المسلية كل ليلة، التي يحييها كل من الحكواتي والخيالاتي وعروض "كراكوز وعيواظ" وغيرها».

من أغاني "كراكوز" في عرضه: "نحن أولاد حنجة ومنجة وضرّابين الطبنجة*". أما "عيواظ" وعندما يسلم على "كراكوز" فيقول الشعر التالي: "لو تعلم الأرض من قد زارها فرحت واستبشرت ثم باست موضع القدم، وأنشدت بلسان الحال قائلةً: أهلاً وسهلاً بأهل الجود والكرم"

وأضاف: «بالنسبة للحكواتي كان يجلس في مكان مرتفع من المقهى الشعبي ويتلو على الحضور فصولاً من السير الشعبية المعروفة في التراث العربي إما قراءة أو ارتجالاً. ومن السير التراثية المعروفة لدى الحكواتية بحلب سيرة "عنتر بن شداد"، و"بني هلال"، و"الزيناتي خليفة"، و"الزير سالم"، و"الظاهر بيبرس"، و"حمزة البهلوان"، وقصص "ألف ليلة وليلة"، لقد كان "الحكواتي" يدخل القصة بمقدمة معروفة تسمى شعبياً "الدهليز" حينما يقول: "كان يا كان في سالف العصر والأوان"، مركّزاً في تلك السير على الشجاعة والكرم والمروءة والوفاء والحب الصادق، مثيراً بذلك مشاعر الحاضرين وملهباً حماسهم ومؤثراً في نفسياتهم وخاصة الشباب منهم عبر التلاعب بنبرات صوته وحركات يديه ووجهه».

الحكواتي

ثم تابع: «ومن وسائل التسلية الأخرى "خيال الظل" ويقوم بها "الخيالاتي" عبر إظهار صور إنسانية مصنوعة من الكرتون والجلد وغيرها، حيث يحركها "الخيالاتي" بواسطة عصا من خلف ستار قماشي يضم مصباحاً فيرمي ضوء المصباح خيالات شخوصه على الستارة، ويرافق "الخيالاتي" تلك العروض بصوته فيسرد الحوارات الشيقة بنبرات صوته التي يغيّرها بحسب الأشخاص وأوضاعهم وحالاتهم.

وأهم عروض "خيال الظل" في المقاهي الحلبية "كراكوز وعيواظ"، العرض مؤلف من عدد من الشخصيات هم: "كراكوز" شخصية ذكية ومثقفة وناقد ساخر، و"عيواظ" فهو ابن العامة الطيبين والبسطاء، "قشقو" الشرطي العثماني، و"قريطم" الغبي. وكان الهدف من تقديم "كراكوز" و"عيواظ" هو تسلية الحضور ونقد الواقع المعاش بأسلوب ساخر ينال إعجاب الحضور».

لوحة تمثل سيرة عنتر

وقبل أن أختم أود أن أذكر وسيلة تسلية خاصة بالأطفال كانت تسمى "صندوق العجائب" يقوم صاحب الصندوق بالتجول بين الحارات الحلبية منادياً: "تعال تفرج يا حباب"، كان الصندوق يضم مجموعة من الصور المتسلسلة لحكاية شعبية يحركها صاحبه وهو يسرد القصة الشعبية، بينما كان المتفرجون يراقبون تلك الصور عبر نوافذ بلورية مكبرة.

وقال "سليمان حسن" من حي "الشيخ مقصود": «من وسائل التسلية الخاصة بشهر رمضان المبارك هي مباريات المصارعة التي كانت تقام كل ليلة في مقاهي "حلب" بين المصارعين المشهورين حينها من "حلب" وريفها وسط تصفيق الحاضرين وتشجيعهم، كانت تلك المباريات التقليدية والتراثية تستمر حتى ساعات متأخرة من الليل، وذلك ضمن أجواء اجتماعية طريفة».

عرض كراكوز وعيواظ

وأضاف: «في الريف ولعدم توافر المقاهي فقد كان أهل الريف يمضون سهراتهم في أحد بيوت القرية كل ليلة، فإذا كان الفصل صيفاً عقدوا سهراتهم على سطوح دورهم السكنية، أما في الشتاء فكانوا يقيمونها حول مواقد النيران، ووسائل تسليتهم كانت الاستماع للحكايات والقصص الشعبية التي كان يرويها أحد القرويين المتخصصين بذلك، أو الاستمتاع بسهرات فنية موسيقية تراثية؛ حيث كان المطربون الجوالون يقدمون فنونهم الغنائية – الملحمية خلال جولاتهم الريفية».

وورد في "موسوعة حلب المقارنة" للعلامة "خير الدين الأسدي" بعض الأغاني والأشعار التي كانت تُؤدى ضمن عروض خيال الظل المعروف باسم "كراكوز وعيواظ"، ومنها: «من أغاني "كراكوز" في عرضه: "نحن أولاد حنجة ومنجة وضرّابين الطبنجة*".

أما "عيواظ" وعندما يسلم على "كراكوز" فيقول الشعر التالي: "لو تعلم الأرض من قد زارها فرحت واستبشرت ثم باست موضع القدم، وأنشدت بلسان الحال قائلةً: أهلاً وسهلاً بأهل الجود والكرم"».

* الطبنجة: المسدس.