رغم عمره القصير نسبياً، إلا أنه ترك بصمة في عالم الآلة التي أحبها فأعطاها كل حياته، واستطاع بفضل عبقريته ترك منهاج تدريسي لأصعب آلة موسيقية شرقية.

تكاد تكون آلة القانون مع العود أهم الآلات الموسيقية الشرقية التي تواجدت في التختين الشرقي والغربي للفرق الموسيقية، وقد استطاع عازفوها المبدعون ترك بصمتهم الخاصة لدى المتلقي المهتم بالموسيقا، والعازف السوري الراحل "حسان عبد الحميد تناري" كان من المجددين على هذه الآلة، وله الفضل في زيادة حضورها في الذائقة السورية والعربية وحتى العالمية.

ولد الراحل كما يقول في حديث مع مدونة وطن “eSyria” بتاريخ 15 أيلول 2014، الملحن "زياد مليّس" من "حلب"، في مدينة "معرة النعمان" عام 1960، عاش في مدينة "حلب"، ودرس في "المعهد العربي للموسيقا" فيها من العام 1968 حتى عام 1973، ونال شهادة التخرج منه بدرجة ممتاز، ليعود ويدرّس فيه بعد عقود.

مع الراحل الكبير "نصري شمس الدين"

"تتلمذ على يد عدد من الأساتذة أبرزهم الراحل "شكري أنطاكلي"، والدكتور "سعد الله آغا القلعة"، ودرس آلة القانون دراسة تفصيلية مطولة، صقل بها موهبته وعبقريته، ولم يكد يصل إلى السادسة عشرة حتى نال شرف عضوية نقابة الفنانين بجدارة عام 1976، رغم صغر سنه، وبعدها أخذ صفة رئيس فرقة نقابة الفنانين، ومُنِحَ كثيراً من كُتب الشكر لجهوده المبذولة من النقابة".

"عُين في العام 1979 رئيساً لفرقة نادي ضباط موقع "دمشق" خلال تأديته لخدمة العلم، وعمل منذ العام 1979 مع الفنان الكبير "صباح فخري" في فرقته ولمدة تجاوزت الخمسة عشر عاماً عرف خلالها بتأديته لكل مقطوعات القانون في الفرقة، وأمام جمهور العالم العربي والعالمي، كما شكّل فرقة موسيقية حملت اسم "فرقة الوتر الذهبي"، وقد عَمِلت الفرقة مع ألمع وأشهر المطربين السوريين والعرب، ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر: "نصري شمس الدين"، "وديع الصافي"، "ميادة الحناوي"، "محمد خيري"، و"صباح"، وغيرهم.

مع الفنان الكبير صباح فخري

جال مع فرقته وفرقة الأستاذ "صباح فخري" مختلف دول العالم، وقدم أثناءها معزوفاته على القانون بروح سورية، ورغم أن آلية القانون عرباتها رباعية والخامسة كما تسمى "كردية"، إلا أن العازف "تناري" كما تقول الباحثة الموسيقية "هدى خليفة محمد خليفة" في كتابها "دراسة مقارنة أساليب العزف على آلة القانون في مصر وسورية في الفترة الممتدة ما بين عام 1965-1985"، كان يعزف عليه ببساطة آخذة، حيث كان العازف "تناري" يستخدم يده اليسرى للضغط على الأوتار؛ فالمقام الموسيقي لديه مشبع تماماً وليس مجرد انتقالات بين جملة وأخرى.

شارك الراحل في عدة مهرجانات موسيقية لآلة القانون ممثلاً "سورية"، ومِنها مهرجان "مركز الموسيقا العربية المتوسطية" عام 2000 في "تونس"، ومهرجان "المعهد العربي للموسيقا" عام 2001 في العاصمة الفرنسية "باريس"، ومهرجان "الكونسرفتوار الوطني العالي للموسيقا" عام 2003 في "بيروت"، كما دُعِيَ إلى مهرجانات الموسيقا في مصر وتركيا والجزائر، وخلال هذه الرحلة نال العديد من الجوائز والميداليات التكريمية، منها: "ميدالية القوات المسلحة المغربية"، وشهادة تقدير من الحكومة السورية.

مع الفنان الراحل الكبير "وديع الصافي"

من أبرز الأعمال التي قام بها الراحل، أنه وضع منهاجاً محدّثاً لتعليم آلة القانون (ميتود)، وقد انتشر هذا المنهاج في كل أنحاء الوطن العربي رغم أن الراحل لم ينشره بشكل رسمي، ويشير ابنه عازف القانون "أيهم تناري" إلى أن والده عزف العديد من المقطوعات الإفرادية، وتلك التي لحنها كبار موسيقيي العالم العربي، ومنها معزوفات "لأم كلثوم، ووردة، والرحابنة"، وغيرهم، وقد كان له أيضاً تلحين لمختلف المقطوعات الموسيقية الموجودة في إذاعة "حلب"، وآخر ما عزفه كان سماعياً من نغم "الباستانيكار".

توفي العازف "تناري" بتاريخ 3 كانون الأول 2004، عن عمر يناهز 44 عاماً بعد صراع طويل مع المرض تاركاً زوجة وأبناءً من بينهم عازف القانون المعروف "أيهم تناري"، وقد قامت وزارة الثقافة بتكريم الراحل بحفل موسيقي بالتعاون مع نقابة فناني "حلب"، قدمت فيه مقطوعات موسيقية للراحل بأصابع العديد من العازفين المعروفين في "سورية".