كان للطبيعة وعالمها الهادئ الأخاذ جُلَّ الأثر في جنوح الفنان التشكيلي "حبيب كجه جيان" إلى عوالمها الجمالية والنفسية التي شكلت منطلقا لأغلب لوحاته. باحثا في الطبيعة عن هدوء طبيعي يوحد الإنسان مع الصفاء ويمنحه القوة الإبداعية لنقل تجليات نفسها إلى العالم الخارجي عبر لوحات فنية تتراقص ألوانها وتتكاتف رسائلها الفنية لتوصل رسالة الفنان إلى المجتمع.

وللحديث اكثر عن التجربة الفنية للفنان التشكيلي "حبيب كجه جيان" التقيناه في موقع eAleppo في حوار بدأناه عن البدايات فقال:

** كانت البداية في أكاديمية "آرشيل غوكي" ومن ثم أكاديمية "ساريان" للفنون الجميلة التي تتبع للجمعية الخيرية العمومية الأرمنية، انتسبت للأكاديمية عام 1985. ويعود الفضل في انطلاقتي الفنية للآنسة " مانينا سيوفي"، حيث كان لها دور كبير في تشجيعي وأعطت كلّ اهتمامها لأصل إلى هذه المرحلة.

بدأنا في الأكاديمية دراسة التلوين، استخدام قلم الرصاص والتظليل والرسم والتلوين بالفحم ومن ثم الزيتيات، لكني شخصيا وجدت نفسي أكثر في المائي فكان تحولي لاستخدام الألوان المائية في العام 2000، ذلك لأني وجدت الألوان المائية أقرب للطبيعة التي تشكل المحور الأهم في لوحاتي.

  • بما انك تتحدث عن خصوصية العلاقة بينك وبن الطبيعة، نسألك إلى ماذا يعود ذلك، وهل في ذلك هروبا من واقع ما؟
  • ** في السنوات العشر الأخيرة لم اكن متفرغا للرسم، فكانت رسومي تنحصر بأوقات الاصطياف التي أقضيها وسط الطبيعة، فأستفيد من وجودي في وسط الطبيعة فاستوحي كل لوحاتي من النظر والعيش ضمن الطبيعة وليس الخيال، فعندما تتواجد بين الأغصان وبجانب الورود والينابيع، وتسمع تغريد الطيور وحفيف الأشجار وتراقص الفراشات لا بد ان تتولد تلك العلاقة الحميمية بينك وبين الطبيعة.

    أما إن كنت اهرب من شيء ما فهو الهروب من واقع المدينة الذي يرتبط بالضجيج ودخان السيارات والازدحام. فحينها يكون الملجأ الوحيد هو الطبيعة بهدوئها وصفائها ونقائها. حتى اني أتخيل نفسي مستقبلا وانا اعيش في منزل ضمن الطبيعة بعيدا عن هذه المعمعة التي تفرضها المدن..

  • هل أنت بحاجة إلى عزلة ما وأنت ترسم، وهل من أجواء ترافقك حينها، كالموسيقا مثلا؟
  • ** لكي يستطيع الفنان إعطاء ما بداخله بصدق وإبداع عليه أن يكون معزولا عن المحيط، فحينما أكون مع عائلتي لا أستطيع التركيز في الرسم، فالعزلة عن الناس تدخل الفنان في اندماج نفسي مع اللوحة التي يرسمها. كما أنّ وضعي النفسي له تأثير كبير في رسمي للوحة فهو الذي يعطي اللوحة نكهتها وشكلها العام الذي سيظهر للناس.

    وهذه الحالة النفسية أختار الموسيقا التي ترافقني أثناء رسم اللوحة، أميلُ للموسيقا العربية والقدود الحلبية، وتارة أخرى يتجه الميول نحو الأغاني والموسيقا الأجنبية، ولكل نوع منها تأثيره الخاص على اللوحة التي أرسم.

  • ماذا عن عواطف الفنان، ودورها في لوحاته؟
  • ** اللوحة هي ترجمة لعواطفي، وهي مرآة لطبيعتي. عندما تشاهد لوحات معقدة، متداخلة الألوان غنية الأدوات، هذا يعني أنني في حالة من الفوضى، حالة من الضغط والتشويش.

    وبالمقابل هناك لوحات هادئة الألوان تدل على الراحة النفسية والهدوء، وأيضا تدل على الرخاء الذي أعيشه. فإذا لاحظت الألوان المائية تدل على الشفافية التي اكتسبتها من عيشتي الهنية من خلال ما قدمت لي عائلي من كل ما أحتاج إليه، وهذا الأمر كان له دور كبير لتكون ألواني هادئة وشفافة.

    وبالنتيجة لابد للحالة النفسية وعواطف الفنان ان تنطبع وتظهر على لوحاته بشكل او بآخر، فبرأيي لا يمكن للإنسان عزل حالته النفسية عن ألوانه وعموم لوحته.

  • هناك الكثير من الفنانين الذين يرسمون الطبيعة وغيرها، وكثير منهم تتشابه أدواته الفنية، والسؤال أين تظهر خصوصية كل واحد منهم؟
  • ** ذاك يعتمد على إسلوبي بالرسم، وعلى الألوان التي أختار، صحيح أن هناك فنانين كثر يرسمون الطبيعة، لكن لكل منهم خصوصيته التي تعتمد على إسلوبه وعلى الزوايا التي ينظر منها للطبيعة، والعناصر الذي تتأثر بها حالته الإبداعية.

    أنا أحب كل شيء طبيعي، وأرى الريف جزءاً من هذه الطبيعة، وطبعا الريف القديم وليس الريف الحديث الذي بدأت الحداثة تسيطر على قسم كبير منه، فأنا عندما أذهب إلى "كسب" أبحث عن "كسب القديمة" وكل قرية أبحث عن قديمها وليس جديدها، فالقرى البكر هي التي تثير اهتمامي وتشكل لدي تكاملا مع الطبيعة من حيث الجمال والصفاء والهدوء..».

    بقي أن نذكر أن الفنان "حبيب كجه جيان" من مواليد حلب عام 1969. خريج كلية الاقتصاد بجامعة "حلب"، درس الفن التشكيلي بشكل خاص في أكاديمية "آرشيل غوركي" للفنون الجميلة وتخرج فيها في العام 1995 وكان أول دفعة من المتخرجين.

    ثم تابع دراسته الفنية في أكاديمية "ساريان" التابعة للجمعية الخيرية العمومية الأرمينية

    تتلمذ على يد أساتذة معروفين منهم "مانينا سيوفي"، و"أكوب جامكوجيان"، و"جبران هدايا"، و"فارتكس برصوميان" وأخيرا "هرزتان توكماجيان". له العديد من المعارض الفردية والمشتركة في العديد من المدن داخل "سورية" وخارجها. كـ بيروت، ودمشق؛ وحلب، واللاذقية، والقامشلي.