صَديق البائعين والحِرفيين وعمال النظافة، يَعرفه أصحاب البسطات في الأسواق وحرّاس الحدائق واللاهثون وراء لقمة العيش، وإذا ما صادفت مُصوِراً يتأمل نهر بردى أو زينة الأعياد أو الأهالي أمام مراكز الامتحانات، مُنتظراً لحظةً لن تتكرر، فهو بالتأكيد طارق الحسنيّة، مُصوِّرٌ صحفي لا تعنيه الصور المُجمّلة والمُفلترة، التي تتباهى بالجمال على حساب الواقع، ولهذا كان رصيده الغني والمُنوّع عن حياة الناس في دمشق، صادقاً حقيقيّاً، ومصدراً مَوثوقاً للأحداث والوقائع.

لقطاتٌ وجوائز

درس الحسنيّة في معهد الفنون التطبيقية (قسم التصوير الضوئي 1994)، وشارك في العديد من المعارض إلى جانب عمله في عددٍ من الصحف والمجلات السورية من بينها (الخبر، المال، الأيام)، كما عمل أيضاً مُصوِّراً لوكالة سبوتنيك الروسية، ونشرت له صحفٌ عربية أبرزها السفير، كذلك كان أميناً عاماً عن سورية في اتحاد المصورين العرب 2010، إضافة إلى عمله في جريدة تشرين رئيساً لقسم التصوير فيها إلى اليوم.

خلال مشواره المُتواصل نال عدة جوائز منها -جائزة أفضل لقطة صحفية 2005 الممنوحة من فرع اتحاد الصحفيين السوريين فرع دمشق.

الدكتور خلف الجراد والصحفي محمد البيرق والكاتب حسن م يوسف

-جائزة الصحافة السورية 2009 المرتبة الثالثة.

  • جائز الصحافة السورية 2010 المرتبة الثانية بعد حجب الأولى من لجنة التحكيم.
  • المصور طارق الحسنية

    -جائزة الصحافة السورية 2016 المرتبة الثالثة.

  • جائزة الصحافة السورية 2020 المرتبة الأولى، عن الصورة الشهيرة لعامل النظافة يكنس الشوارع في يومٍ ماطر.
  • بعض اللقطات الفائزة

    وفي جعبته أيضاً، جائزة الصحافة السورية لعام 2005 المرتبة الأولى، يتحدث عنها لـ "مدوّنة وطن": "كنتُ في زيارة إلى حديقة مدينة دوما حين رأيت سيدة سبعينية تركب الأرجوحة في مدينة الملاهي هناك، استأذنتُ ابنها وسمح لي بالتصوير، وأذكر يومها أن مدير التحرير الزميل الراحل هشام بشير، اختار للصورة عنواناً (طفولة مُتأخرة)، وإلى اليوم لا زال لهذه اللقطة أثرها عندي وعند الآخرين".

    كذلك فاز الحسنيّة بجائزة الصحافة السورية عام 2016 المرتبة الأولى، وفيها التقاطة لامرأةٍ مُنهكة استلقت على الرصيف، وعلى حد تعبيره "فيها شيءٌ منا، من بلادنا المُتعبة لذلك أسميتها استراحة مُحارب".

    قضايا الشارع

    يُؤمن الحسنيّة بأنّ المصوّر الصحفي يتميّز عن غيره من العاملين في ميدان التصوير الواسع، باهتمامه بقضايا الشارع ومشكلاته مهما بدت مكررة أو ثانوية، وهنا يجب أن يكون يقظاً وسريع البديهة ومُنتبهاً إلى ما يجري من حوله، يُضيف: "يجب أن يكون المُصوِّر قادراً على تقييم الحالة أو الحدث أمامه، لِيتخذ قرار التصوير أو عدمه خلال ثوانٍ لا أكثر، وهو ما اكتسبتُه خلال سنوات العمل، حتى أصبحت الكاميرا صديقةً لا تُفارقني، ومع تراكم الخبرات والتجارب والمواقف، صرت قادراً على اختيار الزوايا واصطياد اللحظات رغم السرعة المطلوبة في مجالنا".

    وعلى هذا فالاحتراف عند المُصوِّر برأيه، موهبةٌ لا تنضج من دون السعي، يقول "لا يُمكن للمُصوِّر أن يجلس في المكتب أو الاستديو وينتظر من يدعوه للتصوير، بل يجب أن ينطلق ويبحث ويُراقب ليعثر على الجميل والنادر، بالنسبة لي المشي في دمشق أتاح لي الكثير من المواضيع والأفكار واللقطات".

    همٌّ شخصيٌّ

    في سنوات الحرب، لم يتراجع نشاط الحسنيّة خوفاً مما يُمكن أن يطرأ فجأة، كما حصل مع كثيرٍ من المصوِّرين، بل أصبح الأمر همّاً شخصيّاً بالنسبة له كما يقول للمُدوّنة، وجزءاً بطبيعة الحال من عمله الصحفي في جريدة تشرين، مُضيفاً: "الصورة الصحفية قادرة على توجيه الرأي العام وتغيير أفكار الناس واتجاهاتهم ومواقفهم، لذلك شعرتُ بأن من واجبي تعريف الآخرين في سورية وخارجها بما يحدث، أردتُ أن أنقل لهم يوميات الناس كما هي فعلاً لا كما يتخيلها البعض أو يُؤلفون حولها الحكايات، فزرتُ مع زملائي الصحفيين عدداً من المناطق والمحافظات، وكنتُ دائماً حريصاً على توثيق ما أراه في ظل الحرب، صوّرتُ الألم والحزن إلى جانب الصبر والأمل، ورحتُ أتجول في دمشق، أبحث في أسواقها وخاناتها، وأُحاور سكانها وزوارها، وفي كل زاوية وحديث كنتُ أحظى بحكايةٍ جديدة عبر اللقطات والفيديوهات، ومن المفارقات الجميلة التي واجهتني ولا تزال، أن السوريين خارج سورية يتفاعلون مع صوري وفيديوهاتي، ويُشيرون من خلال التعليقات وإعادة النشر إلى أنها تُعيدهم إلى بيوتهم وذكرياتهم".

    دليل إدانة

    يُشير الحسنيّة إلى إن الصورة باتت اليوم دليل إدانةٍ واضحاً لكثير من مفاهيم وقناعات لم يكن الشك ليطولها يوماً، وعلامةً قادرةً على إحداث فرقٍ كبير بمجرّد تصدرها الشاشات، لكن وفي المقابل ظهرت تقنيات وبرامج يمكن استخدامها للعب بمكونات الصورة، أو حتى صنعها من لا شيء، وهنا تأتي أهمية الصحافة المُصوّرة، ومن بينها صحيفة تشرين التي واكبت الأحداث في الشارع عبر صحفييها ومُصوريها، رغم الصعوبات الكبيرة التي تواجههم دائماً، ولا سيما في فترة الحرب.

    وهنا يستحضر الحسنيّة موقفاً واجهه عام 2012 عندما كان في طريقه إلى الجريدة صباحاً، يقول: "كنت قريباً من المكان حيث وقع التفجير الهائل في منطقة القزاز في دمشق، وتساءلت هل أُصوّر أم لا، هل أتحمل مسؤولية تصوير الواقعة المهولة أمامي؟، سريعاً اتخذت القرار وبدأت التصوير، ثم وقع التفجير الثاني فجأة، وفي المحصلة وثّقت الحدث الذي لا يمكن نسيانه، وأيقنت أن قراري كان صحيحاً بنقل الحقيقة التي يريدها الجميع، وإيصالها إلى الجهات المسؤولة".

    حاضرٌ دائماً

    الباحث الدكتور خلف الجراد رئيس تحرير صحيفة تشرين سابقاً، ومدير عام مؤسسة الوحدة للصحافة والنشر سابقاً أيضاً، استعاد سنوات العمل مع الحسنيّة، وقال للمدوّنة: "عرفت طارق الحسنية شابّاً جدّياً مجتهداً، يُلاحق الأحداث والمناسبات المهمة بصورةٍ رائعة، إضافة إلى مُرافقته للزملاء الصحفيين في تغطياتهم اليومية للأحداث. وأجده إلى الآن الحاضر المُتتبع للأنشطة والفعاليات المهمة في البلد، من دون أن ينطوي على نفسه أو تتزعزع إرادته الوطنية أمام الإرهاب والأعمال الارهابية ولا سيّما تلك التي شهدتها العاصمة دمشق، وواكب ذلك كله حاملاً باستمرار آلة التصوير وما أمكن من مستلزماتٍ فنية ليسجّل بالصورة والصوت ولحظة بلحظة أبدع الصور التوثيقية النادرة؛ وأنا شبه متيقن أنه يملك أرشيفاً كبيراً وغنياً في مجال عمله وهوايته وموهبته".

    مُضيفاً: "عندما أقابله في أي مناسبة أشعر أنني أمام واحدٍ من أشقائي الناجحين المبدعين والذين أعطوا لصحيفة تشرين كل قدراتهم لتظل رائدة الخبر والصورة والاتزان. أعتزّ به وأفخر من القلب، وهو يستحق بكل صدق وموضوعية كلّ الشكر والتقدير والتنويه".

    يُحبّ الجمال

    الكاتب والسيناريست حسن م يوسف، والذي كتب في جريدة تشرين في زمنٍ سابق، قال للمدوّنة: "طارق مُصوِّرٌ مُجتهدٌ جداً ويمتلك عيناً حساسة، حين أشاهد لقطاته أشعر كأنه يرسم بالضوء، كما يخدم موضوعه ويدعمه من خلال تأطير الصورة بشكل نظيفٍ، بمعنى الابتعاد عن أي تشويش أو عناصر دخيلة أو مُسيئة، طوّر نفسه في مجال التصوير الفوتوغرافي باستمرار، عرفتُه سنواتٍ طويلة إنساناً دمثاً عفوياً، وهو أمرٌ يتبدى بوضوح في عمله وصوره، رجلٌ طيب يُحب الجمال ويخدمه، أعتقد أن هذه السمات نبيلةٌ حقيقةٌ فيه، وأنا أُحييه وأفتخر بأنه من الذين دخلوا قلبي ولم يخرجوا منه أبداً".

    ورأى يوسف إن الجهد الذي بذله الحسنيّة خلال الحرب كبيرٌ ونادرٌ بين أقرانه، وهو يُشكّل قيمة توثيقية للمرحلة التي عشناها، لهذا ربما لا نقدّر نحن اليوم هذا الجهد الخلّاق ولا نعطيه حقه وقدره كما يجب علينا، لأن قيمته الحقيقية لن تظهر إلا مستقبلاً عندما تُريد الأجيال القادمة أن تعرف كيف عشنا وكيف اجتزنا جسر الموت الذي امتد طوال ثلاثة عشر عاماً.

    إتمام العمل

    رئيس تحرير صحيفة تشرين سابقاً الإعلامي محمد البيرق ذهب في حديثه مع المدوّنة إلى الاهتمام الذي يُبديه الحسنيّة بعمله دائماً، في حين يُمضي البعض سنواتٍ في الإعلام كمُصورين ومُحررين من دون أن يُقدموا أنفسهم أو يُعطُوا شيئاً للمهنة، كأنها وظيفة لا أكثر، وقال أيضاً: "لطالما كان لطارق دورٌ أساسيٌّ في الصحفية، وهو واحدٌ ممن سعوا لتوثيق الأحداث وإظهار الحقائق كما هي على الأرض، عمل لساعاتٍ طويلة تتجاوز ساعات العمل المُحددة، بعيداً عمّا يُفكر به كثير من العاملين في الإعلام، بأن واجبهم ينتهي مع انتهاء الدوام، واللافت في عمله جهوزيته وحرفيته في تلبية المطلوب منه لخدمة وإتمام العمل، مع إصراره على أن يأتي بصورٍ خاصة، بمعنى قدرته على اتخاذ القرار تجاه ما يحدث فجأةً، ولا يسمح الوقت والظرف بالتشاور حوله".

    تحدّث البيرق أيضاً عن المُساهمة الواسعة للحسنيّة في نيل صحيفة تشرين لجائزة أفضل صحيفة مُتكاملة، متقدمة على أكثر من 70 وسيلة إعلاميّة في مهرجان الغدير الدولي للإعلام في العراق عام 2018، وقال: "اعتمدتُ على طارق في كثير من المواقف والأحداث، وكنتُ واثقاً من قدرته على التصرف والتقييم، ومُؤمناً بأن هذا النهم في حب المهنة عنده، سيُعطي حالاتٍ إبداعية جميلة".

    قيمةٌ مُضافة

    الإعلامي زياد غصن استحضر المحطات التي عمل فيها مع الحسنيّة، وقال للمدوّنة: "تعود معرفتي بالمصور المبدع طارق الحسنيّة إلى سنوات عديدة، حيث عملنا معاً في أكثر من صحيفة ومطبوعة ومواقع إلكترونية عامة وخاصة، وكانت صوره تُشكّل دوماً قيمة مضافة حقيقية للمادة الصحفية المنشورة، هذا إذا لم تكن صوره هي المادة الصحفية فعلاً.

    ويتابع غصن حديثه: يمتاز طارق إضافة إلى مهارته في اختيار الصور أثناء مرافقته لأي محرر بالعين الحساسة التي تلتقط دوماً حياة الناس ويومياتهم، ولذلك لم يكن غريباً أن يفوز بعدة جوائز، وبقناعتي لو اهتم بالمشاركة في مسابقات التصوير العربية والأجنبية لحقق العديد من الجوائز، باختصار طارق مدرسةٌ في التصوير الصحفي ومكسبٌ لأي وسيلة إعلاميّة".

    أمّا الأهم برأي غصن هو أن هذا الشاب لا يبخل بأي صورة تُطلب من أرشيفه، وعندما لا يجد ما يلبي الطموح يخرج ليعود بالصور المطلوبة.