أيقونة طبيعية أبدعها المولى آية في الجمال، شاهدة على عظمة وتاريخ المنطقة، هكذا هي قرية "عين فيت" بالجولان السوري المحتل والتي أصبحت رمزاً لقوة وصلابة أبناء الجولان في تمسكهم بهويتهم العربية السورية، وانتمائهم الراسخ والأصيل للوطن وثقتهم بعودة كل ذرة من ترابه.

العين الجميلة

قرية "عين فيت" مؤلفة من جزأين تعني باللغة الآرامية العين وفيت الشيء الجميل أو البهي ، أو الحيوي، وبحسب مدير آثار القنيطرة "فارس الصفدي" فإن القرية تقع في شمال الجولان السوري المحتل إلى الجنوب الشرقي من بانياس، وإلى الشمال الغربي من قرية زعورة، يمر منها وادي فرعون الذي يتجه إلى نهر بانياس، وتقع عليه خربة ناصر من الشمال الغربي من عين فيت، وتحدها قرية السودا في الشمال الغربي على بعد 11 كم، واعتمد سكان القرية على الزراعة، كالحبوب والبقول بعلاً والخضر وأشجار الزيتون والتفاح والتين، والحمضيات رياً، كما واعتمدوا في معيشتهم على تربية الماشية كالأبقار والأغنام.

ويبين "الصفدي" أن "عين فيت" واحدة من عشرات القرى في الجولان العربي السوري المحتل التي وقعت تحت ظلم التهجير القسري من الاحتلال الإسرائيلي في حرب السادس من حزيران عام 1967، بهدف إفراغ القرية وقرى غيرها بشكل كامل، ما أجبر أهلها على النزوح باتجاه ضواحي العاصمة دمشق.

نبع عين فيت

حكاية لا تنتهي

المحامي ابو مهران ومدير سياحة القنيطرة والمعمر شحادة سليمان

الأستاذ "يوسف عيسى أبو مهران" وهو محامي متقاعد من أبناء القرية المحتلة، يشير إلى أن عدد سكان القرية بلغ عام 1967 قرابة 2325 نسمة، قبل تعرضهم للتهجير، وتدمير القرية من قبل الاحتلال الصهيوني.

ويقول : "كل البيوت والأشجار لها حكاية لا يمكن نسيانها بسهولة، فالقرية لوحة فنية جميلة حباها الله بخيرات الطبيعة وخاصة تربتها الخصبة وحقولها وتنوع ثمارها ومياهها العذبة.

ويتابع "أبو مهران" حديثه: "كان في عين فيت مدرستان، ابتدائية وإعدادية وحجم الغرفة الصفية التي كان يدرس فيها بمساحة أربع أمتار مرسومة الصفوف بحرف L، وكانت هذه المدارس تخدم كل القرى المجاورة من "مسعدة وزعورة" غيرها، أما الكادر التدريسي فكان هناك قسم من"عين فيت"، و مدرسون يأتون من قرى "جيرود والقطيفة" ومناطق أخرى ، حيث كان يوفر للمعلمين أفضل التسهيلات والخدمات كتقديم البيوت لهم بالقرية، في سبيل قبولهم التدريس في القرية.

ويؤكد "أبو مهران" أن أغلب أبناء القرية كانوا يستكملون دراستهم بمدينة القنيطرة فيما بعد، مستذكراً سيارات النقل المخصصة للسفر والنقل التي كان يذهب فيها من نوع "لاند روفر والرانج الصغيرة والتكسي العمومي والباص"، حيث كانت المواصلات مؤمنة، يمر الباص بقرى "بقعاتا وعين فيت ومسعدة" إلى لبنان، مشيراً إلى المناظر الخلابة والطبيعة الساحرة التي كانت على مرأى الناظر من نافذة الباص حين التنقل والتجوال بين مختلف القرى المجاورة.

وكخدمات، يتذكر "يوسف أبو مهران"، أن القرية كانت تتميز بالكهرباء، وقد شهدت شبكة الكهرباء تطوراً جيداً في عام الوحدة السورية- المصرية، كما تم تعبيد الشوارع وتوفر الكهرباء ما جعل الناس تعمر سهراتها بالليل، لتجمع أفراد العائلات حول شاشات التلفاز مستمتعة بدفء المكان.

تقاليد راسخة

ويتابع "أبو مهران" عن المناسبات التي كانت تجمع أبناء القرية لا سيما أن الأعراس كانت تدوم لمدة أسبوع كامل بلياليها الملاح من الشراب والطعام، وأحياناً تمتد لعشرة أيام في ساحة العين الكبيرة، وكان ما يجمع أبناء القرية هو سمة المحبة، وهذا ما يكون واضحاً أثناء الأعياد، ولا أحد من أبناء القرية ينسى عادة المعايدة بأيام العيد على كل بيت ومنزل، وهو ما يزيد الألفة أكثر، لتترجم هذه المحبة حتى في مجال البناء والعمران، فإذا ما أراد أحد ما أن يبني بيتاً، كان الجميع يقدم المساعدة، فمعظم بيوت القرية كانت مبنية من الحجر الأزرق ، ليدخل بعدها مادة البلوك في البناء.

وعن العادات والتقاليد التي كانت موجودة بالقرية ، يقول "سليمان دياب" وهو يقطن في "سبينة" تولد 1957: "هناك سمات أساسية كانت تظهر محبة أبناء الجولان لبعضهم البعض، منها الزيارات لبعضهم البعض، وكأن القرية من بيت ومزيج واحد، خاصة أنه يوجد مضافات متوزعة بكل أنحاء القرية ومنها عند المخاتير، التي تجمع أبناء القرية في كل المناسبات والأحزان، حتى دورها في حل الخلافات، لتكون مكاناً لكل صغير وكبير، فيها تدار المجالس وتحل أكبر العقد والمشاكل".

كما ويتذكر "دياب" أيام الحصاد التي كانت مكاناً للسهرات والعمل وتلاقي الأحبة، والتي كان يسود لياليها المظلمة ترديد الأغاني في جو من المرح والصفاء.

ويوضح أن ما يحدث اليوم من اعتداءات للكيان الصهيوني على "عين فيت" وقرى الجولان كاملة، مرفوضة من أهل الجولان المحتل قاطبة والذي يهدف من خلاله إلى طمس الهوية العربية السورية لقرية "عين فيت" وتغيير معالمها وتهويدها.

هبة الطبيعة

ويضيف "دياب" أن "عين فيت" من أجمل قرى الجولان، بسحر طبيعتها وينابيعها المتلألئة بالصيف، فلا تكاد الينابيع تذكر إلا ويذكر معها "عين فيت" المتميزة بعذوبتها وصفاء مياهها، ففيها أربعة مزاريب للينابيع، كانت كل القرية تشرب منها، إضافة إلى جميع القرى المجاورة ومنها قرية زعورة القريبة.

ويشير إلى أن من هذه الينابيع يسير مجرى مائي يحيط بالقرية من كل جانب وتسقى البساتين والحقول عن طريقه، مزروعة على جوانب المجرى الفواكه والثمار والحنطة، ليمتد على مسافات طويلة تصل الى حدود فلسطين المحتلة.

ويتذكر "دياب" أهم ينابيع قريته التي مصدرها الأساسي جبل الشيخ، منها عين الصفراء، وعين الزرقاء ، وعين الخنازير:، ونبع المصاية، وعين قلام، وعين كوز ، والجروين ، وعين الحصين ، والديسة، والمغارة، ونبع عين القمر ونبع أم حسون ، ولا ننسى نهر بانياس الذي كان يمر على محاذاة أراضي عين فيت، وهذه الينابيع تتميز بعذوبتها، خاصة أن هذه الينابيع تصب في حوض الحولة وتظهر على شكل ينابيع عند الحواف النهائية في مرتفعات الجولان المحتل، وغير ذلك يستفاد من هذه المياه في سقاية الحيوانات وريّ الأراضي الزراعية، فالخضروات التي كانت بعين فيت ، تمتاز بخضارها ونظافتها وسلامتها صحياً.

عرف عن اهالي القرية الكرم والطيبة والتعامل الحسن مع الجوار من القرى وفق حديث المعمر شحاده علي يوسف "ابوعلي" من عين فيت ويقيم في قدسيا والذي أضاف..كانت المحبة هي العنوان الاساسي في التعامل ولاننكر حب الاهالي للطبيعة الخلابة ومياهها العذبة وحبهم لزراعة المحاصيل الشتوية والصيفية الوفيرة فعين فيت واحدة من أجمل القرى في هضبة الجولان إذ تتلاقى الأحياء والبيوت بالأشجار والأزهار، وتكثر الساحات وتتسع الشوارع ويسود الجو الريفي النقي المعتدل وهي من القرى التي كانت موفورة الخيرات بسبب نشاط سكانها، واتساع حقولها ذات التربة الخصبة، وتنوّع ثمار بساتينها التي ترويها المياه العذبة والوفيرة

ويتابع أبو علي حديثه: لا يزال سكان القرية يحتفظون بمفاتيح بيوتهم النحاسية الكبيرة، والتي تحمل هويتهم في ذاكرة المكان وتفاصيله، فأملهم بالعودة باقٍ، وإن طال الزمن، إلى تلك البيوت التي دمرها الاحتلال بعد عدوان حزيران/يونيو، والتي بلغ عدد سكانها أيام النزوح 3 آلاف نسمة، إذ تعد أكبر قرية في الجولان من حيث المساحة بعد قرية مجدل شمس.

ويختتم "دياب" حديثه بالقول: "رغم مرور أكثر من 55 عاماً على النزوح من الجولان، لم يتمكن الاحتلال الإسرائيلي من محو هوية سكانها، أو سرقة عاداتهم وجذورهم، خاصة أن هذه القيم التراثية الجولانية الأصيلة كعادات وتقاليد زرعت منذ الصغر، منها عشق الأرض وتراب الوطن والحجر والشجر، وهذا دليل أن الجولان باق في القلب يتردد ذكره في كل الجلسات والأعراس والمناسبات، ومن بين هذه الأغاني التراثية للجولانيين التي تردد اليوم

"يا سالم سلم على الجولان.. بلغهم عودتنا قريبة

بهمة الله وكل الشجعان... بدنا نرجعلك يا حبيبي

بدنا نرجعلك يا حبيبي.. مر وسلملي على عين فيت.. ذكرها الشعب مو ناسيها".