لم تقف سنوات عمره التي تجاوزت الستين، حائلاً دون تحقيق مشروعه الرياضي، فقد تمكن الكابتن "زكريا البان" من تحقيق ما كان يعتبره حلماً خطط له منذ سنوات مضت، وهو قطع المسافة ما بين مدينتي "حلب" و"دمشق" على دراجته الهوائية، معتمداً على جهده البدني وعلى عزمه وإرادته.

من البداية

رحلة الاستعداد للمهمة لم تكن سهلة كما يصفها "البان"، حيث بدأ التحضير الفعلي والجدي لها قبل أشهر من الموعد الذي حدده، تخللتها تمارين يومية صباحية ومسائية متواصلة فيها الكثير من التحمل والجهد مع أمور فنية وميكانيكية ولوجستية أخرى، حتى يضمن لمهمته النجاح ويتم تسجليها ضمن الأنشطة الرياضية الصعبة.

وبشيء من التفصيل يتحدث "البان" للمدونة التي زارته في منزله بحي "السريان"، عن تفاصيل رحلته ومحطاتها والصعوبات التي واجهته خلالها، ويقول: "كان من المزمع تنفيذ هذه المهمة قبل عشر سنوات، ولكن لم أستطع تنفيذها بتلك الفترة نظراً لظروف الحرب وعدم سلامة الطريق العام، وقد ظلت الفكرة تراودني وكنت أنتظر الوقت المناسب للقيام بها، وفي شهر نيسان من العام المنصرم وجدت أن الأمور قد أصبحت جاهزة ومناسبة جداً ومن جميع النواحي لتنفيذها.. في البداية أعدت تجميع دراجتي وتفقد جاهزيتها الميكانيكية بشكل تام، وشرعت بعدها بتنفيذ تمارين يومية مكثفة على الدراجة في شوارع المدينة وحول المحلقات والحديقة العامة وصعود المرتفعات لاختبار قدراتي على التحمل، مع ممارسة تمارين مشي مماثلة على القدمين ولمسافات طويلة أيضاً لاكتساب التحمل وتقوية عضلات الأرجل، وقبل شهرين من الموعد المقرر للرحلة زدت من كثافة التمارين أكثر وبدأت أشعر بزيادة التحمل لدي مع الثقة والرغبة على تنفيذ الرحلة".

الرحالة "زكريا البان" لحظة وصوله لمدينة "الرستن" على دراحته.

ويضيف" البان": "حتى أتعرف على مزايا الطريق الدولي أكثر بين المدينتين، رحت أسأل سائقي الحافلات العاملة على الطريق الدولي، وعن المنعرجات والمنحنيات والمرتفعات وقياس المسافات الكيلومترية بين المدن والبلدات، وأخذ النصح والمشورة منهم، وبعد ارتفاع حالة الجاهزية الفنية والنفسية لدي، قررت أن يكون موعد انطلاق الرحلة في الثاني من شهر أيلول ابتداءً من "دوار الموت" أقصى المدينة من جهة الغرب، وقبل أيام من بدء الرحلة أجريت اختباراً كان هو الأخير بالدوران على الدراجة حول محلقات المدينة بمسافة بلغت 25 كم استغرق ثلاث ساعات".

في اليوم الأخير ما قبل موعد رحلته، أجرى "البان" تقييماً شاملاً على الدراجة حيث ثبت عليها من الأمام سلة معدنية، وضع فيها أدوية ومسكنات وعلبة تمر ومنشفة وبدل لباس خفيف ولزقات للدواليب، وجهز أيضاً مكاناً لعبوة الماء، وتحت العمود الرئيسي ربط (طرنبة المنفاخ)، وحمل كتاباً ممهوراً من فرع الحزب بالمدينة لأجل مساعدته وتسهيل مهمته في المدن والبلدات التي سيعبرها.

تكريم الرحالة "زكريا البان" قبل الرفيق "هلال الهلال وفراس معلا ومازن بيرم".

بدء المشوار

شهادات رياضية من قبل الصحفي الرياضي "عبد الرزاق بنانه ومدرب الدرجات "أحمد طرقجي"

انطلقت الرحلة كما يقول "البان" صباح السبت في الثاني من شهر أيلول، عند الساعة السادسة وأربع دقائق، مضيفاً: "في حوالي الساعة العاشرة وصلت لمدينة "سراقب" وتابعت السير نحو مدينة "معرة النعمان"، وبعدها وصلت في الساعة الثالثة والربع إلى مدينة "خان شيخون"، وسعدت باستقبال الناس من حولي، وشاهدت مهمة الرحلة من محافظ "إدلب" الذي أثنى على رحلتي، وتابعت المشوار ووصلت إلى مدينة "حماة" في الساعة السادسة وخمس وأربعون دقيقة، وبت ليلتي فيها، وفي صباح الأحد استقبلني أمين فرع الحزب، وبعدها تابعت المشوار نحو مدينة "حمص" ووصلتها بالساعة الثالثة وعشرين دقيقة، ونمت في مركز الإيواء وقدمت لي المحافظة مشكورة وجبتي طعام، وصباح الأثنين انطلقت من مدينة حمص" نحو بلدات "حسيا والبريج"، ووصلت بالساعة الرابعة وخمس عشر دقيقة لمدينة "دير عطية" واستقبلني الأهالي بكل ترحاب ونمت فيها تلك الليلة، وفي مطلع صباح يوم الثلاثاء توجهت بدراجتي نحو مدينتي "النبك والقسطل" والاستعداد لنزول "معلولا" التي وصلتها بالعاشرة والنصف، وتابعت ترحالي وصولاً لساحة المرجة وسط العاصمة "دمشق"، حيث وصلتها بتمام الساعة الثانية عشرة وخمس وخمسين دقيقة".

تكريم وشهادات

ويتابع "البان" حديثه بالقول: "وجهتي الأولى بعد إنجاز المهمة كانت بالتواصل مع المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام، ولقاء نائب رئيس المنظمة "عمر العاروب"، ومن ثم الكابتن "فراس معلا" رئيس المنظمة الذي أثنى على المهمة كثيراً وهنأني بالوصول سالماً، واستفسر مني عن ظروف الرحلة وقام بتكريمي ومنحي تجهيزات رياضية، والتكريم الأسمى كان بلقاء الرفيق "هلال الهلال" الذي استقبلني بحفاوة وترحاب كبير وقام بتكريمي، وبعد عودتي لمدينة "حلب" استقبلني الكابتن "أحمد مازن بيرم" رئيس فرع "حلب" للاتحاد الرياضي العام وقام بتكريمي وكذلك فعل رئيس مجلس المدينة الدكتور "معد مدلجي"، ورئيس نادي الحرية الرياضي "انطوان شرقي".

مضرب مثل

"أحمد مازن بيرم" رئيس فرع الاتحاد الرياضي العام يقول: "تعتبر المهمة التي قام بها الكابتن "زكريا البان" من الأنشطة الرياضية المهمة الصعبة، حيث تحلى بالإرادة والعزم والتصميم على إنجاز المهمة على أكمل وجه، وباسم الاتحاد الرياضي العام بالمدينة نقدم له الشكر والثناء والعرفان ونعتبر أن ما قام به هو إنجاز رياضي حقيقي يستحق التكريم رغم تقدمه بالعمر، ونتمنى أن تقتدي برحلته الأجيال الشابة الحالية".

الصحفي الرياضي "عبد الرزاق بنانة" أعرب عن إعجابه وثنائه على مهمة الرحالة "زكريا البان" ووصفها بالممتعة والصعبة الشاقة، ولكن عامل الإصرار والعزيمة لديه كانتا كفيلتان بالإنجاز والنجاح، فيما وصف مدرب منتخب "حلب" للدراجات "أحمد طرقجي" الرحالة "البان" بالرجل القوي الذي تحدى سنوات عمره الستين، فما قام به هو بطولة بحد ذاتها ومضرب مثل للرياضيين الشباب.

الجدير بالذكر أن الرحالة "زكريا البان" هو من مواليد عام ١٩٦٠ وهو مدرب وحكم كرة سابق ويشغل حالياً منصب أمين سر لجنة الحكام الفرعية بالمحافظة.

تم إجراء اللقاء والتصوير بتاريخ الثامن والعشرين من شهر أيلول من عام ٢٠٢٣ في منزل الرحالة "زكريا البان" في منزله بـ "حي السريان".