في جنوب مدينة "سلمية"، وفي قرية "دنبيه" التي تبعد 12 كيلو متراً عنها في "تل حانة"، تم العثور على نموذج لمذبح على شكل بيت طيني يعود إلى عهد السلالات الملكية 2900، 2690 قبل الميلاد، كان يعد لتقديم الأضاحي وهو موجود حالياً في متحف "حلب"، ولكن هذا المذبح تعرض لإشكالية في بحث ماهيته، فهناك من افترض أنه يمثل نموذجاً للبيت "السلموني"، فيما ذهب الرأي الآخر إلى القول إن وظيفته كانت مذبحاً.

بين البيت والمذبح

بذل الإنسان عبر تاريخه جهوداً كبيرة في تفسير ظواهر الطبيعة وكل ما هو غريب عنه، فأعتقد بأن الطبيعة بأكملها مأهولة بكائنات لا مرئية، لذلك اعتقد أن مصيره مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بمدى رضا هذه الآلهة عنه أو غضبها، لهذا نجد أن إنسان العصور القديمة لم يوفر فرصة أو جهداً لإرضاء تلك الآلهة عن طريق تقديم الأضاحي لها والتبرك بها.

"مدونة وطن" التقت الباحث التاريخي "أمين قداحة" ليحدثنا عن إشكالية ماهية البيت الطيني قائلاً: "حسب الدراسات المقارنة فقد تم الاتفاق على أن تاريخ هذا النموذج يعود إلى عهد السلالات الملكية (2900، 2690 قبل الميلاد)، كما ذكر في المجموعة المتخصصة بالآثار السورية، لـ"بهنسي"، "عفيف" والتي قام بترجمتها "نايف بلور"، البعض يرى أن وظيفة هذا النموذج المكتشفة كانت أقرب إلى المذبح، لأنه يشابه النماذج التي اكتشفت في "آشور" وقد استخدم كمذبح ذي درجتين، وعندما نشر "أندريه" لأول مرة هذا النموذج البنائي من الطين بمقاساته كان "رايمبل" أول من وصفه بالمذبح عندما ظهر بالطبقة (G) من معبد "عشتار" في "آشور"، وفيه عدد كبير من هذه البيوت وهي في حالة جيدة تقريباً، وطريقة صنعها لا تختلف كثيراً عن الطريقة التي صنع بها نموذج البيت "السلموني" بغض النظر عن حجمها، فهي أكثر ارتفاعاً ولها أشكال عديدة من النوافذ في حين أن نوافذ نموذج البيت "السلموني" كلها مستطيلة الشكل" .

الباحث التاريخي أمين قداحة

رأي آخر

المهندسة رانيا الخطيب رئيسة شعبة الآثار في سلميه

ويتابع" قداحة" حديثه بالقول: "وكبرهان على استعمالها كمذابح يشير "رايمبل" إلى عدد من طبعات الأختام الأسطوانية التي تعرض من دون أدنى ريب مذبحاً مشابهاً إلى حد بعيد لتلك التي عثر عليها في مدينة "آشور"، في حين يشك "فيير" في أن يكون هذا النموذج مذبحاً لتشابهه ببيوت الأحجار الحديثة ذات الطوابق العديدة، وحيث لا يوجد فيها أي إشارة لباب، يختلف الحال هنا بالنسبة للنموذج "السلموني"، حيث لا توجد فتحة في الطابق العلوي، وأخرى في الطابق السفلي في مقدمة نموذج البيت، وهاتان الفتحتان تختلفان عن بقية الفتحات الموجودة على الأطراف فهما أعرض وأكبر حجماً وتقعان أسفل واجهة البيت، ولذا يجب أن تمثلا فتحتي بابين، وفي هذا الصدد يقول البروفسور "ها يترش": (أنا لا أرفض اعتبار المذبح نموذجاً لبيت طيني، ولكن أرفض اعتباره كمذبح كونه مؤلفاً من طابقين، لأن شكله هو حصيلة الغاية التي صنع من أجلها كمذبح فهو يتلاءم مع ذلك الشكل) ".

وصف المذبح

تتحدث "رانيا الخطيب" رئيسة شعبة الآثار في "سلمية" عن سمات النموذج المكتشف وتقول: "هذا النموذج مصنوع من الفخار، بأبعاد (54×27×42 سنتيمتراً)، وهو مقسم من الداخل بحاجز فيه نافذة مستديرة، ولكن ليس القسم الأكثر ارتفاعاً سقف يفصل بين الأدنى والأعلى، ولهذا كان ارتفاع الغرفتين متفاوتاً إلا أن المظهر الخارجي لا يؤكد هذا الانطباع، فالجدران الخارجية مقسومة بواسطة عوارض عند مستوى الحاجز الفاصل على ارتفاع السقف المتوسط المفترض وجوده، وعليه فإن الأصل الذي صنع على غراره هذا النموذج قد يكون بيتاً ذا طابق علوي نصفي، وتحت العوارض الأفقية أضيفت أشكال صفوف من الطيور لعلها من الحمام الذي يرمز إلى الآلهة "عشتار"، وهذه الأشكال مثبتة بأوتاد، وهي لا تخفي طبيعتها القدسية، وبالاطلاع على نماذج بنائية ذات درجتين أقدم من المذابح المكتشفة في "آشور"، أمكننا مقارنة النموذج "السلموني" بها والذي من الممكن أنه صنع كمذبح على شكل بيت لمباركة ذلك البيت الذي صنع على شكله

بيوت قديمة