لم تقف وفاة زوجها حائلاً دون إصرارها وعزمها على مواصلة الحياة بكل إرادة، فقد استطاعت السيدة "عبير الحاج" من صنع مشروعها الخاص لصناعة المؤونة المنزلية لتتمكن من خلاله من تأمين متطلبات الحياة وإعالة طفليها، والمساهمة أيضاً في تشغيل الأسر المحتاجة، وذلك بمساعدة أخيها الذي بات يشرف على ورشات عمل النساء المعيلات لأسرهن في قريتها "تلتوت" بريف "سلمية".

قصة التحدي تقول السيدة "عبير الحاج"، 1975: «تخرجت من معهد الطب البيطري عام 1995، تزوجت وعملت بالتعليم لمساندة زوجي، ودام ذلك 12 عاماً، ولكن الموت خطف حلم الاستقرار بوفاة زوجي عام 2009، وترك لي طفلين صغيرين (الكبير بعمر 10 والصغير 4 سنوات)، ولكن موته لم يكسرني، وكان أخي "وائل" سنداً لي فبدأت بعمل مؤونة البيت، وكانت البداية بمادة الفليفلة والمكدوس، وقطف ورق العنب في موسمه، ثم طورت عملي بحسب طلبات الزبائن من زيتون ودبس رمان وخل التفاح وشراب التوت وعصائر البرتقال، وكنت أقوم بحشي الباذنجان المسلوق في حال لم تنفذ الكمية لأبيعه محشياً بالجوز أو اللوز، وأسوقه من البيت للجيران ولأهل القرية في "تلتوت"». وتضيف: «عندما زاد الطلب زاد الإنتاج، فافتتحت محلاً في "سلمية"، وعملت في طبخ اللوف وبيعه حسب الطلب والتكلفة، وصنعت كعك الأعياد مع تشكيلة حلويات، وحرصاً على تأمين كل مستلزمات المؤونة للناس قمت بتسويق منتجات عمتي من الأجبان والألبان والكشك والشنكليش، وتأمين ورق العنب البلدي والمصافي للزبائن، وفي عام 2019 أخدت منحة من undp، وقرضاً آخر من مؤسسة "الآغا خان" لأجل الطاقة الشمسية لتبريد وحفظ المواد الغذائية».

راتبي التقاعدي لا يكفيني، لذلك أعمل مع "وائل وعبير" منذ ثلاث سنوات في تنظيف الملوخية وشرح الفليفله وتحضير الباذنجان للسلق لصناعة المكدوس، حيث يقوم "وائل" بكبس حبات المكدوس وتجفيفها من الماء، ثم أقوم بترتيبها ضمن صناديق خاصة وتغليفها لتسويقها للمستهلك، إضافة إلى فرط الرمان بينما يقوم هو بعصره وغليه بالإضافة لدق وتثقيب الزيتون والعيطون في كل موسم

علامة فارقة

بدورها تتحدث "لينا الشعار" ربة منزل عن تجربة السيدة "عبير" في صناعة المؤونة وتصفها بالمبدعة، وتضيف: «أعرف "عبير" منذ بداية افتتاحها محلاً بجانب منزلي كانت تبيع فيه منتجاتها، ومنها (الكشك والمكدوس والزيتون، والزعتر، ودبس البندورة والفليفلة، وعصير البرتقال الطبيعي والتوت الشامي، الزيتون والخل..) ولأن عملها امتاز بالنظافة والجودة، فقد أصبحت منتجاتها علامة فارقة في المنطقة، وأتسوق من عندها كل ما يلزمني لمؤونة البيت، فضلاً عن ابتسامتها الحاضرة رغم مصاعب وشقاء الحياة، فقد كافحت كثيراً بعد وفاة زوجها، لتصل إلى ما وصلت إليه».

من منتجات الحرفية عبير الحاج

"لميس حبابه" قائد فريق (نحنا هون) تتحدث عن "عبير الحاج" بالقول: «"عبير" من الأعضاء المؤسسين الأوائل في الفريق منذ عام 2017، وتعتبر العصب الديناميكي فيه، فهي وبرغم إصابتها بمرض دموي (التلاسيميا)، وفقدانها لزوجها إلا أنها ناضلت من أجل تربية ولديها، ساعدها أخوها بالإشراف على ورشات النساء المعيلات في إنجاز المنتجات الغذائية، وشاركت بجميع المعارض في "سلمية" وريفها، و"طرطوس" و"دمشق" ونالت ثقة الجميع حتى المغتربين، والجميل فيها مساعدتها للفقراء فهي تمنحهم من منتجاتها من دون مقابل، وهي إنسانة مثابرة، محترمة، ونموذج المرأة الفاضلة».

الشقيق السند "وائل الحاج" 1981 شقيق "عبير" يتحدث عن دعم شقيقته: «بعد وفاة زوج أختي "عبير" 2009، كان لابد من مساندتها لتربي طفليها، فنحن نملك أرضاً زراعية فيها الفليفلة والبندورة، بدأنا المؤونة بشكل عائلي بمادتي الفليفلة المجففة والدبس والبندورة المجففة، وسلق الباذنجان لصناعة المكدوس، بالإضافة لقطف أوراق العنب في موسمها وتسويقها.. في البداية كنا نسوق المنتجات لقريتنا "تلتوت "ومع زيادة الطلب على المنتجات أصبحت التوصية على الهاتف خارج القرية، ولكن بسبب الإرهاق الذي كان يصيب أختي "عبير" نتيجة مرضها بالتلاسيميا، قمت وعائلتي بتكوين ورشة لدعمها وتسويق منتجات عمتي من أجبان وألبان، وهكذا افتتحت "عبير" محلاً في مدينة" سلمية" لتسويق المنتجات، ولم نكتف بمنتجات أرضنا بل اعتمدنا على شراء المواد من السوق وتشغيل ورشات مكونة من تسع عائلات تأتي لبيتنا تعمل في قطف الملوخية وفرط الرمان وصناعة الدبس والخل».

عمة عبير وأخيها وائل ومنى الحاج

ويشير الشقيق إلى المساندة التي تلقوها من مؤسسة "الآغا خان" ومنحهم أدوات المشروع والتي تمثلت في البداية من (طنجرة ستيل كبيرة غاز أرضي مع جرة ومصفاة استيل ومنشر لتجفيف الخضار) وبعد زيادة الطلب على المنتجات زودتهم المؤسسة بطاقة شمسية من ستة ألواح تشاركياً، لافتاً إلى أن شقيقته تعرض منتجاتها بالمعارض وعبر التواصل الاجتماعي والتسويق للمحافظات والمغترب بعد كسب ثقة الناس من حيث الجودة والنظافة.

نساء معيلات

تقول "منى الحاج" ربة منزل متقاعدة: «راتبي التقاعدي لا يكفيني، لذلك أعمل مع "وائل وعبير" منذ ثلاث سنوات في تنظيف الملوخية وشرح الفليفله وتحضير الباذنجان للسلق لصناعة المكدوس، حيث يقوم "وائل" بكبس حبات المكدوس وتجفيفها من الماء، ثم أقوم بترتيبها ضمن صناديق خاصة وتغليفها لتسويقها للمستهلك، إضافة إلى فرط الرمان بينما يقوم هو بعصره وغليه بالإضافة لدق وتثقيب الزيتون والعيطون في كل موسم».

لينا الشعار وأسامة فخور من زبائن منتجات العبير