"نوفل إلياس".. شاعر شهرته "سُليمى"

"نوفل إلياس".. شاعر شهرته "سُليمى"

كمال شاهين

السبت 14 آذار 2015

بانياس

تسللت أغنية "سُليمى" إلى الذاكرة الموسيقية العربية لأكثر من نصف قرن، وحتى اليوم ما زالت تتردد لدى عشاق الطرب الأصيل، ولربما يجهل كثيرون أن مؤلفها شاعرٌ ومحام وسياسي سوري من "بانياس" هو "نوفل إلياس".

إلى اليوم، من يستمع إلى تلك الأغنية بصوت الرائعة "ميادة بسيليس" أو صوت "زكية حمدان"، سينتبه أنها ذات نظم ينتمي إلى السهل الممتنع، هذا النظم الذي كان أحد بوادر الحداثة الشعرية العربية منتصف القرن الماضي، كتب به شاعرنا أغلب أعماله الشعرية.

لم ينل شاعرنا حقه من الإضاءة الإعلامية كثيراً كشاعر، كما يشير الدكتور "محمد إبراهيم" من قسم الأدب العربي في جامعة "تشرين"؛ في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 آذار 2015، ويقول: «لربما يعود السبب إلى انشغاله المستمر بالسياسة والنيابة، رغم أنه شارك في عديد المناسبات الوطنية وألقى في كل منها قصائد بديعة، ومنها قصيدةً ألقاها في مدرسة "الحرس القومي" في "بانياس"، ويذكر أبناء المدينة أنه كان من أبناء الذوات المحبوبين هنا يرافق أغلب الوفود التي تفد إليها، وكان معروفاً عنه سرعة البديهة والنكتة الحاضرة دوماً».

ولد الشاعر "نوفل بن غانم إلياس" في مدينة "بانياس" الساحلية مطلع القرن العشرين، وسجل ميلاده رسمياً عام 1902، لوالد كان متورطاً في لعبتي الشعر والسياسة، فحاول جاهداً ثني ابنه الذي بدأ النظم مذ كان في الرابعة عشرة عن هذه السبل بشتى الطرق والوسائل، ومنعه من ارتكاب جناية الشعر، فأحرق له كل ما يملكه من كتب أدبية، إلا أنه لم يفلح في ذلك وأصبح "نوفل" شاعراً معروفاً.

أخذ شاعرنا عن عمه "ميخائيل إلياس" أستاذ اللغة العربية، علوم العربية وآدابها وطرائق النظم، وعن والده حبه وشغفه بالقراءة والكتابة والشعر، ودرس في مدارس "بانياس" سنة واحدة ثم سنة أخرى في "الفرير" (الكلية الوطنية لاحقاً) في "اللاذقية"، ومع بدء الحرب العالمية الكبرى عام 1914 نزح مع عائلته إلى قرية "البساتين" المجاورة

للمدينة، وبعد نهاية الحرب عام 1919 استأنف الدراسة في فرع مدرسة "الفرير" في "طرابلس الشام"، فنال الثانوية وأتقن الفرنسية، وكان في صفوفه رئيساً لمجموعات الأدب العربي والفرنسي فيها، كما يذكر عنه "سليمان سليم البواب" في موسوعة "أعلام سورية في القرن العشرين" (دار المنارة - بيروت 2000).

يذكر صاحب مجلة "العرفان" الصيداوية الشيخ "أحمد عارف الزين" في رحلته إلى الساحل السوري عام 1924، أنه التقاه في "بانياس" وقدم لهم أحصنة واستضافهم وأقراهم، ويصفه بـ"الأفندي والشاعر والطالب المجد والشاب الوطني"، وأنه من طلاب "مدرسة الحقوق العربية الدمشقية" (في المجلد العاشر الصادر عام 1924)، وهذه كانت نواة جامعة "دمشق" لاحقاً، ونال شاعرنا منها إجازة "الحقوق" في العام التالي، ليبدأ خوض مجال المحاماة في الساحل السوري فكان من أوائل المحامين آنذاك، فافتتح مكتبين الأول في "بيروت" والثاني في "اللاذقية".

تابع شاعرنا نظم الشعر والاشتغال في الشأن العام في حقبة الانتداب الفرنسي على "سورية"، الأمر الذي عرضه لمضايقات كثيرة انتهت مع بدء الحرب العالمية الثانية بسجنه في سجن "المزة" في "دمشق"، ونال من التعذيب الشيء الكثير كما يذكر مؤرخو سيرته، وفرضت عليه الإقامة الجبرية في مدينة "صيدا" مدة ستة أشهر، وبعدها نفي إلى "فلسطين" وأقام فيها مدة سنتين، ثم عاد إلى "بيروت" وفيها كان تحت المراقبة الشديدة والإقامة الجبرية حتى نهاية الحرب سنة 1945 (الموسوعة السابقة).

بعيد الحرب العالمية الثانية بقي شاعرنا متنقلاً بين "بيروت" و"بانياس" و"اللاذقية" مشتغلاً كأحد أبناء العائلات الإقطاعية بالسياسة وشؤونها والشعر وقصائده، تزوج عام 1947 وسكن في "عريَّا" اللبنانية، ورشح نفسه عن مقعد "اللاذقية" النيابي غداة رحيل الفرنسيين، إلا أنه حُورب كثيراً، ولم يستطع الوصول

إلى المجلس النيابي حتى عام 1954 بعد أن كان خسر في انتخابات 1950 عن مدينة "حلب".

كتب في تلك الأيام قصائد كثيرة بدأت تنشر في الأوساط الثقافية والأدبية في الساحل وفي "لبنان"، ونشرت له المجلات التي كانت تصدر وقتها هناك، ومنها "النهضة"، و"الصياد" وغيرها، وبعد أن أصبح نائباً في البرلمان السوري أكمل في الشعر ولم يصدر حتى تلك المدة أي ديوان يضم أعماله وقصائده.

في العام 1952 اختارت المغنية "زكية حمدان" قصيدته "سُليمى" لتغنيها، وهي قصيدة مكتوبة على مقام "النهوند" لحنها الملحن والفنان اللبناني "خالد أبو النصر اليافي"؛ والسبب أنها عندما نشرت لقيت انتشاراً كبيراً، وكثيراً ما تساءل الناس من هي تلك المرأة التي تغزل بها "حضرة النائب البانياسي"؟ تقول بعض كلمات القصيدة:

 

"أرى سلمى بلا ذنب جفتني... وكانت أمس من بعضي ومني

كأني مــا لثمت لها شـــفاها... كأني مـا وصـلت ولم تصلني

غداً لما أموت وأنت بعدي... تطوفين القبور على تأني

قفي بجوار قبري ثم قولي... أيا من كنت منك وكنت مني

خدعتك في الحياة ولم أبالي... وخنتك في الغرام ولم تخني

كذا طبع الملاح فلا زمام... فطرن على الخداع، فلا تلمني".

بقي "نوفل" نائباً في البرلمان السوري إلى أيام الوحدة مع مصر، والتقى الرئيس الراحل "عبد الناصر"، وكان له موقف حاد من الناس الذين جمعهم عبد الناصر حوله، وقال له بوضوح في لقاء جرى في "دمشق": «نحن يا سيادة الرئيس قبلنا بالوحدة بين "سورية" و"مصر" لنتخلص من هذه القيادات التي تقف يمينك ويسارك، وقد فوجئنا بهم اليوميسبقوننا إلى قصر الضيافة». ويقال إن "الزعيم" لم ينس له هذه العبارة فأبعده عن الشأن العام بهدوء (نقلاً عن الراحل "ناصر الدين النشاشيبي" في حديث لإحدى المجلات العربية).

انتقل بعد العام 1970 إلى "قبرص" ومن ثم إلى "لبنان" حيث قضى بقية عمره حتى رحيله عام 1986، تاركاً ديواناً واحداً حمل اسم "أوراق نوفل إلياس" جمعه الكاتب "جورج الغريب" وطبع في "لبنان"، ولم نعثر له على نسخة في محيط الأقرباء؛ وهم قلة اليوم في "بانياس" بعد أن صودرت أملاكهم عقب 8 آذار 1963، كما ترك عدداً من القصائد المخطوطة وأخرى في عدد من المجلات منها مجلة "النهضة" في عددها الثامن لعام 1937.