نصر الدين البحرة

نصر الدين البحرة

"نصر الدين البحرة" مثقف مازال يبحث عن المزيد

 سمر وعر

الأحد 09 تشرين الأول 2011

هو المدرس والكاتب والإعلامي الذي عشق عمله وأخلص له، مازال يتمتع بحيوية الشباب رغم تجاوزه العقد السابع.

إنه الأديب "نصر الدين البحرة"، الذي قالت عنه ابنته الفنانة "عزة البحرة": «والدي هو القدوة والمثال والمرشد لي، هو حيوي، نشيط لايعرف الملل طريقاً لحياته، يتنقل من أقصى القطر لأقصاه لإقامة المحاضرات رغم أنه يواجه بعض الصعوبات الصحية في نظره لفترة من الوقت.

يمتلك مكتبة غنية بكل المراجع والقواميس، وهذه المراجع ليست باللغة العربية بل بالعديد من اللغات، كما أفخر أن والدي هو مرجع غني؛ فعنده لكل سؤال جواب وإن تعذر عليه سؤال؛ بحث عنه وقدم الجواب الشافي.

وهو سموح؛ يساعد الآخرين لأقصى درجة لاسيما في مجال العمل الذي سرقه منا لكثير من الوقت، ولكن مع قلة تواجده كان حضوره بيننا قوياً، ربطتنا به أنا وأخوتي علاقة أقرب ما تكون للصداقة».

"eSyria" التقى الكاتب "نصر الدين البحرة" بتاريخ "6/9/2011" ليبدأ حوارنا بذكريات طفولته، حيث قال: «طفولتي انقسمت لشقين، الأول امتد إلى أن أصبح عمري /7/ سنوات، وكان والدي "محمد سعيد البحرة" مازال على قيد الحياة، وقد نعمت بطفولة حقيقية ورعاية عظيمة منه لدرجة أعانتني على الفترة الثانية، والتي كانت صعبةً جداً بعد وفاته حيث تخللتها أحداث "الحرب العالمية الثانية".

وفيها انتقلت أسرتنا من منزلنا في "حي المهاجرين" وهو أشبه بفيلا إلى بيت جدي بحي "مأذنة الشحم"، وهناك سكنا بغرفتين صغيرتين وعشنا شظف العيش ولكن والدتي -رحمها الله- قدمت لنا الدعم المعنوي بمعنى الكلمة حتى أننا جميعا –أنا وأخوتي- ورغم كل الظروف القاسية التي عشناها أتممنا دراستنا الجامعية وأود أن أقول لك أن منزلنا ما يزال موجوداً حتى الآن كما هو والغرفة التي ولدت فيها أيضاً».

ويتابع "البحرة" حديثه عن عشقه المبكر للأدب بالقول: «في الحقيقة فتحت عيني في منزل تزين جدرانه رفوف المكتبات والكتب في مكتبة والدي كانت قسمين أجنبية باللغة الفرنسية؛ جلبها معه عندما عاد من "باريس" حيث كان يحضر لرسالة الدكتوراه في الفلسفة من "جامعة السوربون"، والقسم الثاني مقتنيات في الأدب العربي والثقافة العربية ولم أنسَ إطلاقا والدي عندما كنت أصحو في ساعة متأخرة من الليل وقد جلس على الأرض ووضع على ركبتيه وساده كبيرة ودلى مصباحاً كهربائياً فوق رأسه وهذا الكلام كان عام /1940/ وكان عمري آنذاك /6/ سنوات.

وبعد ذلك عندما بدأت أتقن القراءة لحدٍ ما كنت أنقب في مكتبة والدي على كتب يمكن أن أقرأها مثل "ألف ليلة وليلة" وبعض كتب "الجاحظ" وبعض صفحات من كتاب "الأغاني" لأبي فرج الأصفهاني.

لم تقف طموحاتي عند القراءة بل خطر ببالي وأنا طالب في الصف السابع المساهمة بكتابة قصة قصيرة من وحي التراث وكانت بعنوان "ذكاء إياس"؛ وهي تتحدث عن قاض شكت له سيدة من أن أحد اللصوص يسرق لها شجرة التين في منزلها فأراد أن يكتشف اللص فقال لها ضعي بعض الأعواد في بعض  حبات التين الصغيرة، وأرسل في اليوم التالي أشخاص يأتونه ببعض حبات التين من باعة التين ووضع على كل واحدة منها اسم البائع وهكذا اكتشف اللص.

نشرت قصتي هذه في مجلة "العندليب" حيث كان أخي "مصطفى" مع نخبة من المثقفين قد أنشؤوها كأول مجلة للأطفال بسورية، بعد ذلك بدأت مشواري في مجلات دمشقية "الرقيب" للأستاذ "عثمان شحرور" ومجلة "الدنيا" للراحل "عبد الغني العطري".

وبعد تخرجي من دار المعلمين أصبحت معلماً، بدأت اكتشف بنوع من الشعور بالمسؤولية نحو كتابة القصة وفي ذلك الوقت كانت تصدر بسورية صحيفة "النقاد" الأدبية الأسبوعية وكان من تقبل أن تنشر له كأنه تخرج من أكاديمية أدبية كنت أسعى بأي شكل لأنشر بها وكان لي أن نشرت أول قصة عام /1954/».

الأديب "البحرة" تحدث عن رحلته مع التدريس التي بدأت عام /1953/ بالقول: «درّست من الصف الأول الابتدائي إلى الثالث الثانوي وقد أفاجئك إذا قلت لك إن أجمل سنواتي في التعليم لطلاب الأول الابتدائي، وعشقي لهم هو الذي جعلني أتزوج.

درّست في ثانوية "ابن العميد" بدمشق مادة الفلسفة وهي صعبة جداً لكني كنت أحاول إيصالها بأبسط الطرق لطلابي الذين ربطتني بهم علاقة صداقة وصلت إلى أن يقترضوا المال مني، وعلى الأغلب لايردونه كما درست الآداب والفلسفة بثانوية "ابن سينا" في "بيروت" وبقيت بمهنة التدريس لعام /1980/.

إلى جانب ممارستي للتعليم كنت أمارس الكتابة وأتابع دراستي الجامعية التي أجبرتني الظروف العامة أكثر من مرة للانقطاع عنها وخلال هذه الفترة كنت معلماً، ووصلت في ترفيع الموظفين للمرتبة التي تعطيني إياها الشهادة الجامعية وكان قد بقي لي سنتان في الجامعة وهنا كنت أمام خيار حقيقي هل أتابع الدراسة أم لا، لأنني كنت أقول للناس دائماً أنا لا أؤمن أن الشهادة الجامعية هي التي تجعل من الإنسان مثقفا لكني أتممت دراستي الجامعية لئلا يقال ذات يوم أنني لا أحمل شهادة جامعية.

وأنا اعتقد أن الثقافة شيء لاعلاقة له بالشهادة ودليل ذلك وجود عدد من الأدباء السوريين والعرب لايحملون شهادات "عباس محمود العقاد" والشاعر "محمد البزم" و"سعيد الأفغاني" وغيرهم..».

وبرأي الكاتب "البحرة" أن رسالة الأدب تختلف باختلاف فكر الأديب، وعن ذلك قال: «هناك من يتحدث عن الأدب للأدب على أن رسالة الأدب هي "المتعة والإبداع" وهنالك من يرى أن رسالة الأدب هي "قراءة الواقع الموضوعي والاجتماعي، وتصوير الحياة بما يجيش فيها من تيارات وأفكار"، وأنا أرى أن الأديب الحقيقي يجب أن يجمع التيارين معاً وأن تكون في كتابته متعة في قراءة هذه الكتابة وأن يكون في الوقت نفسه مسؤولاً مصوراً للواقع والحياة الاجتماعية.

وعن الأسلوب الذي اتبعه في كتابتي للقصة أو المقالة فأهم شيء هي السطور الأولى، وأذكر ذات يوم أنني كنت جالساً مع الشاعر الكبير "محمد مهدي الجواهري"   في "مقهى الكمال الصيفي" بالخمسينيات وسألته "كيف تكتب قصيدتك" أجاب "على الأغلب يكون للقصيدة أكثر من مقطع وعندما أصل للمقطع الذي ارتاح له ويرضيني تخرج القصيدة"، وأنا هكذا أعتقد وأعتقد أنه مسكين هو ذلك الكاتب الذي لايستطيع أن يمسك بناصية الكتابة.

وهنا أوجه نصيحة لجيل الأدباء الشباب وأقول "عيشوا حياتكم بصدق وحاولوا أن تستفيدوا من تجارب من سبقكم وكلما استطعتم اقرؤوا أكثر فأكثر"، ومع احترامي للتكنولوجيا وللحاسب المحمول -اللابتوب- فكله لايغني عن الكتاب المقروء».

ويتابع الأديب "البحرة" الحديث عن ذكرياته مع "التلفزيون العربي السوري" الذي بدأ إرساله /1960/، حيث قال: «عملت بين عامي /1962-1963/ كصحفي، وصورت مجموعة من التحقيقات الهامة جداً منها تحقيق لا أنساه صحبت فيه "الروى"، وهو من كان يسقي الناس الماء حيث في الأحياء العالية من دمشق كان "الروى" على حصانه يملأ قربتين بالماء ويجول على المنازل ويعطيهم الماء، وتحقيق آخر صورت محل يمر فيه "نهر القنوات" بمكان هو الآن "وكالة سانا للأنباء"، كان معروف باسم "المقلاة"، وهو موزع لأقسام تذهب لأحياء مختلفة.

وعندما أنشأت "القناة الثانية" كلفني المدير العام "فؤاد بلاط" بإجراء لقاءات مع كبار المثقفين والفنانين والأدباء "عبد الكريم اليافي، فاتح المدرس، عبد الكريم الملوحي، وغيرهم.."، وسجلت عشر حلقات وكان ذلك /1985/ وما زالت الحلقات موجودة مسجلة عندي ولكني أرهقت بالعمل مما اضطرني لإيقافها.

وفي الإذاعة السورية بدأ نشاطي مبكراً وأنا طالب في السنة الثانية بدار المعلمين حيث كان برنامج "ركن الطلبة" الذي استقطب جهود الطلاب بشكل غير عادي من المرحلتين الثانوية والجامعية ويقدمه الشاعر الفلسطيني المذيع "عصام حمال".

وكانت مساهمتي عدة تمثيليات عن التاريخ العربي "يوم ذي قار، واليرموك"، بعدها بدأت أقدم برامج مختلفة والآن أقدم برنامج "الزاوية الثقافية" وبرنامج "أغنية في الذاكرة"».

عن "دمشق" وغوطاتها يتابع الأديب "البحرة" حديثه: «لي كتابين عن "دمشق" وعدد من المحاضرات والمعروف وجود غوطة غربية وشرقية لكن الحقيقة يوجد غوطة جنوبية "المزة، داريا، المعضمية"، وشمالية تشمل بساتين "جنوب حي ركن الدين"، وكان يوجد فيها عدد من القرى التي انقرضت مثل "صبرا ومقرا"، وقد قضى الخليفة العباسي المتوكل أجمل أيامه بداريا وهو برفقة شاعره البحتري وقد ورد ذكر داريا في أكثر من قصيدة عند المتوكل:

"العيش في ليل داريا وقد بردا والراح نمزجها بالماء من بردى"».

الأديب "نصر الدين البحرة" تحدث عن أصدقائه الذين يلتقيهم، حيث قال: «ألتقي كل أسبوعين مع مجموعة من الأصدقاء، وتحديداً في يوم الثلاثاء في مطعم "ضوا القمر"، ويترأس جلستنا الموسيقار "سهيل عرفة"، ويحضر عدد من الأصدقاء مثل "ياسر المالح، علاء كوكش وآخرين.."».

عن يوم لا ينساه في حياته يقول: «يوم سمعت أغنية "الجندول" لمحمد عبد الوهاب كنت في السادسة من العمر وما زلت أذكر المكان والوقت الذي سمعت به، ومنبضع سنين ذهبت لأتفقد هذا المكان، وقد وجدته مازال كما هو في المهاجرين الجادة السادسة.

ألخص حكمتي بالحياة بأقصوصة قرأتها صغيرا ولا أنساها وأقدمها لكل صديق وهي: "صياد اصطاد عصفورا بالفخ لكنه لم يمت، وعندما أصبح العصفور بين يدي الصياد قال له: (ماذا سأغنيك وأي لحم عندي، أطلقني وسأعطيك ثلاث نصائح هامة)، فكر الصياد بكلام العصفور وقال له: (قبل أن أطلقك أعطني النصيحة الأولى) قال: (لاتصدق كل مايقال)، أطلقه فأصبح على الشجرة قال أعطني النصيحة الثانية قال له: (عصفور ياليد خير من عشرة على الشجرة)، أما النصيحة الثالثة :(لا تأسفن على ما فات.(

يذكر أن الكاتب "نصر الدين البحرة" من مواليد دمشق "مأذنة الشحم" "15/8/1934" يحمل إجازة في الفلسفة له ثلاثة أولاد "عمر، عزة، وأمية"، نال عام /1955/ الجائزة الأدبية الثانية بمهرجان "وارسو" الدولي للشباب عن قصته "أبو دياب يكره الحرب".

من بعض مؤلفاته الأدبية "هل تدمع العيون، أنشودة المروض الهرم، محاكمة أجير فران، موشور القصة الجميل، دمشق الأسرار، وغيرها من الدراسات الأدبية والسياسية..".