صياح الجهيم

صياح الجهيم

"صياح جهيم" .. إحياء الأدب في المناهج التربوية 

 

 ضياء الصحناوي 

الخميس 27 شباط 2014

 

يعد "صياح جهيم" المعلم والمترجم والمبدع الأديب من أهم الكتّاب الذين تركوا آثاراً مهمة في الفكر والثقافة السورية والعربية عموماً، وقد حفلت حياته الفكرية والثقافية بالزخم حيث كان يركز على الدراسة الأدبية النقدية والشعر الحديث .    

مدونة وطن "eSyria" التقت الشاعر "شوقي بغدادي" بتاريخ 15 شباط 2014، فقال: «ثمة نوع من المواهب البشرية تعبر عن نفسها بالحديث والحوار والتأثير المباشر في الناس أكثر مما تصنعه في التدوين والتسجيل، و"صياح جهيم" واحد ممن يملكون هذه الموهبة، فأهميته لا تنحصر فيما نشره من كتب بقدر ما كانت في موهبته كمحدث ومعلم، وحين أستعيد ذكراه الآن أتذكر الحوارات التي حضرتها له، أكثر مما أتذكر كتبه، أتذكر مثلاً في جلساتنا الفكرية الثقيلة كيف كان يصغي بانتباه عميق لما يسمعه من دون أن يقاطع أحداً، فإذا جاء دوره ساد على الفور صمت يشبه الخشوع المشوب بالفضول. كان يبدأ مداخلته بإعادة الأفكار المطروحة والمشتتة إلى صوابها، وقد شرعت تخرج عن مسارها، فإذا هدأت الخواطر بعض الشيء وضعنا جميعاً أمام الإشكال الأساسي من خلال التناقضات التي تفجرت في بعض الأحاديث كي ننتبه إلى أن الرجل يمتلك عقلاً أكثر اتزاناً، وسيطرة على موضوعه مما لدينا، وإذا به وحده يفيض بالحديث ونحن أشبه بالتلامذة المحيطين بأستاذهم ننهل من فيضه المتماسك وقد بدا واضحاً أن لا أحد يرغب في مقاطعته، غير أنه لم يكن يطيل بل تراه يعمد إلى تذكير كل فرد منا بما قاله كي يدفع أحدنا بالاسم الصريح أو بالتورية اللماحة التي تبدو أشبه بالمداعبة المحرضة، فإذا استجاب الشخص عاد إلى صمته وإصغائه العميق».

وتابع: «كان "صياح جهيم" معلماً كبيراً بحق ولو خطر لأحد الملازمين إياه أن يسجل بعضاً من أحاديثه وحواراته في كتاب إذن لكان ممكناً أن نتحدث اليوم عنه أفضل بكثير مما نحاول صنعه الآن، ولعل أبلغ شاهد على حضور شخصيته المحببة أن سكان "السويداء" من طائفة الموحدين، وهم أكثرية أهل المنطقة حيث لم يكتفوا عند وفاته بالمشاركة في عزاء أسرته المسيحية في الكنيسة أو الدار بل عمدوا إلى تخصيص احتفال مأتمي به في "الموقف" الذين يجرون فيه تعازيهم التقليدية كأنه واحد منهم، ولماذا لا أقول إنه كان واحداً منهم بحق كما تقتضي أصول العشرة الصادقة الطويلة التي صنعت منه معلماً لا ينسى في بيئة وفية».

الأديب الدكتور "علي القيم" كتب عنه في مقدمة الكتاب الذي أصدرته وزارة الثقافة بعنوان ("صياح جهيم" مبدعاً لبراعم أيامنا) موضحاً حضوره الثقافي والأدبي بقوله: «هو الباحث عن قضايا الرواية الحديثة في الأدب الأوروبي وأفكار الثورة الفرنسية. عاش حياة حافلة بالعطاءات والإنجازات الأدبية والتربوية التي تركت آثارها الإيجابية على أجيال من المثقفين والمربين والطلاب والباحثين عن المعرفة والأدب والحب وروعة الكلمة في الأدب العالمي. كان في كثير من كتاباته النقدية يضع كل شيء موضع التساؤل، ويعتبر الشك طريقاً للمعرفة، وعبرها تكون الحرية، وأعتقد أنه في ذلك كان متأثراً بأفكار "أرسطو" ونعم التأثر، فالسمة الأساسية التي وسمت أعماله الجمالية، وشغفه الذي لا حدود له للغة العربية، فهو يعدّها أجمل اللغات وشعرها أجمل الأشعار».

أما الباحث الأستاذ "قاسم وهب" صاحب العديد من المؤلفات الأدبية والتحقيقات الكبيرة، وصاحب المعجم اللغوي العامي، وأحد تلامذته، فقال: «كان الراحل أحد المكلفين بتعديل المناهج التربوية فأدخل في تدريس الأدب موضوعات لم تكن موجودة من قبل، منها المذاهب الأدبية، وبالشعر الحديث الذي كان في نظر الكثيرين من البِدَع التي لا ينبغي لها أن تفُسد أذواق الناشئة، وركز على دراسة النصوص الأدبية واستخلاص الأحكام النقدية من خلالها، وتولى مهمة الكتابة عن الشعر الحديث ممثلاً بواحد من أبرز أعلامه وهو الشاعر "بدر شاكر السياب" في الوقت الذي كانت فيه دراسة الشعر الحديث بعيدة عن التداول الأكاديمي والرسمي في المدارس والجامعات العربية على اختلافها، ومن مناقبه إيمانه بحرية الرأي وقدرته على قبول الآخر في زمن كان الاختلاف في الرأي يفضي إلى الخصومة والقطيعة. وعن نظرته في الشعر وحداثته يرى أن حداثة الشعر الحديث هي مجموعة من القيم المعنوية والفنية، والثورة على الأوزان التقليدية قيمة من بين تلك القيم».

وفي اللقاء الذي أجرته معه الصحفية والأديبة "صالحة نصر"، الذي تحدث فيه "جهيم" عن حياته وأعماله، قال: «ولدت في قرية "كناكر" قرب مدينة "السويداء" في العام 1929، تعلمت في المدارس الابتدائية في عهد الاستعمار الفرنسي البغيض، وتعلمت اللغة الفرنسية قبل تعلمي اللغة العربية، وقرأنا في المرحلة الابتدائية روايات "جرجي زيدان"، وكتابات "جبران"، وقصص "المنفلوطي"، فملت إلى الرومانسية التي كانت سمة العصر آنذاك. وفي عام 1948 حصلت على الشهادة الثانوية، وانتسبت إلى جامعة "دمشق" فحصلت على شهادة في آداب اللغة الفرنسية، وعلى إجازة في آداب اللغة العربية، ودبلوم في التربية، ثم سافرت بعدها إلى فرنسا».

وتابع حديثه عن الأدب وعلاقته بالأرض والوطن: «لم أكتب عن "جبل العرب"، مع أن فيه جمالاً ومع أن له تاريخاً طويلاً، ومع أن فيه بطولات فردية وجماعية يمكن أن تكون مادة خصبة، مادة ملهمة للأدب والفن، ومع أن الناس يتناقلون هنا ذكرى الماضي، وهي ذكرى حافلة بالنضال الذي نحن الآن في أشد الحاجة للتمسك به. هناك تقصير عام وليس تقصيراً خاصاً، فالأدب يمكن أن يصور الواقع، لكنه يمكن أن يكون أعظم فينبئ بالواقع، ويسهم في صنع الواقع، ويؤذن بذلك الواقع، فهل قام الأدب بهاتين المهمتين في وطننا؟ إنما أنا أزعم أننا مقصرون في كتابة التاريخ ذاته، لأننا نكتب التاريخ لمدارسنا ولغير مدارسنا بشكل موجز وجاف. ولو أن هذا التاريخ كتب بواقعيته ذاتها وفي تفاصيله الجزئية الحية المميزة، لكان أدباً كأعظم الأدب.. فالتقصير يقع علينا وعلى غيرنا».

وقد رثاه الشاعر "فالح فلوح" صديقه وزميله بقصيدة رائعة، قال فيها:

«مُرٌ فراقُكَ، في الصميمِ رَمانـي ومُجَدِّدٌ ما ماتَ من أحزانـي

 مهلاً أخي صيّاح، أنّـى نلتقـي شطَّ المزار، وليس ثَمَّ تدانـي

 شيمٌ من النبعِ الأصيلِ ورثـتِها وعراقةٌ غَرَسَتْ وطابَ الجاني

 العبقريةُ لا تجودُ على المـدى هيهات أن يهبَ الزمانُ الثاني

 إيه سويـداءَ العُروبـة شيّـعي ابنـاً لك بالـورد والريحـان

 كنتِ المُعيـنَ له على إبداعـه بالعطف، والتشجيع والعرفان».

له ثلاثة أعمال مؤلفة هي: "خليل مطران" الشاعر، وملامح من "حنا مينا"، و"رامبو" شاعر الصبا والحداثة.

أما أعماله المترجمة فهي أربعة عشر مجلداً من أعمال تولستوي، ومرآة ظلال الشعر، والرومانسية في الأدب الأوروبي (جزآن)، والثورة الفرنسية للكاتب "بريشت"، وثلاثة كتب مع تقديم وديوان "بابلو نيرودا"، وقضايا الرواية الحديثة – ترجمة وتعليق، والنقد الفني، وأسطورة "أوديب"، وغرادينا لعالم الفلسفة "فرويد"، وكلمات "أوريليان آراغون وأجراس بال "آراغون"، وإيفيت وقصص أخرى "موباسان"، ونحو حرب دينية "جورج غارودي"، والأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية "جورج غارودي"، بالاشتراك مع الأستاذ "حافظ الجمالي".

وأميركا طليعة الانحطاط، بالاشتراك مع "ميشيل خوري"، وغيرها الكثير. أما الكتب التي ألفها لمصلحة وزارة التربية السورية فهي: التراجم والنقد لطلاب الشهادة الثانوية، و"السياب" والمذاهب الأدبية 1969، والتراجم والنقد لطلاب المرحلة الثانوية، و"محمد مندور" والمذاهب الأدبية 1980، وكتاب الأدب العربي لطلاب الثانوية العامة.

والراحل عضو جمعية النقد الأدبي عمل في الترجمة منذ العام 1976 وحتى العام 2000، وأنجز ما يقارب أربعين عملاً فكرياً وأدبياً مترجماً

 أوفد إلى فرنسا عام1980 من قبل وزارة التربية في "سورية" بالتعاون مع وزارة التربية الفرنسية للاطلاع على المناهج في العلوم الإنسانية ومقارنتها مع المناهج في القطر العربي السوري.

وقد قال في إحدى كلماته: "الإنسان أعظم تعقيداً من أن تلخصه بضع كلمات".