صلاح الدين المنجد

صلاح الدين المنجد

"صلاح الدين المنجد"... حقائق المخطوطات الدمشقية

 روشاك أحمد

بدأ الدكتور "صلاح الدين المنجد" أبحاثه من مكتبة المكتبة الظاهرية، ليقدم لدمشق المدينة والتاريخ مخطوطات توثيقية وتحقيقية في تاريخها عبر العصور الماضية.   

موقع "eDamascus" بتاريخ 1/1/2012 التقى الدكتور "مراون المحاسني" رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق ليقول: «إن انطلاق الدكتور "صلاح الدين المنجد" في رحلة طويلة مثمرة في ميادين العلم والفكر يستند إلى مراحل قد تبدو متباينة حين تقاس إلى ما نعرفه عن حياته وإنتاجه، فهو قد جمع دراسة الحقوق وصولاً إلى الدكتوراه في القانون الدولي والتاريخ، إلى شغف حقيقي بالفن الإسلامي والخطوط العربية التراثية، ودراية عميقة بآثار الفن العالمي الموفورة في متحف "اللوفر" في "باريس"، وهذا يعني أنه من القلة الذين لم يحصروا أذهانهم في فرع من فروع المعرفة، بل بقوا يستقون من الفروع الأخرى ما يفتح أبواب المقارنة والإحاطة بالشذرات قبل تمثيلها حتى تنتظم في كل معرفي منتج.

لقد أتاحت للدكتور "المنجد" نشأته في بيت دمشقي محافظ أن يدخل إلى صميم اللغة والتراث، فتعلق بكل ما يخص "دمشق" في التراث العربي، واهتم بدراسة مخطوطات الظاهرية، وقام بفهرستها، وبدأ ينشر منها ما يراه تعريفاً بآثار "دمشق"، وهذا انتهى به إلى إصدار كتاب عنوانه "مخطط دمشق القديمة" وقد أثبت فيه دقائق ما يعرفه عن أسوارها، أبوابها، أحيائها ودروبها.

لقد استولى عشق "دمشق" على الدكتور "المنجد"، فراح يؤلف في معظم خصائص "دمشق"، يصف حماماتها، ويبحث عن دور القرآن، ويدرس تاريخ وتطور بيمارستانها، ويستخلص من كتب التاريخ ما يخص "دمشق"، ذاكراً الآثار المخطوطة للمؤرخين الدمشقيين، وتاريخ ولادة مدينة "دمشق" وأمرائها، ويترجم مؤلفات معظم المستشرقين عنها، معلقاً على مؤلفاتهم، وكان أول من تصدى إلى تحقيق ونشر أهم ما كتب عن "دمشق"، وهو "تاريخ مدينة دمشق" لابن عساكر، وكان له الفضل في وضع المنهاج العلمي المناسب لتحقيق ذلك المؤلف النفيس، وقام بنشر المجلد الأول والقسم الأول من المجلد الثاني عام 1954، ومازال مجمعنا يسعى إلى إتمام نشر المجلدات الثمانين التي يتألف منها الكتاب، وقد تجاوز العمل المجلد الستين.

إن مسار الدكتور "المنجد" الفكري في تلك المجالات التي يصب معظمها في حياة "دمشق" وحضارتها وأخلاقها، ومكانتها، مسار ينطبق عليه ما عرف في الأدب العالمي بالنزعة الإنسانية، وهي المسار الفكري الذي يضع الإنسان والقيم الإنسانية على مستوى أعلى من القيم الأخرى المسيطرة على التعامل بين الأفراد في المجتمع، والتي غالباً ما تعتمد النفعية والأثرة، وتحصر الإنسان في نطاق فرديته، ومصالحه الضيقة.

فإن رجوع الدكتور "المنجد" إلى النصوص القديمة، وبذله المجهود الدؤوب للوصول إلى حقائق ومرتكزات الحضارة الدمشقية قد أدخله في تسلسل يجمع فيه بين دور القرآن وتعاليمه ومنطلقاتهم الإيمانية، وبين الخدمات الإنسانية التي يقدمها البيمارستان، ليربط ذلك بالعادات الشعبية التي درسها في كتاب "محمود العدوي" عن الزيارات بدمشق، وهذا ما انتهى به إلى ما نعتبره موقفاً فلسفياً يتمحور حول تيار فكري إنساني، تتضمنه هذه النصوص القديمة وتنطق به، ليعرض أمامنا نماذج حياتية ومسارات فكرية ومواقف إنسانية يمكن أن نقوم بتحليلها ثم اعتمادها في بناء فكر نهضوي يستقي من ينابيع تراثنا ما يعيد الإنسان إلى لب الاهتمامات في حياة المدينة، وبذلك يكون قد أعطى مدينة "دمشق" حقها بوتقةً تصهر من فيها، لتجعل منهم كتلة بشرية تتفاعل مع الأحداث، وتتجاوز صروف الدهر، لتبقى واعية لقيمها ملتزمة بأصالتها».

الدكتور "مازن المبارك" العلامة واللغوي وأحد أصدقاء "المنجد" يقول: «إن من حق الدكتور "المنجد" أن أنشر عنه ما لم ينشر وأن أذكر عنه ما لم يذكر، وأن أتحدث عنه بغير ما شاع وانتشر، لأعطي الصورة التي عرفتها عنه وأذكر ما ترك في نفسي من أثر، فإن الدكتور "المنجد" صنو "قاسيون" في نفسي التصاقاً بدمشق، وصلابة في الخلق، وكلاهما جبل دمشقي، لكن "قاسيون" جبل من حجر، والدكتور جبل من العلم والثقافة، ورأيت له مواقف كان فيها أصلب من الحجر، عرفته في فجر شبابه فتى يلفت النظر بنظاراته وأناقته وسرعة خطواته وخفة حركته، كان مثاله نادراً في أحياء "دمشق" القديمة، ولم اكن أعرف عنه سوى أنه ابن الشيخ "المنجد" ولأبيه شهرة واسعة واسم كبير، وكنت أقدر أنه يعرف نسبتي إلى أسرتي ولا يعرف اسمي، كنت أراه ويراني كل يوم، كانت نظراتنا سرعان ما تتلاقى وسرعان ما تفترق دون  

تحية أو سلام حتى التقينا ذات يوم وجهاً لوجه في باحة مجمع اللغة العربية بباب البريد فابتسم كل منا للآخر وامتدت الأيدي وتصافحت الأكف، سألني عن اسمي ودراستي وعن والدي وأخي وكان على معرفة بهما، ثم تكررت هذه اللقاءات التقليدية الباردة غير مرة، إلى أن غبت عن المجمع وانتظم دوامي في الجامعة فلم أعد أراه، وسافرت إلى "القاهرة" في أواخر عام 1954، ولم أكد أستقر حتى سمعت أن الدكتور "المنجد" مدير معهد المخطوطات" في الجامعة العربية فبادرت إلى زيارته في مكتبه واستقبلني ببسمته اللطيفة وكلماته الجميلة، لقد كان الابن الروحي للأستاذ "محمد كرد علي" كما أطلق عليه "كرد علي" نفسه وكما أشار هو نفسه إلى ذلك بقوله إن حادثة اتصالي بكرد علي كانت حدثاً هاماً في حياتي الثقافية، وكان الأستاذ "كرد علي" الابن الروحي للشيخ "طاهر الجزائري"، فقد كان يقول عنه شيخي وأستاذي صدر الحكماء الذي أشرب روحي حب العرب، ولقد كانت وصية الشيخ "طاهر" لكرد علي هي وصية "كرد علي" للدكتور "المنجد"، ألم أقل إنه كان يتعاقب أمامي على الإطار ثلاث صور إحداها للشيخ "طاهر" والثانية لكرد علي والثالثة للمنجد؟ إنها مدرسة واحدة تمثل بخصائصها علماء "دمشق"».

 

د."المنجد" الاول من الجالسين يميناً

 

الدكتور والباحث التاريخي "عفيف البهنسي" يحدثنا عنه فيقول: «تربطني بالعالم المحقق "صلاح الدين المنجد" رابطة المودة والتقدير، ورابطة وحدة الاهتمام بالكتابة عن "دمشق"، تاريخها وحضارتها، وبالبحث في الخط العربي بوصفه إبداعاً عربياً إسلامياً متميزاً عن باقي الخطوط العالمية.

ولد "صلاح الدين المنجد" في "دمشق" 1920 لأسرة دمشقية في بيت عربي في حي "القيمرية"، ودرس في "دمشق" حتى أنهى دراسة الحقوق ثم حصل على شهادة الدكتوراة من جامعة "باريس"، منذ أن كان طالباً جامعياً توطدت علاقته بالعلامة "محمد كرد علي" الذي اكتشف في دراسته الأولى التي نشرها في مجلة "الرسالة" في القاهرة نبوغاً وتميزاً، ودعاه إلى تجنب الكتابات السريعة، وعندما سأله نصحه قال له العلامة "كرد علي" عليك بالمكتبة الظاهرية وفيها سبعة آلاف مخطوط، اقرأها وستصبح عالم "دمشق"، ولم  يتردد في تنفيذ نصيحة مرشده فالتزم المكتبة الظاهرية مبحراً مع مخطوطاتها.

وعندما عين في مديرية الآثار تجسد اهتمامه بالكتابة عن "دمشق"، فأصدر مجموعة من الكتب عن هذه المدينة، منها "مخطط مدينة دمشق"، وحقق كتاب "مختصر تنبيه الطالب وإرشاد الدارس" للنعيمي، وكان ينشر بعض دراساته في مجلة المجمع وفي مجلة "الرسالة" بالقاهرة، وامتثل لنصيحة أستاذه "كرد علي" بالعمل على تحقيق بعض أجزاء من كتاب "تاريخ دمشق" لابن عساكر.

عرف الأستاذ الراحل بأبي المخطوطات وفي عام 2009 قدم في ندوة مجمع اللغة العربية ودار الكتب في "القاهرة" على أنه من شوامخ المحققين، وأنه العالم والأستاذ والمؤرخ والمبدع، وابن "دمشق" البار بالكتابة عن تاريخها وأدبها والمباشرة بتحقيق أهم مرجع لها».