سامي الدهان

سامي الدهان

" سامي الدّهان".. تحقيق وتأليف وتدقيق على "درب الشوك" 

 

 كمال شاهين 

الجمعة 24 كانون الثاني 2014

 

 لا ينسى كثيرون من أدباء العربية فضله عليهم، فقد حقق أهم الكتب التراثية ونقلها إلى دائرة الضوء، وقدّم مؤلفات كثيرة في الأدب والنحو والإملاء والتاريخ، كما أنه أحد أوائل الذين نالوا شهادة "الدكتوراه" في "سورية" من جامعة "السوربون" المعروفة.    

يتحدث لمدونة وطن "eSyria" الدكتور "أحمد عصلة"، من قسم اللغة العربية، كلية الآداب بجامعة "الكويت"، وقد نال شهادة الماجستير في كتابات وأعمال "سامي الدهان"، وهو من مدينة "حلب" بتاريخ 20 كانون الثاني 2014، فيقول: «بلغ عدد الكتب التي حققها المرحوم "محمد سامي الدهان" تسعة وعشرين كتاباً ما بين تحقيق وتأليف وتدقيق في مختلف مجالات الأدب العربي وفروعه، وبلغ به ولعه بالأدب العربي أن جال "أوروبا" كلها باحثاً ومنقباً عن مخطوطات تراثية عربية نقلت إليها وطواها النسيان، فحقق مثلاً: ديوان "الوأواء الدمشقي" وبفضله عرفه قراء الشعر العربي للمرة الأولى، إضافة إلى إنجازات شتى في ميادين الأدب والترجمة والتأليف».

أما رفيق دربه الشاعر الراحل "عبد الله يوركي حلاق"، فقد كتب عنه مقالاً نشره في مجلة "الضاد" (التي أسسها "حلاق") في ذكرى رحيله الثالثة: «ولد في مدينة "حلب" بتاريخ 9 نيسان 1912، وربيّ في كنف أسرة محافظة، وما كاد يتعلم القراءة، حتى أكبّ على القرآن الكريم، يحفظ كثيراً من آياته وسوره، ويتزوّد مما فيها من بلاغة وفصاحة وإعجاز».

انتقل بعد إنهائه للابتدائية إلى الإعدادية (مدرسة التجهيز)، وكانت تسمى وقتها بمدرسة "السلطاني"، وهي من أوائل المدارس العثمانية في "حلب"، وفي هذه المدرسة درس الترجمة والتعريب عن الفرنسية التي ظهرت أوائل ترجماته منها قبل بلوغه العقد الثاني من عمره في مجلة "الضاد" في أول أعدادها عام 1931، فترجم للشاعر والروائي الفرنسي الكبير "فيكتور هوجو Hugo" مقالته: "لستُ أخشى الشيخوخة"، كما عرفته مجلة "الكلمة" أيضاً في نفس العام مترجماً لـ"هوجو" أيضاً رسالته إلى "نابليون الثاني".

ويضيف الشاعر "حلاق" بقوله: «في تلك الفترة تعرفته، فأعجبت بأدبه واندفاعه وطموحه، وشغفني بحسن 

حديثه، وخفة روحه، ولطف عشرته، وسرعة بديهته، كان مرحاً ومحدثاً لبقاً، يضفي على سامعيه النكتة الحلوة، والأحاديث الطريفة التي تشرح الصدور، وترنّح الأعطاف».

بعد انتهائه من التعلم انتقل إلى التعليم في مدراس "حلب" بدءاً من العام 1936، مع انخراطه في التعليم وجد الفرق شاسعاً بين الأساليب الحديثة في التعليم والأسلوب الرسمي، فترجم ونشر كتاب "البيداغوجيا: الممارسة" لـ "شاربيه"؛ وهو يتناول أساليب التعليم الفرنسية الحديثة، وعمل بما فيه من تعليمات، وقد صدّر هذا الكتاب الشاعر السوري الكبير "عمر أبو ريشة" بقصيدة تطري على الكتاب، كما قدمه الشيخ "بدر الدين النعساني" عضو المجمع العلمي العربي في "دمشق" يومئذ، ثم أتبعه بكتاب "الكتاب: نصوص وقواعد"، ويقع في جزأين صغيرين، طبع سنة 1936 أيضاً.

كان الراحل مولعاً بالفرنسية، ولذلك ما أن أُعلن عن بعثة دراسية إلى "فرنسا" عام 1936، حتى تقدم لها ونجح في مسابقتها بالمرتبة الأولى ما أهله إلى متابعة دراسته في الأدب العربي في جامعة "السوربون" الشهيرة، فأنجز الليسانس (الإجازة)، ثم اختار موضوع أطروحته لشهادة "دكتوراه الدولة" الشاعر "أبا فراس الحمداني"، فطاف أوروبا بحثاً عن مخطوطات ونسخٍ لديوان هذا الشاعر الكبير، فأضاف قصائد جديدة إلى قصائده المعروفة، حققها ودققها وناقشها مع كبار المستشرقين، أمثال: "جان سوفاجيه"، و"هنري ماسييه"، وطبع الديوان لاحقاً في مطبعة الآباء اليسوعيين في "بيروت" عام 1944 في ثلاثة مجلدات.

عاد إلى "حلب" مع وصول نيران الحرب العالمية الثانية إلى باريس مطلع 1940، وفيها عاد إلى التعليم في المعهد الفرنسي العلماني "اللاييك" في "حلب" مع رفيق عمره الشاعر "عبد الله يوركي حلاق"، وبعد انتهاء الحرب عاد إلى باريس، وناقش رسالة "الدكتوراه"، فنالها بتقدير  مشرِّف جداً، وظفر بتهنئة خاصة من اللجنة الفاحصة، ليعود إلى "دمشق" وينتدب بقرار جمهوري عضواً في "المعهد الفرنسي للدراسات العربية العالية"، التابع إلى جامعة "السوربون"، فانصرف إلى تحقيق طائفة من أهم كتب تراثنا الأدبي، مثل: "ديوان الوأواء الدمشقي"، و"زبدة الحلب من تاريخ حلب"، لـ "ابن العديم"، و"طبقات الحنابلة لـ "ابن رجب"، وكانت باكورة تحقيقاته وأهم أعماله الأدبية في نظرنا، قد تجلّت في "ديوان أبي فراس الحمداني"، كما يقول الشاعر "حلاق" في مقالته السابقة.

لم يلبث مجمع اللغة العربية في "دمشق" أن انتخبه عضواً عاملاً فيه في شباط 1953، بعد أن ذاعت شهرته كمحقق لغوي بارز، وأديب قدير، ومترجم ترجم عن الفرنسية روائعها، كما تلقى دعوات لزيارة جامعات العالم المرموقة، ومنها: الجامعات الأميركية، والسوفياتية (آنذاك)، إضافة إلى جامعات في مختلف أصقاع العالم، كما اختير عضواً في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب زمن الوحدة، وعضواً في المجمع اللغوي العراقي أيضاً.

أصيب الراحل "الدهان"، في مطلع آذار 1969، بمرض عضال انتقل إثره إلى فرنسا وأميركا للعلاج، إلا أن المرض لم يمهله طويلاً بعدها، فتوفاه الله في 20 تموز 1971، ونقل جثمانه إلى "حلب"؛ حيث ووري الثرى في ترابها الطاهر.

كتب الراحل تسعة وعشرين كتاباً أكثر من نصفها من تأليفه، من أبرز عناوين مؤلفاته: "الغزل"، في جزأين عام 1955، عن دار المعارف في "القاهرة"، تلاه ضمن سلسلة "فنون الأدب العربي" كل من كتب (المديح، الهجاء، الوصف) ضمن نفس السلسلة، وآخر ما كتب الراحل سيرته الذاتية في كتابه: "درب الشوك".

في أربعين رحيله كرمته الشهباء بحفل تكريمي مهيب، وبعد عامين تقريباً تبرعت عائلته بكامل مكتبته إلى جامعة "حلب" إخلاصاً لذكرى فقيدهم، وقامت الجامعة بتكريمه، فأطلقت اسمه على إحدى قاعات كلية "الآداب" عام 1975، كما أطلق اسمه على أحد شوارع العاصمة "دمشق".

ممن تحدث عنه الباحث المصري "محمود شاكر"؛ وهو من أعلام المحققين العرب أيضاً، وصادقَ الراحل لسنوات طويلة عند رحيله، فقد قال: «فقد أهل العلم برحيله رجلاً كبيراً من العلماء، وفقدته أنا معهم ضعفين من الفقد، فقد كان صديقاً وباحثاً مجداً لا يألو جهداً أبداً». (في كتابه عن المتنبي).

ومما قاله الراحل "الدهان": «الحياة عطاء وتجديد وإبداع، ومن حقنا أن نعطي من ذوب قلوبنا، وعصير أدمغتنا، لنكون جديرين بالعيش الكريم، وبمحبة الأجيال الصاعدة».