"سارة الخوري" المرأة الزبدانية الأولى سياسياً

"سارة الخوري" المرأة الزبدانية الأولى سياسياً

 روشاك أحمد

 

"سارة حبيب الخوري" من مواليد "بلودان" عام 1896 والمتوفاة عام 1982، سيدة تركت بصمتها في قلوب سكان منطقة "الزبداني"، وبلدتها "بلودان" على وجه التحديد، فكانت أول امرأة من تلك المنطقة الريفية تتدخل بشؤون السياسة وتبني علاقات اجتماعية مرموقة مع السلطة لتدلي برأيها في الشؤون السياسية ويأخذ به عادة، ولم يكن وسيطها لذلك الا رجاحة عقلها وشجاعتها، الا أنها اسم لم ينل الشهرة خارج حدود تلك المنطقة، بل ظلّت سيرة منقولة على لسان الأجداد للأحفاد.

موقع "eSyria" التقى الكاتبة "نعمت قاسم موسى" المهتمة بشؤون التراث، وحدثتنا عن "سارة" السيدة التي عرفتها منطقة "بلودان" منذ ما يزيد عن قرن مضى وحفر اسمها في أذهان من قابلوها أو سمعوا عنها:

«نشأت في منزل والدها نشأة متفتحة بحكم مركز والدها الاجتماعي كونه مختار الضيعة، ومسؤول عنها أمام رجال الحكم العثماني أيام "جمال باشا" والاحتلال الفرنسي، كانت تتمتع بشخصية قوية جداً، ولم تدخل أي مرحلة تعليمية أي أنها أمية لا تقرأ ولا تكتب، لكنها امتلكت الذكاء، الحنكة، الحكمة، تدارك الأمور، حسن التصرف أمام الحوادث والصبر في الملمّات».

تتابع "نعمت": «كانت "سارة" تبحث عن أصحاب الحقوق المهدورة لتساعدهم وترد لهم حقوقهم فكانت السبب الأول في تسريح مدير شؤون الخدمات في محافظة دمشق بسبب تعامله مع الناس بصورة غير شرعية، تدلي برأيها بصلابة عندما تكون على حق فتدافع وتصدر أحكامها وتنفذ في سبيل نصرة المظلوم، فكانت لا تسكت عن الحق ولا عن الخطأ سواء كان بين الناس أو بين الناس والدولة، تحاسب المسؤولين بجرأة وشجاعة، ويقال أن في تلك الفترة أخطأ مدير منطقة "الزبداني" فوقفت بوجهه حتى استطاعت أن تقيله من عمله بصلابة موقفها منه لأنه أخطأ».

وعن علاقاتها الاجتماعية تحدثنا: «هي المرأة الأولى في اختيار الأصدقاء وأصحاب الرأي وذوي المسؤوليات.

كانت لها علاقة قوية جداً مع الرئيس الراحل "شكري القوتلي" رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء "سعيد الغزي"، إضافة إلى معظم زعماء آل العظم "نزيه العظم"، "ناصر العظم" و"سعاد العظم"، الأمر الذي ساعدها على إقامة صداقة ومعرفة قوية جداً مع قائد الدرك في تلك الفترة "هاريف" في الفترة الأولى للاستقلال».

تضيف: «بحكم اتصال هؤلاء بوالدها "الأفندي" استطاعت من موقعها الاجتماعي أن تتوسط لأخيها "جورج" عندما اعتقله الفرنسيون وأخذوه إلى "قطنا" للمحاكمة، فذهبت مشياً على الأقدام إلى مكان المحاكمة لتستطلع السبب في اعتقاله، وتمكنت من الدخول إلى مقر المستشار الفرنسي وتفاهمت معه واستفسرت منه باللغة العربية، فأفرج عن أخيها وعادت معه إلى "بلودان" وعاد مختاراً كما كان قبل اعتقاله».

وعن حادثة أخرى يحدثنا السيد "عبد الله حبيب المصري" مواليد 1932 مختار بلودان منذ ثلاثة عقود: «صدر حكم بالإعدام بحق عمّيها "عيسى" و"نجم" أيام الدولة العثمانية لأسباب عسكرية أيام "جمال باشا السفاح" فلحقت بالفرقة العسكرية العثمانية التي أخذتهما حتى وصلت إليهم والتي كانت على بُعد مسافة بعيدة من الضيعة، وبقوة جسدية كبيرة وقوة خوف على عميها أمسكت قائد الفرقة وهو على ظهر حصانه من ذراعيه وأنزلته عن الحصان فأوقعته أرضاً وركض العناصر لإنقاذه، فما كان من العمّين "نجم" و"عيسى" إلا أن هربا واختفيا عن الأنظار وعادت هي إلى الضيعة لأن قائد الفرقة كان لا يحاسب النساء في ذلك الوقت».

تعود "نعمت" للحديث: «في تلك الفترة بعد الاستقلال كانت "بلودان" مركزاً للمسؤولين الكبار، وعندما أراد "سامي باشا" زيارة "بلودان" جمعت جميع نساء الضيعة وتقدمتهم لاستقباله مع الرجال بالزغاريد والأغاني وكان الهتاف الذي هتفت به "سامي باشا لا تهتم، حولك ناس بتشرب دم"، واستقبلته باسم النساء فشكرها على ذلك وجاد عليها بالأموال والقمح لتوزيعها على الأهل والأصحاب والأقارب وكل أهل "بلودان"».

تضيف: «عندما كانت تزور "دمشق" كانت تقوم بزيارة رئيس الجمهورية "شكري القوتلي" مع أفراد عائلتها في منزله، ويستقبلهم بدوره استقبالاً حاراً ثم تتناول الغداء عندهم وتعود إلى "بلودان" بسيارة رئيس الجمهورية، كما كانت تزور رئيس الوزراء "سعيد الغزي" في منزله الذي كرمها إكراماً كبيراً، فتبدي رأيها بأحوال الدولة ، وفي أكثر الأحيان يؤخذ برأيها لصالح الناس لرجاحة عقلها وحكمة رأيها، وهذا الأمر ساعدها على الإفراج عن ابن أختها عندما سجن بسبب حمله السلاح فعجز الجميع عن مساعدته وجاء دورها فذهبت إلى "دمشق" وبأسلوب عاقل متفهم واتزان كامل استطاعت الحصول على عفو له، وأفرج عنه في نفس الساعة وعادت معه إلى "بلودان" وسط إعجاب الجميع وشكرهم لها لحسن تصرفها وصدقها في عملها».

تنهي السيدة "نعمت قاسم موسى" حديثها لنا عن تلك المرأة الريفية التي باتت قدوة لكل من سمع عنها في منطقة "الزبداني" وما حولها: «كانت كريمة جداً تقدم الطعام للجميع ولكل من يدخل بيتها، كما تشارك في إعداد طعام الأفراح والأحزان وتكثر من مواساتهم، تقوم بواجباتها كاملة من زيارة المرضى وإطعام المحتاج، ومساعدة كل من يقصدها، وكان شعارها الذي تردده على مسامع الناس "طعمي بفوح كلو بروح".

رحم الله هذه المرأة المثل الأعلى لكل امرأة في "بلودان" فلم يرزقها الله بولد لوفاة زوجها، لكنها استطاعت أن تربي أولاد أخيها تربية صالحة ناجحة مليئة بالقيم والأخلاق، وحب الناس، ومساعدتهم، والصدق في تعاملهم والرحمة في عملهم.