"مصطفى النجار".. للكلمة رسالة نبلية يجب أن نعيشها بصدق

 

 

الاثنين 20 كانون الأول 2010

لم يتجاوز الأديب "مصطفى النجار" العشرين عاما حينما صدرت أولى مجموعاته الشعرية، التي كانت خير برهان على ولادة قامة أدبية شكلت فيما بعد تجربة أدبية جديرة بالاحترام والتوقف عندها. فتناولها النقاد في العديد من الكتب والدراسات الأدبية. واستند عليها العديد من الطلاب في رسائل الماجستير والدكتوراه.

 

 

وللتعرف على بعضِ من التجربة الأدبية للأديب الشاعر "مصطفى النجار"، وموقفه من العديد من القضايا الأدبية التقينا به في eAleppoوكان الحوار التالي:

* لمن لا يعرف بدايات "مصطفى النجار"، ماذا نقول له؟

** البداية كانت في "منبج"، هذه المدينة الجميلة الخضراء، والتي رحلت إليها مع أهلي أواخر الأربعينيات، ودرست فيها الابتدائية والإعدادية. في "منبج" كتبتُ أول محاولة شعرية، أو قرزمة كما يقال، ثم بدأت أطالع كل ما أجد من الكتب الأدبية. وشاركت بشكل مبكر في أنشطة المركز الثقافي وفيه قدمت أول محاضرة لي وأنا ابن سبعة عشر عاما وكانت عن الشاعر القروي "رشيد سليم الخوري".

في العام 1963 أصدرت أول مجموعة شعرية بعنوان "شحارير بيضاء". وفي تلك الأيام اجتمع في قلبي حب الشعر بالإضافة إلى حب الصحافة والفنون، فمارست الصحافة وأنا في "منبج"، فعملت مراسلا لجريدة "آخر دقيقة"، فكنت أزودها برسالة يومية تعنى بالمشاكل الخدمية لأبناء المدينة إضافة للقصائد والمقالات الأدبية. وخلال دراستي للزراعة في كل من "سلمية" و"دير الزور" كتبت العديد من القصائد المستوحاة من تجربة الغربة التي عشتها مبكرا، ومن ثم تجربة التعامل مع أنماط مختلفة من الطلاب في العديد من محافظات القطر.

* في العام /1963/ أطلقتَ ديوانك النثري الأول "شحارير بيضاء"، ومن ثم انتقلتَ لكتابة الشعر العمودي وشعر التفعيلة. والسؤال: لماذا لم تكمل في النثر كما فعل العديد من رواده، باعتباركَ من أوائل من كتبوه في "حلب"؟

** بدأتُ بكتابة النثر جنبا إلى جنب مع القصيدة الموزونة، لكن تيسر نشر هذه المجموعة (شحارير بيضاء) قبل سواها، وهي من بدايات قصيدة النثر في "سورية". حتى إني أذكر أن "إسماعيل عامود" قال لـ "سليمان عواد": "جاءنا الدعم من الشمال..". ويقصد من "حلب"، وبالتحديد "شحارير بيضاء". وصحيح أني كتبت الشعر العمودي وشعر التفعيلة لكني لم أتوقف عن كتابة النثر ولدي الآن مجموعتان جاهزتان للطباعة وهما "الوردة ذات التويجات المبعثرة"، و"حتى الرمق الأخير". جمعت فيهما ما كتبته من هذا النمط على مدارة عدة سنوات، هذا النمط المتحرر من الوزن، حيث أجد أن ما لا استطيع التعبير عنه بالموزون اعبر عنه بالنثر.

وربما يعتبر بعض النقاد أن هذا التنوع هو نوع من الحيرة، في حين أجده تهييئا لفضاءات استطيع التحرك من خلالها بحرية.

* "قد ابتلي الشعر ومنذ عقود بأوهام حداثيين يتعمدون أن يكون شعرهم ليس غامضا فحسب، بل مبهما لا طعم له ولا رائحة"، هذا ما قلته في إحدى حواراتك الصحفية، والسؤال: كيف يرى "مصطفى النجار" الحداثة، وما رأيك بالساحة  

الحداثية العربية؟

** في هذه الكلمات التي أشرتَ إليها، لا أستطيع أن أعمم وأقول إن هذا الكلام ينطبق على كل الشعر الحديث، أنا أخصص نمطا من الكتابة تقصّد أصحابه أن يكتبوا قصيدة مبعثرة وغامضة إلى حد التعقيد، ولا تعنى بشؤون الناس. بل إنها ذاتية إلى حد المرض. وحتى أن بعضهم - وأشير إلى سلبية الحداثة- يستمعون إلى ما قاله "ديدور" ذات يوم: «أيها الشعراء كونوا غامضين»، وحين يتقصد المرء الغموض والتعقيد يكون قد قطع الجسور بينه وبين الآخر.

ومن ناحية أخرى أيضا القصيدة العمودية أو قصيدة التفعيلة في بعض الأحيان تحولتا إلى تقليد وتكرر في المعاني والألفاظ. ما ألاحظه على الحداثيين المتطرفين جدا ألاحظه أيضا على المحنطين والمتزمتين في القصيدة العمودية أو قصيدة التفعيلة.

* كتبتَ في النثر والشعر العمودي وشعر التفعيلة، والقصة، والمقالة، والخاطرة، فأيهما أقرب إلى قلبك. وأين وجدت نفسك؟

** خلال الفترة الممتدة بين 1956 و1971 كتب في كل الأجناس والفنون الأدبية، ونشرت عددا من القصص في جريدة الجماهير والصحف والمجلات اللبنانية، إلا أنني شعرت بأني لن أستطيع حمل أكثر من شيء بوقت واحد، فاقتصرت على كتابة الشعر وبعض المقالات المتعلقة بنقده.

* هل هناك قصائد شكلت نقلات نوعية في تجربتك الشعرية؟

** هذا الأمر عائد للنقاد. تحدثت عن تجربتي العديد من الكتب ورسائل الماجستير والدكتوراه. فالدكتور "حسين علي محمد" تناول في رسالة دكتوراه قصيدة اسمها "الله وقابيل" صورت فيها الصراع القديم الجديد بين "قابيل"، و"هابيل". وأيضا قصيدة "الخروج من كهف الرماد" كانت إرهاصا لحرب تشرين، ألقيتها في دار الكتب الوطنية قبيل الحرب، وبعد أيام دعيت للخدمة الاحتياطية وكانت الحرب التي شاركت بها، ومكن يقرأ القصيدة يرى فيها إرهاصا لما سيحدث. وهناك العديد من القصائد "قيس آخر" وغيرها من القصائد.

* لك العديد من المجموعات الشعرية المشتركة، مع شعراء من "سورية" وخارجها، ماذا عن هذه التجربة، وما الذي تضيفه للساحة الأدبية العربية؟

** منذ المرحلة الإعدادية وأنا أتراسل مع بعض الأصدقاء في "سورية" والوطن العربي، هذه الهواية توسعت وترجمت إلى إصدار مجموعات شعرية مشتركة، فكانت أول مجموعة مشتركة في العام 1974 مع شاعرين من "حلب" وهما "محمد مضر سخيطة"، و"أحمد دوغان"، وهي بعنوان "الخروج من كهف الرماد". ثم اتفقت مع الدكتور "حسن علي محمد" من "مصر" على إصدار مجموعة شعرية مشتركة. فصدرت الطبعة الأولى بعنوان "حوار الأبعاد الثلاثة" جمعتني مع "حسين علي محمد" و"محمد سعيد بيوم"، وفي نفس العام 1977 أصدرت مجموعة مشتركة جمعت بين جناحي الوطن العربي مع الشاعر  

المغربي الدكتور "محمد علي الرباوي" بعنوان "الطائران والحلم الأبيض" صدرت في طبعتين في كل من "حلب" و"وجده" وله كلمة بليغة جدا يقول فيها "كتب الجغرافية تقول بين حلب ووجده أميال، وكتب الشعر تقول بين وجده وحلب خطوة..". وبعدها صدرت مجموعة بعنوان "عندلات الحزن والسفر" جمعتني مع الشاعر التونسي "عبد السلام كركاش" والشاعر المغربي "أحمد العقباني" بالإضافة إلى مجموعات أخرى..

وجدت أن هذه التجربة مهمة جدا من حيث إشارتها إلى وحدة الكلمة، وان الشعر جمع ما لم تجمعه الأمور الأخرى. وبهذه التجربة ألغينا ما يسمى "الأديب جزيرة منعزلة".

* قبل /36/ عاما وفي حوار صحفي نُشر في "صوت الشرق" بتاريخ 1/11/1976، قلتَ: «النقد في "حلب" يتأرجح ما بين نقد صداقة ومحاباة، ونقد عداوة وغايات أخرى..»، فهل ما زال النقد في أرجوحته تلك؟

** أبتعد عن الحقيقة إذا قلت بأن النمط من تصوير الحالة النقدية ليس في "حلب" بل أبعد من ذلك لا يتصف بهاتين الصفتين. ولا أراه قد خرج عن ذلك، إلاّّ ما رحم ربي. أنا دائما أقول إن عربة الإبداع قد سبقت عربة النقد. فالنقد متأخر جدا بالمقارنة مع الإبداع. لا نرى إلا القليل من النقاد الحقيقيين، ومنهم إن وجد يكون مشغولا بالنجوم من الأدباء والشعراء.

أنا أبحث عن النقد الذي يكتشف ويقول الحقيقة بنزاهة، وينفض الغبار عن بعض الأدباء والمبدعين الذين يستحقون الكتابة عنهم. وهذا الكلام لا يتصف بالتعميم، فهناك بعض المحاولات الجادة في تغيير هذه الصورة ولكنها قليلة. ولا تزال الساحة الأدبية بحاجة إلى العديد من الدراسات النقدية الجادة والنزيهة والمعمقة.

* كيف ترى العلاقة بين الأدب والإعلام؟

** الأدب ترعرع في أحضان الإعلام. ولكن الإعلام لا يزال مقصرا بحق الأدب. فالتلفزيون مثلا يحضر أمسية ويغيب عن أمسيات. ودائما أقول بأن الإعلام يأتي ولا يؤتى إليه. بل واجب عليه أن يأتي ويسلط الضوء على شعراء ومواهب كثيرة من الأجيال المتعددة هم بحاجة إلى تسليط الضوء والكشف عنهم.

بعض الأدباء كانوا محظوظين جدا فتحولوا إلى نجوم. ولكن من شدة تسليط الضوء عليهم احترقت جلودهم. فعلى الإعلام الموازنة بين هؤلاء، كما يجب عليه طرح قضايا أدبية ثقافية جادة.

* أخيرا.. ما الذي تحتاجه الساحة الأدبية حتى تتطور، وتستمر وتتقدم؟

** تحتاج إلى الصدق، إلى الإخلاص، إلى النقد ، كما تحتاج إلى الرأي والرأي الآخر. تحتاج إلى أن يكون الكاتب أو الأديب صاحب رسالة. بعض الشعراء لا يعرفون ماذا يقولون، عبارة عن أنهم يعيشون في أوهام وذاتية مغلقة جدا أو في يأس مطلق.

يجب أن تكون الكلمة ذات رسالة نبيلة. عندما يعيش الكاتب بصدق هذه الرسالة ويترجمها بإبداعات أدبية وجمالية يحقق بذلك المعادلة الصعبة، أي التوازن بين أن يكون شعره جماهيريا وجماليا.

بقي أن نذكر أن الأديب "مصطفى أحمد النجار" من مواليد "حلب" 1943 م، حاصل على الثانوية الزراعية 1964، والثانوية الأدبية 1966، وأهلية التعليم الابتدائي 1967 عمل في المجال الزراعي، كما عمل مدرسا. نشر إنتاجه في العديد من الصحف والمجلات العربية. أذيع شعره في محطات الإذاعة العربية والأجنبية.

يكتب- إلى جانب الشعر- القصة، والمقالة، والخاطرة.

دواوينه الشعرية: شحارير بيضاء 1963- الخروج من كهف الرماد (بالاشتراك) 1974- من سرق القمر؟ 1977- الطائران والحلم الأبيض (بالاشتراك) 1977- حوار الأبعاد (بالاشتراك) 1977- ماذا يقول القبس الأخضر 1977- حينما نلتقي (بالاشتراك) 1980- قصائد عربية 1982- عندلات الحزن والسفر (بالاشتراك) 1984- كلمات ليست للصمت 1997.

ممن كتبوا عنه: "نازك الملائكة"، و"روز غريب"، و"حلمي القاعود"، و"محمد أحمد العزب"، و"أحمد دوغان"، و"أحمد بسام"، و"محمد الراوي"، و"حسين علي محمد"، و"أحمد فضل شبلول".