"مدين إبراهيم" وهاجس البحث عن واقعية الصورة

نورس علي

إن الحالة البصرية التي يعمل عليها "مدين إبراهيم" بعينه الثالثة هي تكريس لقيم الجمال في لحظة سريعة قد يغفلها الإنسان. 

فالتصوير الضوئي فن كبقية الفنون التشكيلية له مختصيه وموهوبيه ومتلقيه، والمصور الضوئي "مدين إبراهيم" واحد من موهوبيه، التقاه موقع eCalبتاريخ "14/9/2011" وأجرى معه الحوار التالي:

* ما هي الهوية الفنية الخاصة للمصور الضوئي "مدين إبراهيم"؟

** اللقطة السريعة، بفكرتها وتوظيف عناصرها ولحظة التقاطها.

* ماذا تسمي لحظة التقاط الصورة، وهل يمكن أن تتكرر أم أنك تنتظرها للتمكن منها.

** لحظة التقاط الصورة هي حدث بالنسبة لي، ولا يمكن أن يتكرر، لأنه أصبح جزء من الماضي ولا يمكن لأحد استعادة الماضي.

 

* ما هي ايجابيات الدراسة الأكاديمية برأيك، وهل من الضروري أن يكون المصور الضوئي المحترف أكاديمياً؟

** الأساس في التصوير الضوئي هو عين المصور، وهذا لا علاقة له بالدراسة، أما الأكاديمية فهي مهمة لجهة تطوير الأداء والإطلاع على معارف وتجارب التصوير وإمكانيات التكنولوجيا وطرق استخدامها، وجميع هذا عوامل مساعدة للهاوي إلى جانب العامل الأساسي وهو الإحساس باللقطة وإمكانية استثمارها من قبل العين بما يخلق حالة جمالية تجذب المتلقي.

وأنا شخصياً أقول وبكل تأكيد أن المصور المحترف ليس بالضروري أن يكون أكاديمية، ولا علاقة للاحترافية بالأكاديمية، فأغلب المصورين الذين نعرفهم ونقرأ عنهم ونطلع على تجاربهم هم غير أكاديميين.

* لكل مصور ضوئي اهتماماته الخاصة من الصورة الضوئية، فما اهتماماتك من الصورة، وما انعكاسها على فكرك وتطوره؟

** الصورة بالنسبة لي مجموعة تفاصيل، وأنا شخصياً أهتم بتفاصيل الصورة أكثر مما أهتم بالشكل العام لها، وتحديداً أهتم بإضاءة الصورة التي تعني ألوانها وماهيتها وكيف تتماهة مع الإطار العام للصورة مشكلة قصة تتحدث عن نفسها.

في حين أن انعكاساتها هي الأساس في تكريس ثقافة الجمال الخاصة بها والتي أسعى إليها من خلال ما أمتلكه من ثقافة ضوئية خاصة.

 

* بما أنك تعمل على الأرشفة من خلال صور الطبيعة فأعتقد أنها رسالة لشيء ما، فما هي رسالتك من التصوير الضوئي؟

** الأرشفة بالنسبة للمصور هي مخزون جمالي وثقافي يثري الفكر من خلال البصر، ويكرس اللحظة الهاربة بتفاصيلها، أي اصطياد اللقطة أو اللحظة الهاربة التي قد لا يشعر بها أياً كان، وهذه مسؤولية المصور الذي يعمل بفكر متقد في عمله.

ومن هنا يمكنني القول أن رسالتي في التصوير الضوئي هي هاجس لتكريس ثقافة الجمال والإيحاء إلى جماليات الأمكنة التي تراها الغالبية عادية.

* هل تشعر بأن مخيلتك تمتلك الكثير من تراكمات الصور التي من الممكن تفريغها حالياً في مرحلة الشباب المهنية.

** في الحقيقة تبدأ الصورة بالتشكل لدي من المخيلة، ومن ثم أقوم بالبحث عنها وعن مكان وجودها في الواقع، فأتصور لحظة التقاطها ويبدأ لدي مشروع البحث عن فكرة تكوينها حتى أحصل عليها، فأجد نفسي وبنفس اللحظة أبحث عن صور أخرى جديدة.

إن العمل في التصوير الضوئي لا يحتاج إلى تراكمات عمرية ليصل المصور إلى مرحلة الشباب المهنية، فيكفي أن يلتقط المصور الضوئي صورة واحدة جميلة كاملة المعايير ليلج إلى عالم الموهبة، في حين أن العكس صحيح بالنسبة للصور، حيث أن الخصوصية التي تتمتع بها كل صورة تحتاج إلى فترة نضوج للفكرة في مخيلة المصور.

 

* هل تشعر بارتباط وثيق بينك وبين الصورة قبل التقاطها، وهل يتغير هذا الارتباط بعد التقاطها بحسب الفكرة التي تعمل عليها، وكيف يكون هذا لديك؟

** في الحقيقة الصورة لدي تعيش ثلاثة مراحل، الأولى منها هي مرحلة تشكيل الفكرة في مخيلتي, والثانية مرحلة الانتقال إلى لحظة الالتقاط، في حين أن المرحلة الثالثة هي مرحلة ما بعد الالتقاط, حيث تتشكل عندي حالة إعجاب بهذا الإنجاز، ومن ثم الانتقال الى تطوير الفكرة واستنباط أفكار جديدة, و هذا جميعه ليس ارتباط وثيق وحسب بل هو حياتي التصويرية.

* هل يمكن أن تتلاعب بدرجات الضوء للوصول الى الفكرة، أم أنك تحب الضوء الطبيعي من أجل الواقعية وعملية الأرشفة التي تعمل عليها كما أسلفت؟

** أساس الصورة الضوئية الضوء، وبالتالي أنا أفضل الاعتماد على الضوء الواقعي للحصول على لون واقعي، ولكن أحياناً المصور الضوئي يضطر للعب بالضوء وتبايناته فينتج لون مختلف وصورة مختلفة، أما بالنسبة لي فأميل إلى اللون الطبيعي، لأنني أريد أن أكرس حالات الجمال التي قد يراها البعض مألوف.

* هل يمكن أن ترى في الصورة الضوئية شخوص وأفكار يمكنها التماهي في التعبير؟

** إن الحوار الكائن في الصورة أساس البحث عندي ومحور اهتمامي، وهذا انعكاس طبيعي على عناصر الصورة وتماهيها مع بعضها في قصة قصيرة، فمثلاً أتوقف مطولاً وأنا أتأمل حوار الفراشة والزهرة بألوانها وطبيعة هذه العلاقة العضوية الطبيعية فيما بينهما وما ينتج عنهما بلحظة من عيني الثالثة.

 

* بشكل عام الصورة من الواقع، فهل لها مقومات ثابتة أم متغيرة يمكن تحديدها؟

** ليس من مقومات ثابتة للصورة، لأن لكل صورة مقوماتها الخاصة التي تختلف بحسب تكوينها العام، وذلك بحسب زاوية التصوير والضوء والمناخ، وبالتالي الصورة لها حريتها غير المحدودة، وهذا ما يجعل هذه الصورة أجمل من سابقتها أو لاحقتها.

* كيف ترى ملتقيات التصوير الضوئي هذه الأيام؟

** للأسف هناك إهمال تام لفن التصوير الضوئي أدى إلى انحسار ملتقياتها من ساحات الفنون بشكل عام رغم ضرورتها وأهميتها في تبادل الخبرات والتعرف على مختلف الثقافات، وهذا انعكس على المتلقي بشكل عام وأصبح من الصعب أن نرى قارئ حقيقي للصورة الضوئية، فتولد لدي إحباط تجاه المعارض، جعلني اتجه إلى إغناء مكتبتي الخاصة بالصور ونشرها على مواقع عالمية أجد فيها من ينصفني.

* هناك من يقول أن آلات التصوير المتطور أفقدت الصورة الكثير من جماليتها، فهل أنت توافق الرأي أم العكس؟

* آلات التصوير المتطورة هي عامل مساعد للعين الذواقة التواقة للجمال، وبالتالي الكاميرات الحديثة ساعدت على إظهار الموهبة وخففت من التكلفة، ولكن انتشار الحداثة مع أشخاص يجهلون هذا الفن أفقد الصورة حيويتها وجماليتها فأساء إلى هذا الفن.

يشار إلى أن المصور الضوئي "مدين إبراهيم" من مواليد "طرطوس" عام /1967/ يعمل بفن التصوير الضوئي كهواية ومتعة للنفس وثقافة للفكر.