"محمد بعجانو" .. البصمة الفنية كالبصمة الشخصية

نورس علي - طرطوس

استقبلني بابتسامة بسيطة أشعرتني بالارتياح قبل التحدث معه، تبعها بضحكة أخرى عند السؤال عن تعريفه الشخصي الكامل أي اسمه الكامل، قائلاً لماذا الاسم الكامل، ألا يكفي "بعجانو" فهو اسم معروف للقاصي والداني في عالم الفن التشكيلي، فأجبته إن ذلك ليس إلا مجرد توضيح للقاء الصحفي.

 بساطة اللحظات الأولى للقاء انعكست على المناخ العام لمتابعته، حيث أن هذا الفنان رغم قساوة ما يتعامل معه نحتيا من كتل صخرية أو خشبية على حد سواء، تجده ضاحكاً مبتسماً، متأملا يرتقب بعينيه السماء، باحثاً في فضاءاتها عن قوالب لمئات الأفكار الموجودة بذهنه والمنطلقة من نقطة واحدة مركزية محرضة للابداع، إذاً هي الذائقة الفنية البصرية الغنية الباحثة عن التوظيف المادي المحسوس على الكتل المعنية في الفراغ لهذا الابداع.

"بعجانو" فنان يبحث فيما يقدمه من نحت أمام المتلقي عن تحسين الذائقة البصرية، وحالة من الاعتياد البصري على مشاهدة العمل الفني، في خطوة أولى لنشوء ثقافة فنية نحن بحاجة لها في حياتنا الواقعية.

في هذه المرة يقدم النحات "بعجانو" عمله النحتي على كتلة خشبية ضخمة من خشب الكينا، يزيد ارتفاعها على المترين، وتجسد في شموخها وارتفاعها جناح طائر "النورس" الذي يعبر عن ارتباطه بالأرض، من خلال تجسيده بشكل متقن، وكأن له جذورا تخرج من الأرض، لأن من المعروف أن هذا الطائر البحري لا يهاجر ويحب مكانه، كما تخلل العمل نوع من الموسيقى التشكيلية يسمعها المختص بالفن والفنانين والمتلقين العاديين والمتلقين الذين يحبون التحدث بالفن، علماً أنه يوجه اعماله للشريحة المهمة بالجمال البصري دون المتملقين.

النحات "محمد بعجانو" تحدث لموقع المفكرة الثقافية ecalبتاريخ 8 أيلول 2014 ضمن محاور هامة أهمها:

* هل توضح وحي فكرة عملك النحتي الأخير الذي قدمته في ملتقى النحت على الخشب على الكورنيش البحري في "طرطوس"؟

** فكرة العمل هي نموذج عن أسلوبي الخاص الذي أعمله به، والحركة الفنية التي أتقنها باحترافية، فمهاراتي وأفكاري الغزيرة تؤهلني للتفكير بالكثير من الأعمال التشكيلية خلال فترة زمنية قصيرة جداً، وهي بالعموم نموذج للارتباط بالأرض.

فمفردات الحياة الفنية لدي تساعدني على امكانية انجاز عمل نحتي من كتلة نحتية تراها العين بالجمالية التي أريدها أنا، وهذا بما يخدم الطبيعة والمكان دون أية آثار جانبية على المحيط به، وبالتالي أنا أقدم عمل نحتي له شخصيته المنفردة التي يمكن أن يقرأ المتلقي فيها اسمي كنحات، أي أن البصمة الفنية كالبصمة الشخصية لا يمكن لأحد أن يتلاعب بها، وبالمقابل هي تميز كل فنان عن فنان أخر

*لكل كتلة نحيتة أسلوب وتقنيات نحتية يجب على الفنان أن يدركها، ما رأيك بهذا؟

** طبعاً لكل كتلة تقنية وأسلوب خاص للتعامل معها، فعلى سبيل المثال كتلة الخشب التي بصدد التعامل معها الآن، انا أدرك أن الخشب مادة حية وله روح تعشعش بين أليافه كما بقية الأحياء، ويجب عليّ كفنان أن أحترم هذا الأمر، كما يجب أن أحترم تلك الألياف الحية وأدرك تقنية التعامل معها وأتقنها نحتياً، بعد أن تلمست تماسكها، وهذا يختلف تماماً من كتلة لآخر.  

* يرى البعض أن هذا الأسلوب الفني شيء من التكرار، هل توضح لنا رأيك بهذه؟

** لا يمكن أن نصف الأسلوب الفني الخاص بالفنان التشكيلي بالتكرار، لأن الأسلوب يختلف تماماً عما تريد أن تستوضحه بسؤالك، ولكن لا أنكر أن البعض يقول ويعتقد هذا، ولكن إن لم يتميز الفنان بأسلوب فني لا يمكن وصفه بالفنان المقتدر، وأقصد المقتدر هنا أي المتمكن من جميع الجوانب الفنية، أي الواصل إلى مراحل متقدمة من الفن، ويمكن القول أن الأسلوب الفني هو العملية الإخراجية للعمل النحتي.

وهنا أريد أن أختم بكلمة أقول فيها أني ومنذ تخرجت من الكلية عام 1980 أسعى مع بعض الأصدقاء لخلق مدرسة فنية خاصة بسورية لأننا فنياً ضائعين، بخلاف بقية الفنانين في بقية الدول الذين يمكن تمييز أسلوبهم العام المنتمي لبيئتهم العامة، كما الفنان الهندي والفنان الأفريقي والفنان الروسي، وهذا استناداً إلى تاريخنا الحضاري القديم.