فن "الورهاني" النحتي وسر الكرة

ضياء الصحناوي

انطلق "فؤاد الورهاني" من بيت والده الفنان في صناعة وبناء الحجر، ومارس احترافه الأول في لبنان، وانطلق نحو العالم ليزرع في متاحفها وساحاتها أيقونات خالدة بالحجر والخشب، وهو الذي يحمل محليته وجنسيته في قلبه وفنه أينما حضر.

المفكرة الثقافية تواصلت مع الفنان العالمي "فؤاد الورهاني" الذي تحدث عن سر الكرة في غالبية أعماله النحتية، فقال: « لقد أخذت الكرة رمزاً منذ عام 1985 لحظة فوز المنتخب النيجري ببطولة العالم للشباب في كرة القدم، لقد استيقظت على حدث يجمع العالم على حب الرياضة والعطاء والمنافسة الشريفة بعيداً عن القوة والتسلط، شعرت حينها أن السلام يتلاقى مع الرياضة.

 لم يتأثر "الورهاني" بأحد سوى بحسه ورغبته الدفينة وبفطرة اكتسبها من البيت الذي ولد فيه، فالعائلة كلها تشتغل بالفن ونحت الحجر، والمتابع لأعماله المغروسة في ساحات ومتاحف عدد كبير من مدن العالم يكتشف أنه ينتمي لمدرسته الخاصة، حيث يقول: « كان همي ينحصر في الحفاظ على الهدف وأخلاقيات الرسالة الفنية الهادفة،  فالفن هبة ».

حملت رسالة النحات المشهور "الفريد بصبوص" من لبنان الموقعة بتاريخ 29 أيلول 1990 لتفتح أمامه طرقاً رحيبة نحو الفن التجريدي، فكانت رحلته التي امتدت ثلاث سنوات بداية الطريق نحو عوالم هذا الفن، حيث يقول: «كنت أسمع بشهرة آل البصبوص في لبنان، وكنت أنظر يومها إلى الفن التجريدي على انه علم فالتحقت بهم  وزرتهم في "راشانا" وطلبت أن أعمل معهم،  وقد ساعدت "ميشال" في العمل على الكتلة مباشرة دون أي مجسم، وهذا ما اكتسبته من العمل، فقد تخلصت من عقدة الخوف من الفن التجريدي وبدأت أعرف أنه عمل نحتي جمالي لا يتبع لأي قاعدة عدا قاعدة الجمال والخلق والإتقان. وبقيت على مدى ثلاث مواسم أعمل في "راشانا.

الأفكار لا تنتظر على قارعة الطريق، فهي استلهام وتجسيد، وهذا كافٍ لتولد آلاف الأفكار فمثلا جسّمت العديد من المواضيع الاجتماعية مثل منحوتة " الضرير" وقضايا أخرى لا تقل أهمية، لكني أخذت الرياضة كموضوع في نيجيريا أولاً وفي قارة أستراليا فيما بعد، وكانت الكرة ملازمة لغالبية أعمالي، فمرة كانت عن الفعل، وأحياناً كانت هي الفاعل، وهذا ما شدني حماساً ليلة فوز "نيجيريا" بالكأس لأن أنحت تمثال لتخليد هذه الذكرى، بارتفاع 17 قدم مع القاعدة الدائرية، ونحتت على القاعدة هذه  33 لوحة من الألعاب الأولمبية، وقدمته ليكون هدية من الشعب والفنان العربي السوري، لتقاربنا مع البلد الأفريقي المضيف بالعادات والتقاليد، ولما تربط بيننا قضايا مصيرية مشتركة. ثم أكملت مسيرتي مع الرياضة في استراليا، وفني الهادف لفت نظر جهات عديدة فنحتت تمثال أربعة أمتار من خشب (البانكسيا) الوطني يمثل الشعلة الأولمبية وهو الآن في متحف بلدية (مانلي) في سدني، ثم فزت بتمثال (الباسكت بول) ليكون مشهد رياضي في الدورة الأولمبية (سدني 2000) في جامعة "مكوري في سدني"، وهو أيضاً يزيد عن الأربع أمتار، وما زال  موجودا أمام المسبح الأولمبي بالجامعة».
كمغترب سوري حمل "الورهاني" الوطن في فنه الراقي متجاوزاً ألم الغربة والفقد، فاحتفل به الآخرون واحتضنوه، ويؤكد: «حملني الفنُ من وطني، وجبت به أماكن كنتُ فيها مجهولاً، فتعجبوا من فصاحة لسان الضاد عندي، وفَهَمتها الشعوب بدون مترجم، وعلقوني في مواقع الجمال حيث مررت،  ومضيتُ عربياً سورياً. والإنسان ابن البيئة، لذلك غادرنا ديارنا دون أن نتبدل في غربتنا، وما زال الناتج من ثمر هذا الشجر، وكثيرا ماأشعر بالفخر والسعادة عندما تذكر وسائل الإعلام  بلدي ومنشأي،  فحمل فني طابعه الوطني تلقائياً.

قال رئيس بلدية "باتلو" في اليوم الوطني لأوستراليا، بعد أن سلمني شهادة شرف التفوق بعمل بطولي يعود بالنفع على المجتمع، عن تمثال صحن الفواكه في ساحة البلدة: «أنا هنا منذ 53 سنة لم احصل على هذه الشهادة الوطنية، وأنت القادم من سورية تحصل عليها بأقل من تسعة أشهر».

والرئيس النيجيري السابق في السبعينات والتسعينات "الوسوجو أوبا سانجو" قال: «رأيتهم من جميع دول العالم يأتوا ليستثمروا ويأخذوا إلا أنت أتيت لتقدم وتعطي».
أما وزير الشباب والرياضة "توني غراهام دوغلاس" قال عند افتتاح معرضي الذي خصصت ربع ريعه لدعم المجاعة في جنوب أفريقيا، قال: «وإني أشيد ببعد نظر "الورهاني" لاستغلاله المناسبة وشد الانتباه لأشرار التمييز العنصري في جنوب أفريقيا وتقديمه مساهمة مالية كتبرع ».