"عادل خضر..النحت متعة حقيقية من متع الحياة

الكتلة النحتية دراسة عقلانية ومزيج عاطفي

علاء الجمّال:

"عادل خضر" نحات سوري، عرف عنه الإلمام بأنواع الخامات المتوفرة، والعمل على تشكيلها وفق نماذج تعبيرية وتكوينية مبسطة، ويعد في الوسط الفني طاقة إبداعية محدثة في الأسلوب النحتي المعاصر.

انطلق النحات "خضر" من مرسم ضيق تحولت جدرانه إلى عازف ناي ومؤرخ يوثق قصة إنجازه، حتى أدواته المخصصة للعمل عمل على تصنيعها بنفسه وقولبها في تكوينات نحتية جميلة الشكل والخطوط..

المفكرة الثقافية زارت النحات السوري في 14/1/2009 بمرسمه في منطقة "التضامن" ـ دمشق"، وأجرت معه الحوار التالي عن خصوصيته في التجريب ورؤيته لواقع النحت الحديث:

ــ ماهي مراحل اكتشافك لخامات العمل النحتي؟

لي تجربة طويلة مع كافة الخامات المتوفرة، "صلصال، جبس، خشب، معدن، الحجر الرخامي"، بعضها غير قادر على بلورة الرؤية المتخيلة للموضوع، الطين مثلاً أكثر مادة مطواعة للتشكيل الفني، فعبره نحدث تفاصيل تشريحية دقيقة في المجسم، ويمكن أن نجعلها كبيرة الحجم، إلا أنه مادة أساسية تستطيع بها تشكيل معظم التكوينات التي نرغبها، وإذا قارناها "بالحجر الرخامي" نجده لا يقبل تلك التفاصيل.. وخاصة الضعيفة منها والممتدة في الفراغ كثيراً، بينما "الطين" يقبلها لأنه مستند في داخله على هيكل معدني، وهو مادة للتشكيل النحتي، وفيما بعد يتحول عبر القالب لأي مادة نريد العمل عليها مثل "البرونز، و الألمنيوم، والنحاس، والحجر الصناعي"، وكل خامة لها قدرة تعبيرية وشخصية تتسم بها، ويبقى الخشب كخامة حيّة الأقرب إلى نفس الإنسان، لذلك المشاهد يتعاطف معه بشكل أسرع، ويكون العمل النحتي قريباً لوجدانه أكثر.

ــ كيف وجدت العمل على المعدن والحجر من حيث الأهمية في التشكيل؟

يملك "المعدن" خاصية المباشرة في التشكيل، ونرى ذلك في أعمالي التعبيرية الصغيرة والنصبية الموضوعة في بعض الساحات والحدائق العامة، وكونه يعد مع "الحجر"، من الخامات النبيلة، فقد استطعنا كشف حضارات قديمة يعود تاريخها إلى آلاف السنين.. من خلال العمارة الحجرية، من مسارح وقصور وأعمدة منحوتة التيجان.. مثل: مدرج "بصرى"، وحمامات "شهبا"، و"تدمر"، وحضارات أخرى، مثل: "الفراعنة والرومانيين"، وفي تاريخهم استخدموا خامة "البرونز"، ولا زالت آثار تلك العهود محفوظة بنحتها ونقوشها..

ــ ماذا عن المشروع الآني الذي تقوم بإنجازه؟

أعمل الآن على منحى نحتي جديد، وهو التشكيل المباشر في المعدن، أي أنني أختار قطعاً معدنية جاهزة وأقوم بتطويعها وتحويرها عن طريق اللحام والصهر، مبتعداً عن السائد، وهو أن يأتي الفنان بمجموعة قطع جاهزة ويركبها مع بعضها البعض لخلق الشكل الفني دون اللجوء إلى التطويع والطي، وفي تجربتي أخضع القطعة إلى التكوين والتشكيل الذي أرغب، محافظاً على خصوصية الكتلة النحتية، والتشكيل الإنساني في جوهرها، والأهم أن عملية التركيب النحتي لدي متكاملة وتحتوي على موضوع وكتلة وفراغ.

ــ حبذا لو نعرف وجيزاً عن تاريخ الميدالية في النحت، كونك تعمل بها؟

اشتق فن "الميدالية" من صك النقود، حيث كانت هذه المصكوكات تحمل نقوشاً مختلفة، عبارات حروفية أو وجوه لملوك وسلاطين أو شخصيات رسمية،   ومع مرور الزمن باتت تخصصاً مستقلاً عن وظيفتها التي صممت لأجلها، ففن "الميدالية" عبارة عن تشكيل مجسم نحتي صغير نافر، يراعى فيه تقنية الرسم والتشريح من جانب المنظور والكتلة، وهذا الأسلوب قديم جداً يسمى "الريليف"، عمل به كفن جداري عند "الفراعنة والسومريين والبابليين والفينيقيين"، ومعظم الحضارات القديمة "البوذيين الهنود"، فقد صورت تلك الحضارات أساطيرها ومعاركها على الجدران والأعمدة..  وأشهر الريلييفات التي عرفت معركة نحتها مبدع سوري على إحدى الأعمدة في "روما" سمي "تراجان".

أبعاد منسجمة ومتوازنة

ــ المنحوتة في تصورك، ما خصوصيتها الجمالية؟

المنحوتة إيقاعات مجسمة ومتوازنة مع الفراغ، كما في الموسيقى نعزف عبر السلم الموسيقي ألحاناً متفاوتة الشدة واللين، صعوداً وهبوطاً لاستخلاص لحن جميل، كذلك يمكننا أن ننوع بما يشبه تلك الإيقاعات الحسية على جسد المادة الخام، لنستخلص منها كتلة نحتية متكاملة الأبعاد.. منسجمة ومتوازنة، فيها من الجمال ما يمتعنا، ومن التفكير والتأمل ما يشغلنا ويغنينا، لذلك النحات يبذل في عملية التحليل والتركيب والتنظيم والحذف والإضافة على جسد المنحوتة الكثير من الطاقة الروحية والجسدية.. حتى يصل في النهاية إلى تحقيق التكامل والتناسق في الكتلة.

ــ ما المشاهدات، التي استحقت منك الهيام والبحث، وشغف التكوين؟

الفنان يملك بصرا شديد القدرة على التقاط المشهد المرئي في الواقع، و"بصيرة" قادرة على الدخول عميقاً في مكوناته وأبعاده.. وتبقى الصعوبة في إخراج الرؤية المختزنة وتحويلها إلى عمل فني، والطبيعة تحوي تشكيلات وتكوينات مذهلة من "غيوم وحجر وسهل وشجر ونهر"..  والفنان الباحث يستطيع إعادة تركيب وصياغة ما رآه بشكل جديد لا يشبه المشهد الطبيعي الذي حدد رؤيته فيه، ويمكننا القول هنا: إن المنجز الإبداعي الذي خرج من بين يديه عمل فني صادق.

ــ يلاحظ اهتمامك "بالبورتريه"؟

"البورتريه" يستهويني كأسلوب واقعي، وكل وجه نحتي أنجزه من شخصيات المجتمع، له حالة خاصة في داخلي، فربما تعجبني ملامحه الصارمة أو الطبية، أو بروز الأنف، أو الجبين الغض أو كثرة التجاعيد، وتأثري بهذه المعالم يدفعني إلى رسمها وإعادة صياغتها نحتياً ضمن توليفات جميلة أشبه للصورة الحقيقية في واقعها الحي.

ــ متى يصبح العمل النصبي ممتلكاً لمقومات السيطرة على المكان وجذب المشاهد برأيك؟

يعتمد العمل النصبي بشكل رئيسي على دراسة المكان والفراغ المحيط بالكتلة، على أن يظهر حيويتها ونسب بنائها المتوازن والمتماسك، مع دراسة الإضاءة المتحولة على جسدها من خلال الإنارة الطبيعية والصناعية لإظهار شكلها ليلاًَ، ومنحها القدرة في السيطرة على المكان وجذب المشاهد بآن معاً.

ــ صف إحساسك بجسد العمل النحتي، الذي تراه أنت حياً؟

العمل النحتي مشهد بصري، والعين ترتاح للتنويع المنطقي للعلاقات البصرية التي يتضمنها، من درجات مختلفةكإيجاد تباين على السطوح من "ارتفاع وانخفاض، خشونة ونعومة" على أن يكون هذا مربوط بعلاقات تشكيلية منطقية واضحة الهوية.

ــ الأعمال النحتية في سورية باتت في معظمها تتجه نحو الشكلانية غير المقروءة، وليس بمقدور الجميع فهمها، كيف تنظر إلى هذا الجانب؟

مرّ الفن بمراحل عديدة.. في البداية كانت الرسوم على جدران الكهوف يستخدمه الإنسان البدائي كلغة للتعبير، عما يريد فعله، يقول أنا ذاهب للصيد فيرسم ببساطته حيوان وأداة الصيد على الجدار، في مرحلة متقدمة بدأ الفن ينفصل شيئاً فشيئاً عن الوظيفة، فعندما يصنع فنان ما خنجراً ويلجأ إلى زخرفة قبضته برسم أشكال لحيوانات مفترسة أو تعويذات أو حروف.. يكون مبتعداً عن الغاية التي صنع لأجلها الخنجر، ومع التطور الحياتي شكل هذا الانفصال حالة من التذوق الجمالي، وهي حاجة أساسية مترافقة مع الوعي الإنساني كتذوق الموسيقى أو رسومات الحرير أو طلاء الجدران.. من هنا بدأت تتشكل في المجتمعات شرائح من صناع الفن، يجسدون ميثولوجيات أسطورية وقصصاً دينية.. مثل لوحات "الأيقونة" بالكنائس، والدلالات التي تشير إليها..

ومع عصر النهضة انحصر الفن إلى حد كبير ببلاط الأمراء والملوك كتصوير شخصياتهم وتخليدهم إلى أن تمّ اختراع "الكاميرا الفوتوغرافية" التي ولدت التنافس بين العمل الفني والصورة الضوئية، فراح الفنان يبتعد تدريجياً عن تسجيل المشهد الواقعي، ويتجه نحو حسه الداخلي ورؤيته الخاصة، لتوليد أشكال وتكوينات تعبيرية جديدة.

ــ ما تصورك لعلاقة الفنان بالناقد؟

على الفنان أن يسبق الناقد في مشوار الإبداع، وعلى الناقد أن يلحق بالفنان وليس العكس، والفنان الذي يقف خائفاً من معايير النقد السائد ولا يتخطاها يقتل.

ببلوغرافيا النحات

ولد النحات "عادل خضر" في "دمشق" عام 1959، تخرج من معهد "أدهم إسماعيل" للفنون الجميلة "بدمشق"، ليصقل فنه على مدار 7 أعوام على يد النحات المصري "محمد حسين هجرس"، وخلال 27 عاماً بحث في تشكيل مختلف الخامات، وكون مجموعة كبيرة من الأعمال النحتية..

أتقن "خضر" فن "الميدالية، "والبورتريه" النحتي، وله دراسات لمشاريع نحتية نصبيه، وتجميل الأماكن العامة.. شارك في العديد من ملتقيات النحت التي أقيمت في "سورية"، منها ملتقى النحت الثاني لمؤسسة المعارض والأسواق الدولية عام 2003، أنجز عمل من الرخام التركي "بيانكو رويال"، وضع في حديقة مدينة المعارض"بدمشق"، كما أنجز عدداً من الأعمال النصبية.