سمير صروي: المسرح لغة للحوار في لوحتي

علاء الجمّال

"سمير صروي" فنان تشكيلي سوري، نهج خلال حياته طريقي المسرح والفن التشكيلي، وجمعهما في لوحة واحدة، حرص فيها على تكامل الشكل والمضمون، حتى يكون لها بصمتها وأثرها في جدار الزمن المتجدد… عرف عن الفنان تفاعله مع المجتمع وهيامه بالطبيعة من جانب آخر، وتأكيده على أبعادها في تربية المتعة الحسية والجمالية في النفس…   

ecalكان لها مع الفنان "صروي" هذا الحوار عن بعض القضايا التي تقوم بالإبداع، وتنهض بالقيم الفنية بالمجتمع:

 

*الإبداع في الفن، ما الأسس التي تصعد برؤيتنا إليه؟

**المراحل الدراسية لا تؤهل الفرد لأن يكون فناناً، والكلية تصقل الموهبة، ويبقى الدور الأخير  للبحث الشخصي والتجريب المستمر، الفن التشكيلي يحتاج إلى موهبة وممارسة لأنه حالة إبداعية قابلة للتبلور والسمو، وهذا تصحبه الرؤية السليمة لكل ما نتحسسه من مواضيع وقصص وروايات..

اللوحة العالمية "جورنيكا" للفنان الإسباني "بابلو بيكاسو" ما هي إلا خلاصة عن جرائم "الفاشيين" التي ارتكبت في قرية "جورنيكا" "بإسبانيا"، وكثير ممن شاهدو الدمار الذي ألحق بها عبروا عنها في أعمال تشكيله، لكن "بيكاسو" الوحيد الذي أعطى صورة كاملة عن الدمار… فجمع الإنسان والحيوان والنبات والجماد في مأساة واحدة،  فالموهبة والممارسة تولدان الإبداع في الفن.  

 

* التفاعل واستخلاص الشكل والمضمون، كيف يجري برأيك؟

**الإنسان جزء من المجتمع الذي يعيش فيه ومحيطه المنتمي إليه، يؤثر ويتأثر به، ويسعى خلال وجوده إلى حياة مثالية، وهنا تتشكل مراحل الصراع لديه فيبدأ التفاعل، وهذا قد يخلق رؤية  يدونها القلم أو يرسمها اللون، فتحدث من خلالها معادلة حسية لها شكل ومضمون، وقد تكون شعراً أو قصة قصيرة أو رواية أو لوحة فنية…

*خلال تجوالك في العالم، ما الصور الجمالية التي أثارت اهتمامك هناكونفتقر إليها في "سورية"؟

**التزام الناس بالقوانين… والحفاظ على الطبيعة ونظافتها، والأميز أن هناك شخصيات ذو مستويات راقية، تخرج في نزهة وتقوم بتنظيف حواف النهر أو الحديقة فهم يعتبرون المرفق العام ملكاً لهم، بينما هنا اللامبالاة هي الغالبة على الطبع، وفيما يتعلق بالظواهر الفنية… فقد لفت انتباهي الفن الحديث في "أوروبا" إنه عبارة عن استعراض وتشويه، والمؤسف أن بعض الشخصيات في مجتمعنا الشرقي، يعدّون هذه الظاهرة حضارية، فيتمسكون بها كونها من أوروبا" محاولين تقليدها والعمل عليها، مثال ذلك الحركة "السريالية و التجريد" فعندما يقوم فنان عالمي مثل "بيكاسو" أو "دالي" أو "براك" بتصميم أعماله وفق النهج التكعيبي أو التجريدي أو عن طريقة الكولاج… يستخدم مواد مختلفة من قصاصات ورق وقماش وأشياء أخرى لأنه وصل إلى مرحلة من النضوج الذهني تهيئه إلى استخلاص عصارة إبداعه بأشياء غير مألوفة، وجميلة، وبنفس الوقت هو يتقن كلاسيكية الرسم والانطباعية والتشريح الجسدي، فمن يتقن ذلك يستطيع أن يرسم عملاً تجريدياً حديثاً.

أما هنا فإنهم يقدمون على رسم "التجريد"، ولا يتقنون جوانب الرسم الكلاسيكية بدقتها، متناسين أن هذا المذهب مبني على قواعد تحليلية. تفكك الشيء بصرياً وتعيد صياغته شكلاً ومضموناً، لذلك تبدوا أعمالهم خليطاً من العبثية عوضاً عن التشكيل الناضج.

 

*كيف ترى المسرح والفن التشكيلي في متخيلك كتحليل؟

**المسرح لوحة تشكيلية متحركة، تجمع كل الفنون الشعر والدراما واللون والنحت والرسم والموسيقى والكلمة والصورة… وكل نمط يأخذ شكله وترتيبه، والفن التشكيلي والمسرح جزءان متكاملان، يجمعهما زواج كاثوليكي متلاحم ليس فيه فصل، ونلاحظ عند كبار الفنانين التشكيليين في "سورية" والعالم أن بعض لوحاتهم عبارة عن مسرح أو مستوحاة من نص مسرحي. 

*هل استوحيت من العروض المسرحية التي عملت على إخراجها موضوعاً تعبيرياً لعملك الفني؟

**بالتأكيد فقد رسمت شخصيات مسرحية بكاملها في لوحتي، مثل مسرحية "مكبث"، "لوليم شكسبير"، ومسرحية الملك "لير" فمن خلال العناصر الدرامية الموجودة في المسرحية والمرتبطة بشخصياتهم… كونت لوحة أسميتها "مكبث" أو "الملك لير"، فعندما أقرأ نص مسرحي أو رواية من الروايات أصبح في الحدث وأعيش واقع الشخصيات وأتفاعل معها فأجسد ما أستوحي منها في لوحة، وهنا أقول أن العمل الفني القوي الذي يجعل المشاهد يحاوره، عندما أقرأ "شكسبير" أستطيع أن أعرف الواقع الإنكليزي، الذي ما زال حتى اليوم مختلفاً بشكله.

*"الفنتازيا" في العمل الفني تعتبر هندسة عقلانية أو محكومة للمدى والخيال؟

**"الفنتازيا" في العمل الفني ليست عقلانية مثل الفيزياء والكيمياء لأنها متحررة من القواعد والحدود… لنأخذ مثالاً تاريخ "الميثولوجيا" بكل دول العالم… خيال الإنسان أوجدها، فعندما نقول أن "ساتوليت" أكل ابنه بالميثولوجيا اليونانية، فإننا نتحدث عن أسطورة فأين العقلانية هنا؟

أذاً "الفنتازيا" محكومة بالمدى والخيال، وإن جسدها فنان في لوحته توجب عليه أن يدرس أسطورته من كافة جوانبها من ثم النسب اللونية حتى يحقق انسجام الشكل مع المضمون.

* ألم يقللّ المسرح من نشاطك في التشكيل؟

**على العكس تماماً، المسرح لم يبعدني عن النشاط التشكيلي ومازلت أرسم بوتيرة عالية، فمنذ فترة كان لي معرضاً في "السويد"، وتبعه معرضاً في "سورية"، وهذا الصيف شاركت بملتقى دولي للرسم في "بلغاريا"، وفي ملتقى دولي أخر بمنطقة "ديلي ـ سورية" والآن معرضي القادم، ولا أخفي أن معارض زملاءنا في دار "البعث" شغلتني قليلاً كوني مشرف ومدير صالة العرض، فمنذ افتتاحها في العام 2005، استضفنا عبرها أكثر من 90 معرضاً.

 

*أثقلت اللامبالاة واقعنا الحياتي بأشكال مختلفة من التلوث البصري، وبات الإدراك الضئيل لقيمة الجمال مدخلاً للتشويه؟ كيف تنظر إلى هذا الجانب؟

**المجتمع المثالي يخضع إلى معايير وقوانين مجتمعية صارمة تسيير أموره، وعقاب حازم في حال الخطأ.. هذه المحاكمة تخلق نقطة تحول إيجابية تنطلق بالمجتمع بكافة جوانبه إلى الرقي  والتحضر، وفي حال تداعت هذه المنظومة، فالمثالية ستتداعى أيضاً، وبالتالي انجراف خلف العشوائية واللامبالاة… فضلا عن ذلك كل شيء في الحياة يعدّ ثقافة، والتلوث البصري ثقافة، والشيء الإيجابي أن نرى رغم تلك التداعيات… أناساً يتمسكون بمثاليات التصرف والجمال.

ببلوغرافيا الفنان

*ولد سمير صروي في دمشق عام /1950/.

*تخرج في كلية الفنون الجميلة برومانيا جامعة بوخارست عام /1981/.

* سنة اختصاص بتاريخ الأزياء الشرقية من نفس الكلية عام /1982/.

*عدل شهادته في "أستراليا ـ كامبيرا".

*عمل مع عدة مدارس بولاية "فيكتوريا" بنشاط يخص عالم السلام العالمي.

* أخرج وصمم ديكور وأزياء العديد من الأعمال المسرحية منها مسرحية "الدب" "لأنطون تشيخوف".

*له أكثر من معرض شخصي داخل سورية وخارجها ومشاركات في معارض جماعية مختلفة.