"رزان عيسى".. سيبقى الباليه في قلبي حلماً جميلاً

 رولا القطب

 تراها على خشبة المسرح فراشة راقصة مفعمةً بالإحساس والحيوية.أحبها الجميع بخفتها وقدرتها على التعبير الصادق، فعندما تسأل عن البالية الكلاسيكي في سورية تذكر"رزان عيسى" أول راقصة باليه سورية من المعهد العالي للموسيقا بدمشق.

المفكرة الثقافية أجرت المفكرة الثقافية أجرت اللقاء التالي مع الفنانة "رزان عيسى" بتاريخ 25/1/2009:

*هل لك أن تُحدثينا أكثر عن بداياتك مع رقص الباليه، من شجعك نحوه خاصةً أنك من عائلة محافظة ؟

**أذكر تماماَ أن مشواري الفني مع رقص الباليه بدأ عام /1998/، حيث كان عمري في ذلك الوقت تسع سنوات، ورغم أن عائلتي محافظة إلا أن والديّ كانا منذ صغري يُطلعاني بشكلٍ مستمرعلى أهم العروض الراقصة في الباليه الكلاسيكي وعلى أهم الحفلات الموسيقية في العالم، التي بمشاهدتُها أُطلعت على الثقافة الغربية الكلاسيكية.

قصتي مع الباليه خيالية نوعاً ما، ففي إحدى الأيام سمع والديّ عن قيام دورات للباليه في المعهد العالي للموسيقا الذي كان يُسمى بالمسرح القومي في ذلك الوقت. حيث قام والديّ بتقديمي إلى امتحان القبول، أذكر وقتها تماماَ "قاعة الإختبار" والخبيرة الروسية التي كانت تختبر المتقدمين. بالبداية لم يتم قبولي في صف الباليه، لأن الخبيرة رأت أن جسدي لايصلح لأن أكون راقصة بالية لأنه يحتاج إلى المزيد من الليونة، وعلى أثر ذلك فقدت الوعي لفترة قليلة، وبعد صحوتي تساءلت الخبيرة عن سبب حدوث ذلك، فأخبرتها أن ذلك كان لعدم قبولي في الاختبارلأنني متعلقة جداً بالباليه، فأعطتني فرصة واحدة لمدة اسبوعين اتدرب فيها مع الطلاب الذين تم قبولهم، فكان ذلك أول تحدي في حياتي مع هذه الخبيرة الروسية، و كان لدي اصرار كبير على متابعة الرقص.

وبعد اسبوعين من التمرين فاجأتني الخبيرة أنها مددت لي شهراً إضافياً نظراً لتحسني .

واليوم وبعد عشرين عاماً قضيتها من حياتي في رقص البالية، لم أتوقف خلالها عن التمرين والرقص مُطلقاً، فذلك التحدي الذي منحتني أياه هذه الإنسانة كان له تأثير كبيرعلى حياتي لأنها أول من فتح لي الباب لدخول عالم البالية الكلاسيكي.

كما أن الأستاذ "صلحي الوادي" هو الشخص الثاني الذي له الفضل الكبير على "رزان عيسى " في الباليه لأنه وبفضله تم افتتاح مدرسة للباليه في سورية في المعهد العالي التي تم الإعتراف بها من قبل وزارة الثقافة، ففي المعهد العالي للباليه أصبحت مسؤوليتي مضاعفه لأنني انهيت المراحل التأسيسية في الباليه للدخول إلى المرحلة الاحترافية.  

*كيف استطعت التوفيق بين الدراسة في "المدرسة والجامعة" مع الباليه ؟

**أثناء المدرسة واجهت الكثير من الصعوبات نظراً لأن طابع مجتمعنا شرقي، حيث وجهت لي الكثير من الإنتقادات من قبل زملائي وأساتذتي، إلا أن والديّ كان لهما دوراً كبيراً في تشجيعي على المتابعة، فوالديّ هما سبب نجاحي في الباليه والدراسة معاَ، وأود التنويه لأمرٍ هام أن تنظيم الوقت كان له دور هام في نجاحي أيضاَ، لأنه بالإضافة لشهادتي بالمعهد العالي للباليه، حصلت على شهادة من كلية الآداب قسم الأدب الإنجليزي.

*من وجهة نظرك بماذا يتميز راقص الباليه عن العازف؟

**العازف مع آلته كيانين مختلفين، أما بالباليه الآلة هي جسد الراقص، ففي رقص الباليه هناك ثلاثة عوامل يجب أن تجتمع معاً وهي انسجام الحركة مع الموسيقا والمكان، فكلما تم تعليم البالية منذ الطفولة، كلما استطعتنا الحصول على نتيجة أفضل من الراقص لأنه اعتاد الإنسجام مع هذه العوامل منذ الصغر.

*وجدنا من خلال حديثك أنك تؤكدين على تعليم البالية منذ الصغر، لماذا؟

*لأن هناك مناهج في الباليه تدرب الطفل تدريجياً، حتى يصل لمرحلة الإحتراف، ففي مرحلة ماقبل أن يكون الراقص محترفاً أي في المرحلة التأسيسية التي تستمرحتى عمر /18/ سنة والتي  تُعد من أهم وأصعب المراحل بالنسبة للراقص تحتاج إلى الكثير من الجهد والتعب كي يعتاد على الإنسجام مع العوامل الثلاث التي ذكرناها سابقاً وهي انسجام الحركة مع الموسيقى والمكان التي هي أساس الراقص المحترف.

*من خلال خبرتك هل عامل "الموهبة" وحده يكفي لإعداد راقص باليه محترف؟

**في الحقيقة الموهبة برقص الباليه لاتكفي.....لأن هناك العديد من الراقصين لديهم موهبة جسدية خيالية وليونة فائقة، ولكنهم لايملكون الإحساس بالموسيقا أثناء الرقص، فالموهبة لها دور في الباليه لكن مايميز هذا الفن أننا نستطيع من خلال التمارين والتدريبات تحسين لياقة الجسد، لذا من أجل ذلك نبدأ بالباليه منذ الصغر كي نستطيع التحكم بالأمور السلبية وتحسينها حيث  يجب أن يتوافر عنصرين هما التدريب والموهبة معاً، فلايمكن لراقص باليه الإستمرار بمعزلٍ عن الآخر، وأعتقد أن هذين الأمرين تجتمع فيهما أغلب أنواع الفنون.

*هل يستطيع راقص الباليه الكلاسيكي ايصال الرسائل الفنية للجمهور تماماً مثله مثل العازف والرسام؟

**بالتأكيد خاصةً بالباليه الكلاسيكي، لأنه يحتاج إلى دقة متناهية في الأداء، فهذا النوع من الباليه قادرعلى ايصال العديد من الرسائل إلى الجمهور لأن الإحساس فيه يأتي بالدرجة الأولى، فعندما يشعر الراقص بصدق الدور الذي يؤديه بالتأكيد سينعكس ذلك على حركات جسده أمام الجمهور، لأن آلة الراقص هي جسده، وهذا الأمر من إحدى الأمور التي لايستطيع أي راقص باليه القيام بها.

*مالذي يُميز الباليه الكلاسيكي عن بقية أنواع الباليه الأخرى؟

**مايميز الباليه الكلاسيكي "وقفة ال point" والتي هي الوقوف على رؤوس الأصابع وهذا  أمر غير موجود بأي نوع باليه راقص، فمن الممكن أن تجد "الدراما- الحركات الصعبة والمعقدة" ببقية أنواع الرقص لكنك لن نجد "وقفة ال point" إلا بالباليه الكلاسيكي فهذه الوقفة أمر بغاية الصعوبة لأن ثقل الجسم مرتكز على هاتين النقطتين.

*ماهي أهم المحطات الراقصة التي أثرت بذاكرتك ؟

**أول عرض أعتز به هو "اوبرا داييدوس انيس" لأنه أول عرض أوبرالي سوري راقص تم بأيدي سورية، رغم الإستعانة قليلاً بخبراتٍ أجنبية، فالعمل كان بدعم وتمويل من الحكومة البريطانية "المركز الثقافي البريطاني" إلا أن "80%" من فريق العمل من "موسيقييين، راقصيين، ممثليين، فننين، اضاءة، ديكور"هم سوريين. والعرض تم عام  /1995/ وكان على رأس هذا العمل الأستاذ المرحوم "صلحي الوادي" الذي أفتخر جداً بمشاركتي معه فيه لأنني كنت  رغم صغر سني  Dance Leader أي "قائد مجموعة الرقص" فقُدم العمل ب"بصرى" و"تدمر" و"قصر المؤتمرات" وكان يتم إعداد أوبرا متكاملة مع عزف أوركسترا حيّة لأول مرة في تاريخ سورية بأيدٍ سورية.

المحطة الثانية كانت عرض باليه "كسارة البندق" عام /1998/ حيث تم تقديم العرض بشكلٍ متكامل من فصلين لمدة ساعتين مع موسيقى مسجلة فكان جميع الراقصين سوريين باستثناء المدربة التي كانت روسية حيث لقي العرض قبولاً جيداً فتم اعادته لمدة /3/ سنوات على التتالي بدعم من الدكتورة "نجاح العطار"والأستاذ "صلحي الوادي" وبعد ذلك توالت الأحداث وسافرت خلالها لمعظم مدارس الباليه في أوروبا  ففي "انجلترا" احتكيت بشكلٍ مباشر مع راقصين من معظم مدارس "أوروبا" فقمت هناك بأداء العديد من العروض المختلفة، أما نهاية رحلتي أي قبل عودتي إلى "سورية" كانت في المعهد الوطني العالي للرقص ب"ليون" في "فرنسا" حيث حصلت على شهادة "درجة شرف" كطالبة من خارج فرنسا، وآخر محطة في الباليه  قبل اعتزالي النهائي لمجال الباليه في سورية، هي "تصميم، تنفيذ، وأداء" عرض راقص لافتتاح مهرجان السينما في عامه الثالث عشر سنة /2003-2004/ الذي قام بإخراجه "جمال سليمان" بمشاركة راقصين سوريين، والعرض كان من تصميمي وإشرافي وتدريبي بالإضافة لمشاركتي بالرقص.

أفتخر بهذا العرض لأنه عرض مُتكامل كأي عرض وطني بخبرات وطنية، وهذا كان آخر ظهور لي على خشبة المسارح السورية.

*عملت بالمعهد العالي أستاذة لرقص الباليه، ماالنكهة التي أضافتها هذه التجربة على "رزان عيسى"؟

**هناك مقولة تقول "عندما تُدرّس فأنت تتعلم مرة أخرى" و بالتأكيد وجودي بالمعهد كأستاذ للباليه له نكهة مختلفة، مقارنة بوجودي فيه قبلاً كطالبة.

 درست بالمعهد العالي رقص الباليه الكلاسيكي في "قسم الباليه ، وبمدرسة البالية للأطفال"، كما قُمت بإعطاء دروس نظرية فيما يتعلق "بتاريخ الباليه وتاريخ الباليه الحديث" بالإضاقة لدروس عملية في الرقص الحديث والجاز.

 بصراحة عندما درّست بالمعهد العالي شعرت أنني تعلمت كل مادرسته بالباليه خلال عشرين عاماً .

مرة ثانية "مجدداَ" لاأستطيع نسيان هذه التجربة لأن الموقف أثر بنفسي كثيراً في أن أكون مدرسة بالمكان الذي كنت فيه طالبة.

*بالفترة الأخيرة لاحظنا غيابك الطويل عن تقديم عروض الباليه، مالسبب في ذلك؟

**لأنني اتخذت قرار "الإنسحاب"، بالفترة التي وصلت فيها لمرحلة هامة جداً بالباليه التي تُسمى بتاريخ حياة الراقصين بمرحلة المجد، وهناك عدة أسباب دفعتني لاتخاذ قرارالإنسحاب نهائياً من مجال الفن في سورية، لأنه للأسف لم يعد هناك اهتمام شديد بالباليه على عكس الفنون الأخرى، لذا أردت أن يبقى الباليه حُلماً جميلاً في ذاكرتي وروحي  وكلما أغمضت عيني أتذكر كم كنت أستمتع فيه.

*حالياً ماهو تقييمك للرقص في سورية ؟

**من وجهة نظري هناك موجات عديدة من الرقص في سورية التي اقدرها لكنني لااستطيع تسميتها برقص باليه وإنما يمكنني تسميتها بعروض استعراضية درامية أو فلكلورية أي ما يسمى بمصطلح الراقصين music proformanceاو music showلأن مُعظم العروض الحالية في سورية، أغلب مقوماتها الدبكة أوالحركة الرجولية العنيفة أوالأنثوية الناعمة مع قصة ودراما وديكور وأزياء فهي عروض استعراضية مع حركة راقصة.

أعتقد أنه مع غياب "صلحي الوادي" انتهى الباليه الكلاسيكي حيث كنا في عهده بصدد احداث فرقة باليه وطنية، إلا أن "جنيننا" تعرض للأسف للإجهاض بسبب العديد من الخلافات التي لاأعلم مامصلحة الناس لها بذلك..!

إن طلاب الباليه السابقون سعوا لاستمرار مشروع فرقة البالية الوطنية ولكن دون فائدة، كما أنني سعيت لذلك أيضاً فأرسلت العديد من الرسائل والدراسات للعديد من الأشخاص إلا أن صوتي يبدو أنه لم يكن كافياً،  ويبدو أن الباليه الكلاسيكي في هذه الفترة لم يعد مرغوباً في، وقد تستغربون لو علمتم  أنني أعمل حالياً من خلال شهادتي في الأدب الإنجليزي بمكان مختلف تماماً عن عالم الباليه ، وبمكان تابع للأمم المتحدة.  لذا انسحبت لأنني أردت أن يبقى الباليه حلماً جميلاً في ذاكرتي وخيالي، فأنا فخورة بما حققته لأنه عندما يتم ذكر الباليه الكلاسيكي في سورية يتم ذكر "رزان عيسى" هذا الوسام الذي أضعه على صدري لأنه كل ماتبقى لي من ذكرى الباليه.